تخلصوا من أكياس البلاستيك

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢٨/نوفمبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٠ ص
تخلصوا من أكياس البلاستيك

أدريان بريدجوتر،

يتفاقم تأثير البلاستيك على البيئة يومًا بعد يوم؛ لا سيّما وأن كثيرا من السلع التي نشتريها تُعبأ أو تُغلف بالبلاستيك. والأمر المثير للقلق هو أن المستهلكين من كل مكان ما زالوا يتعاملون مع الموضوع بشيء من اللامبالاة وكأنهم لا يدركون حجم المشكلة ومدى تأثير استهلاك البلاستيك والنفايات البلاستيكية في مختلف أنحاء العالم العربي. ولا تفتأ هذه المشكلة تؤرق العالم أجمع؛ إذ تتحلل النفايات البلاستيكية في مياه محيطاتنا وتُسمّم كائناتها من الأسماك الصدفية والعوالق التي تعيش على سطحها، ويزداد الأمر سوءًا عندما تتركز السموم وهي تمر عبر السلسلة الغذائية تصاعديًا لتصبح سمًا يصيب الملوّث نفسه: البشر.
اعتاد الناس على حمل نفاياتهم البلاستيكية المنزلية في أكياس بلاستيكية. حسنًا! بالطبع سيفعلون ذلك فهل من بديل؟ يعاني العالم العربي مستويات مروّعة من انتشار النفايات البلاستيكية والقمامة؛ فقد تجدها مرمية على جنبات الطرق وفي الحدائق ومتناثرة على الشواطئ والأماكن التي وهبتها الطبيعة جمالًا وبهاءً.
يكمن حل المشكلة في ثلاثة عناصر هي توعية المجتمع والقبول بالفكرة والتمكين. لنتطرق إذا إلى كل عنصر على حدة.
وفقًا للتقديرات التي نشرتها مجموعة الاستدامة وإدارة النفايات بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا EcoMENA في عام 2016، فإن الشخص المقيم الواحد في الإمارات العربية المتحدة يستخدم في المتوسط ما معدله 450 زجاجة ماء بلاستيكية كل عام. ومن جهتها، أفادت وزارة البيئة والمياه الإماراتية بأن عدد الأكياس البلاستيكية المستخدمة في الإمارات يصل إلى 11 مليار كيس سنويًا.
وبالنسبة لبقية أنحاء الشرق الأوسط، فمن المنطقي أن نقول إن مستويات استخدام الفرد الواحد للزجاجات والأكياس ستكون أقل في دول كثيرة؛ خصوصًا في الدول التي تعتمد على استهلاك مياه الصنبور بشكل أكبر مثل مصر على سبيل المثال، ولكن تظل المشكلة قائمة.
لا يمكننا إلقاء اللوم كله على الشرق الأوسط وحده؛ فأمريكا الشمالية تعاني المشكلة ذاتها إن لم تكن في وضع أسوأ. من عادة موظفي محلات البيع بالتجزئة في الولايات المتحدة الأمريكية وضع السلع في كيسين حتى الخفيفة منها كسندويشات الدجاج وألواح الشكولاتة.
وعلى ما يبدو أن الأمريكيين، وكذا غيرهم، يتخوفون من مقاضاة الزبائن لهم في حال وقع سندويش الدجاج أو انكسر لوح الشوكولاتة خاصتهم. على أية حال، فإن رسالة توعية المجتمع لم تنتشر على نطاق واسع.
المرحلة الثانية هي القبول والتعاطي مع الأمر؛ فالمجتمع سينتفض جراء هذه المبادرة، لكن لن يكون الأمر بالسوء الذي يبدو عليه.
رغم أن الخطوات الأولى ركزت على الحد من استخدام الأكياس البلاستيكية، إلا ان المساعي تتجه صوب الزجاجات والتغليف والعبوات البلاستيكية للوصول في النهاية إلى ما يمكن وصفه بالحلقة المثمرة.
لقد تم إصدار قانون وطني يفرض رسومًا على استخدام الأكياس البلاستيكية في معظم مناطق أوروبا والمملكة المتحدة. وفي البداية ورغم أن التكلفة المفروضة على كل كيس كانت ضمن الحدود الدنيا، إلا أن الجميع أبدوا امتعاضهم واشتكوا من الظلم والإزعاج الذي تسبب به هذا القرار. لقد كانت الأكياس مجانية وأصبحوا الآن مضطرين للدفع مقابل استخدامها.
هدأت الأوضاع وتضاءلت الشكاوى بعد حوالي ستة أسابيع. وخلال هذه الفترة لجأ المشترون إلى أكياس النايلون الأكثر متانة وقوة والتي لم تكن مكلفة على أية حال. توقف الجميع عن الشكوى وانحسر استخدام الأكياس البلاستيكية محليًا بنسبة 85% خلال عام واحد فقط.
من هنا يمكن القول ان مرحلة قبول المجتمع اكتملت نسبيًا عند هذه النقطة وتنطوي المرحلة الثالثة على تمكين المجتمع وتحقيق مستوى من الانفتاح.
تقوم النظرية المفتوحة لبرمجة الكمبيوتر على تبادل البرنامج وتصميمها وطرحهما للاستخدام دون مقابل. وعندما تعتمد الشركات نظام المصدر المفتوح، يتسنى لها أيضًا "الحصول على مقابل" للتصاميم مفتوحة المصدر عبر توفير خدمات الإدارة والصيانة، ولكن يظل المنتج الأساسي مجانيًا.
قام ديف هاكنز، مصمم هولندي، بتوظيف النظرية المفتوحة وتطبيقها على آلات إعادة تدوير البلاستيك.
يقول هاكنز إن البلاستيك مادة ثمينة، ومع ذلك فإننا نتخلص منها ونرميها على شواطئنا وفي الحدائق وجنبات الطرق بالمدينة. ولعل السبب وراء ذلك هو أن الرجل أو المرأة التقليديين لا يملكون الأدوات اللازمة لتحويل النفايات البلاستيكية إلى مواد جديدة معاد تدويرها.
بادر هاكنز بابتكار تصاميم قياسية بسيطة وسهلة التجميع لآلات إعادة التدوير من المواد نفسها المعاد تدويرها. حتى إنه وفّر مخططات التصاميم عبر مصدر مفتوح على شبكة الإنترنت بحيث يتسنى لأي شخص (أو بالأحرى أي مجتمع صغير) البدء بإعادة إنتاج المنتجات من مواد النفايات.
تتسم تصاميم آلات إعادة تدوير البلاستيك بأنها قياسية ويسهل إصلاحها ويمكن الحصول على مكوناتها من قطع مختلفة. كما إنها مصممة ليتم تصنيعها باستخدام أنواع مختلفة من السلع التي غالبًا ما نجدها مرمية في أي مكب نفايات في الشرق الأوسط.
لنتأمل الغسالات القديمة وأجهزة التلفاز والسيارات على سبيل المثال؛ فجميع هذه المنتجات المهملة مصادر غنية بالبلاستيك. ويقترح هاكنز تغير الفكرة المأخوذة عن البلاستيك بين المستخدمين في العالم العربي وخارجه، ويوصي بأن يعتبروا البلاستيك مادة ثمينة وذات القيمة، ولذلك أطلق على مشروعه اسم "البلاستيك الثمين".
يقول هاكنز: "أينما كنت تعيش (بما في ذلك الشرق الأوسط)، ينبغي أن تتمكن من بناء هذه الآلات بنفسك، أو يمكنك الاستعانة بحرفي بارع لمساعدتك. تتيح هذه الآلات الفرصة للجميع لبدء الإنتاج وإنشاء عمل تجاري وتنظيف الحي الذي يعيشون فيه. وما هذه إلا معلومات أساسية على الناس معرفتها ليبدأوا مشروعهم المصغر لإعادة التدوير في أي مكان في العالم - ويمكنكم فعل ذلك مجانًا".
إذا تكللت مشاريع كهذه بالنجاح، فمن الممكن أن تتمخض عنها حلقة مثمرة، حيث يمكن أن تتحول جميع زجاجات الماء البلاستيكية التي نعتمد عليها إلى وقود لآلات إعادة تدوير البلاستيك.
يمكن القول بأن الدعوة لترشيد استخدام البلاستيك آخذة في الانتشار بالشرق الأوسط وأصبحت إعادة التدوير أمر مألوف ومعمول به بموجب القانون. ولكن، لا تزال الطريق أمامنا طويلة، وتقع المسؤولية الأكبر على عاتق المجتمع قبل أي شيء.

متخصص في شؤون تطوير البرمجيات وإدارة المشاريع والتكنولوجيا