محنة أوروبا مع ترامب

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٧/نوفمبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٥ ص
محنة أوروبا مع ترامب

آنا بالاسيو

في 8 أكتوبر، لما أُعلن عن فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية للولايات المتحدة الأمريكية، والذي كان صدمة للجميع، كان مؤتمر في بروكسل يحتفل بإرث الراحل فاتسلاف هافل، أول رئيس بعد الشيوعية في تشيكوسلوفاكيا (وفيما بعد جمهورية التشيك). ومع دخول العالم عهد ترامب، أصبح هذا الإرث أكثر أهمية، خاصة بالنسبة لأوروبا.

فمن الصعب أن نتصور شخصيتين أكثر اختلافا من هافل وترامب. كان الأول فنانا ومثقفا خاض حياته كلها من أجل الحقيقة، وعمل بلا كلل لإخراج أفضل ما في الناس والمجتمعات. والثاني رجل أعمال، مهووس بذاته، ووصل إلى الحكم عن طريق اللعب على مشاعر الناس.
لقيم هافل الكثير من القواسم المشتركة مع تلك التي دفعت إلى إنشاء النظام العالمي الليبرالي، بعد الحرب العالمية الثانية، الذي جلب السلام والازدهار غير المسبوق. ومع ذلك، يشير انتخاب ترامب إلى أن الولايات المتحدة قد لا تدعم تلك القيم، ناهيك عن أنها سوف لن تواصل القيام بأي دور في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية للحفاظ على النظام الدولي.
وتوجد الثغرة الاستراتيجية الناتجة عن ذلك فرصة لبعض الفاعلين العالميين لتولي زمام القيادة- في الواقع، هناك حاجة ماسة إلى ذلك. وعلى الاتحاد الأوروبي- الذي استوعب وقام بتفعيل المثل والمبادئ الأساس للنظام العالمي الليبرالي أكثر من أي فاعل عالمي آخر- أن يتحمل هذه المسؤولية. المشكلة هي أنه في الوقت الراهن على الأقل، لا يبدو ذلك في وسع الاتحاد الأوروبي.
وقد قدم الاتحاد الأوروبي مساهمات قيمة في النظام العالمي الليبرالي، بحيث كان قدوة بشأن تغير المناخ وساعد في الوصول إلى اتفاق عملي لاحتواء البرنامج النووي الايراني. ولكن، حتى الآن، لم يظهر القدرة على قيادة عالمية حقيقية. لننظر إلى كارثة مؤتمر كوبنهاجن لتغير المناخ لسنة 2009، والتدخل الفاشل في ليبيا والاستجابة غير الكافية لأزمة الهجرة المستمرة.
باختصار، في حين كانت أوروبا لاعبا قويا، لم تكن كابتن فريق جيد. هذا ليس لعدم وجود أمل في تحقيق ذلك. لنذكر مثالا واحدا: تأسيس الاتحاد الأوروبي كقطب للقوة العالمية كان من أهداف الاستراتيجية الأمنية للاتحاد الأوروبي لعام 2003 التي أعيب عليها كثيرا. بعد فوز ترامب، أعلنت الممثلة السامية للشؤون الخارجية والسياسة والأمنية فيديريكا موجيريني أن الاتحاد الأوروبي أصبح «قوة لا غنى عنها».
ولكن، كما يحدث في كثير من الأحيان في أوروبا، هناك فجوة كبيرة بين الخطاب والواقع. الاجتماع الطارئ الذي حضره عدد قليل من وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في أعقاب الانتخابات الأمريكية هو تذكير صارخ لمدى المسؤولية الواقعة على عاتق أوروبا لملء الفجوة الناتجة عن إمكانية تنازل ترامب عن مسؤوليات أمركا العالمية.
والحقيقة هي أن الاتحاد الأوروبي يفتقر إلى الرؤية والنفوذ. لتكون قطبا يجب أن تصبح أوروبا جذابة، إما بواسطة السلطة أو بالقوة الناعمة. فخلال أوائل الألفية، في ذروة توسيع الاتحاد الأوروبي، كانت أوروبا جذابة. وربما حتى مؤخرا في عام 2013 خلال أحداث أوكرانيا، عندما توفي شباب أوكرانيون من أجل انضمام بلادهم المحتمل للاتحاد الأوروبي. أما اليوم، فتوجد الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في حالة تقوقع داخلي، واختفت تلك الجاذبية.
الآن، بعد مصادقة البريطانيين على الخروج من الاتحاد الأوروبي، وفي خضم أزمة الشراكة عبر الأطلسي، يمكن للاتحاد الأوروبي البروز أيضا. وإذا لم يكن كذلك، فالبديل الأكثر ترجيحا هو أن يصبح منبرا تهيمن عليه ألمانيا التي يمكن أن تقود أوروبا. في بعض الجوانب، يسير الاتحاد الأوروبي بالفعل في هذا الطريق. ومن البديهي أن لا شيء يتم في بروكسل في هذه الأيام دون موافقة الحكومة الألمــانية. ويؤكــد هذه الحقيقة تعهد المستشارة الألمـــانية أنجيلا ميركل من جانب واحد لاستقبال اللاجئين واتفاق الاتحاد الأوروبي الذي قادته ألمانيا مع تركيا لوقف تدفق اللاجئين.
وستكون النتيجة معضلة كبيرة - بل مأساوية. كان من المفترض أن يكون المسعى فوق وطنيا، شكل من الاتحاد الأوروبي المتسم بروح العمل الجماعي من أجل الصالح العام الذي دافع عنه هافل. وعلى الرغم من أن ألمانيا بالتأكيد قوة مهيمنة حميدة، فإن أي هيمنة وطنية أحادية في أوروبا ستتناقض أســاســـا مع الهدف من إنشاء الاتحاد الأوروبي.
على مستوى عملي، لن تكون ألمانيا بطلا دوليا قويا بما يكفي. في عالمنا الذي يميل إلى فكر هوبز على نحو متزايد، هناك حاجة لإظهار القوة التقليدية. ويُعيق نفور ألمانيا التقليدي من القوة الصلبة قدرتها على إبراز نفوذها -ونفوذ أوروبا- على الصعيد العالمي.
بالتأكيد، هناك طرق جديرة للنهوض بأوروبا، أبرزها، إعادة تنشيط الجهود المتوقفة منذ فترة طويلة لتنسيق وتبسيط الدفاع الأوروبي. لحسن الحظ، كانت هناك علامات حية على هذا الصعيد في الأسابيع الأخيرة، إذ وافق وزراء الخارجية والدفاع الأوروبيون على المضي قدما في التعاون. لكن وضع تلك الجهود تحت إمرة القيادة الألمانية ليس بالحل الأمثل، ولكن قد يكون أفضل نتيجة ممكنة، نظرا للظروف الحالية.
الحصول على نتائج مثالية في أوروبا ليس واقعيا. وكما أشار هافل، التشبث بالتفاؤل -الاعتقاد بأن الأمور ستنتهي بشكل جيد- غير مجد. بدلا من ذلك، يجب علينا أن نجد أسبابا للأمل- الاعتقاد بأنه ستصبح للأمور معنى في نهاية المطاف. والطريقة الوحيدة لبلوغ ذلك هي أن نكون صادقين مع أنفسنا ونلقي نظرة واقعية على ما يمكن وما يجب القيام به لتحقيق أقصى ما يمكنه.
لأوروبا القدرة على لعب دور رائد في العالم، لكنها تفتقر إلى الثقة بالنفس والتفاني من أجل تحقيق ذلك. لقد حان الوقت للاعتراف بالتهديد الحقيقي الذي يواجه النظام العالمي الليبرالي. عندها فقط يمكننا معرفة كيف نحمي مصالحنا ومثلنا العليا في عالم مليء بالتحديات. وأعتقد أن هذه هي رسالة هافل اليوم.

وزيرة خارجية أسبانيا السابقة