الخليج في عيون اليمين الأمريكي

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٧/نوفمبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٥ ص
الخليج في عيون

اليمين الأمريكي
أحمد المرشد

يتعين علينا ونحن بصدد تناول التحليل السياسي لمستقبل العلاقات الخليجية – الأمريكية عقب انتخاب الجمهوري اليميني دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، ضرورة الربط بين أقوال صاحب صيحة «الترامبوية» وهي صيحة أمريكية جديدة، قبل مجيئه للبيت الأبيض.. وبين ما نرى أنه سيكون واقعا جديدا في هذه العلاقات، خاصة في ظل أن كل ما نطق به هذا «الترامبوي» يعد ضلالا في حق الخليج.

‏وقبل أن أبدأ تصوير مواقف ترامب حيال منطقة الخليج، لابد أن نلفت الانتباه إلى أن ثمة اتجاها لتكون مواقف المرشح الجمهوري المتشددة، هي من قبيل تأليب الجمهور اليميني ضد الديمقراطيين، للحصول على أصواتهم، وكذلك جذب أصوات المتشددين الذين يرون أن بلدهم أمريكا في طريقها للانهيار، وأن هذا المرشح هو الذي سيعيد أمجاد أمريكا للأمريكيين.
‏يعني لنا نحن الخليجيين، أن نحبس أنفاسنا ليس من فوز ترامب فقط، ولكن فوز الجمهوريين بأغلبية الكونجرس، فالمجلسان التشريعيان الأمريكيان -النواب والشيوخ- هما الأخطر على مستقبل العلاقات وليس الرئيس في حد ذاته.. ويعني لنا أيضا ترقب ضربات جديدة من قبل الجمهوريين لأمن الخليج والشرق الأوسط. فترامب يطالب بثمن ما يدعيه بحماية بلاده لدول الخليج، وهنا نشير الى أن الحزب الجمهوري، هو صاحب قانون «العدالة في مواجهة الإرهاب- جاستا» الموجه تحديدا نحو السعودية والمنطقة. ونشير هنا أيضا الى رفض الكونجرس موقف الرئيس باراك أوباما في تجنب إقرار هذا القانون، فأوباما فشل أمام تعنت الكونجرس. ونحن عندما نذكر هذا، فمن أجل التنبيه فقط الى القلق المتوقع من اتفاق البيت الأبيض (الترامبوي) والكونجرس لإقرار المزيد من القوانين العدائية، أو حتى لو توقف الأمر لتفعيل قانون «جاستا»، فهذا أيضا موقف عدائي وستكون بداية غير طيبة.
‏وعودة للخليج، فالانقلاب الترامبوي هنا بدأ مبكرا للغاية حتى قبل أن يتسلم مهام منصبه في يناير المقبل، فحسب ما ترشح من أنباء وتصريحات له ولفريقه الانتخابي، أعلن الرئيس الأمريكي المنتخب تحالفه مع كل خصوم الخليج ومصادر التهديد لهم، ابتداء كما سبق وأشرنا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مرورا بالتخلي عن الإطاحة ببشار الأسد، وصولا الى إسرائيل التي أعلن أنه سيوافق على أن القدس عاصمة موحدة لإسرائيل والاعتراف بالمستوطنات غير الشرعية التي تقلص حدود الدولة الفلسطينية المرتقبة لأكثر من 20% تقريباً.
‏وهنا نأتي للتساؤل المهم: «ما هو موقف المجتمع الخليجي حيال هذا الرئيس اليميني؟ وهل سيفكر القادة الخليجيون في الحل في قمتهم المقبلة بالبحرين؟». أغلب الظن أن الإجابة الخليجية ستكون اتخاذ مواقف استقلالية لا ترتبط بالفلك الأمريكي في ظل هذا الابتزاز الغاشم على قرار المنطقة.. وأتوقع أيضا أن يكون القرار الخليجي مستقلا تماما، عدم الدخول في صدام مع ساكن البيت الأبيض والكونجرس التابع له، والأهم من كل هذا عدم الخضوع عموما في دائرة السيطرة الأمريكية.
‏ليس قانون جاستا وحده الذي قد يكون سبب خلاف عميق بين منطقة الخليج وأمريكا، ففي ظل ما نشرته مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية عن مؤشرات السياسة الخارجية الأمريكية حيال المنطقة، نكون قد وقعنا في الفخ حقا. فالمجلة ذاتها وصفت المسألة بأنها «خطر آخر داهم» وأسهبت في الشرح، فهو ينوي سرقة النفط حسب ما ذكرته.
‏ليس نفط العراق فقط الذي يريد ترامب الاستيلاء عليه، فقد لفتت فورين بوليسي أيضا إلى أنه سبق وتحدث عن سرقة نفط ليبيا، وقالت: إنه صرح لمحطة «فوكس نيوز» برغبته في الذهاب إلى ليبيا للحصول على النفط هناك مقابل إسقاط معمر القذافي.
‏ونعود هنا الى بعض تصريحات ترامب أثناء حملته الانتخابية حيال منطقتنا، وتتصف جميعها بأنها «حمقاء»، مثل: «دول الخليج لا تملك أي شيء، لكنها تملك الأموال، سأجعلهم يدفعون الأموال». هذه الأموال التي وصفها لاحقا بأنها «ثمن الحماية».. وهو الذي ادعى: «إنه ينبغي على الدول التي تتمتع بحماية الولايات المتحدة أن تدفع ثمن هذه الحماية، لن تبقى السعودية طويلًا دوننا.. لا نسترد مقابل ما ننفقه من خدمات ضخمة نقوم بها لحماية العديد من الدول. الآن السعودية واحدة منها من هذه الدول».
‏إذا نظرنا للأمور بالمنطق أو بالفكر التقليدي للرؤساء الأمريكيين.. فهم لا يحكمون بلادهم بمفردهم، لأن إدارة الولايات المتحدة الأمريكية تحكمها دولة المؤسسات وليس الرئيس وحده، وإنما هو جزء من ضمن مكونات هذه المؤسسات، بل أضعفها أيضا. فصناعة السياسة الخارجية الأمريكية تتحكم فيها عدة جهات، تبدأ بالرئيس بموجب صلاحياته، يليه الكونجرس لكونه شريكا أساسيا في عملية اتخاذ القرار داخليا وخارجيا بموجب الدستور، وتأتي مراكز الأبحاث السياسية والاقتصادية كقوة ثالثة، حيث تضم النخبة المؤثرة في السياق السياسي الأمريكي. وتعد هذه المراكز مصانع السياسة الخارجية في الولايات المتحدة، فالعلاقة بينها وبين البيت الأبيض علاقة قوية وتؤثر في أي قرار يتخذه الرئيس الأمريكي. ويرجع هذا لعدة أسباب، من بينها أن تشكيل هيئات هذه المراكز يتم عادة من قيادات سابقة أو عناصر متنفذة رفيعة المستوى داخل الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وتعتبر توصياتها السياسية عنصرا مهما للإدارة الأمريكية عندما تتخذ أي قرار على المستوى الدولي. كما أن ندوات ومؤتمرات هذه المراكز يحضرها قيادات في الإدارة الأمريكية للاطلاع على آخر ما يدور في كواليس النخبة وكيف يفكرون.
‏وتأتي كيانات المصالح في المرتبة الرابعة من مكونات صناعة السياسة الخارجية الأمريكية، وهي تتشكل من امبراطوريات اقتصادية كبرى وتلعب دورا كبيرا في اختيار المرشحين لخوض انتخابات الرئاسة الأمريكية، فالاقتصاد من العناصر الرئيسية في عملية صناعة القرار الأمريكي.. ثم يليها جماعات الضغط -اللوبيات- وقد تزايد دورها في تشكيل السياسة الخارجية الأمريكية لأنها أصبحت وسيلة ضغط مهمة في القرار. ويلي ذلك الإعلام بطبيعة الحال والذي يؤثر بقوة في الرأي العام الداخلي ويمهد لأي قرار محتمل قد يتخذه البيت الأبيض.
‏بيد أنه مع كل ما ذكرنا، فإن ترامب سيواجه بعض التحديات التي لم يكن متفرغا لدراستها قبل انتخابه رئيسا، ويعتبر الإرهاب أول هذه التحديات، حيث يشكل تهديدا لأمريكا، خصوصا إذا طبق الجمهوريون تهديداتهم بطرد العرب والمسلمين والملونين واللاتنيين وبقية المهاجرين. ولن يتوقف الإرهاب على ما يدعونه بأنه مرتبط بالمسلمين فقط، فالإرهاب آنذاك سيكون كونيا وسيحيط بكل أمريكا من كافة الجهات.
‏كلمة أخيرة.. وهي إشادة بالدراما والسينما الأمريكية التي سبق وتنبأت في حلقات كرتونية للأطفال أن يأتي دونالد ترامب رئيسا لأمريكا، ومن قبله، توقع فيلم أمريكي بأن يأتي شخص ملون رئيسا للولايات المتحدة وهو ما تحقق مع باراك أوباما.. ولكن أشد ما يدهشنا هو جرأة البرامج الأمريكية في التعامل مع الرئيس المنتخب، فقد شاهدت مقطع من برنامج يبث للأطفال وقد تضمن تقريرا من الشارع عن رأي الأطفال الأمريكيين في رئيسهم الجديد، وقد علق معظمهم بأن هذا الرجل خطر على أمريكا، ومنهم من قال إنه كان يخشى على أمه لو كان ترامب أبيه حيث توقع الطفل أن يقتل ترامب أمه.

كاتب ومحلل سياسي بحريني