أيهما أفضل: التحفيز الاقتصادي أم خفض الإنفاق؟

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٧/نوفمبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٥ ص
أيهما أفضل: التحفيز الاقتصادي أم خفض الإنفاق؟

علي بن راشد المطاعني

كتبت قبل أكثر من سنة مقالاً، مع بدايات الأزمة الاقتصادية التي ما زالت جاثمة على الدول المعتمدة على النفط بشكل كبير، وذلك حول أهمية تحفيز النمو الاقتصادي في البلاد، بزيادة الإنفاق وفرض رسوم وضرائب على الشرائح معينة وتقديم الخدمات الحكومية بتكلفتها أو جعلها تجارية مع مراعاة بعض الفئات غير المقتدرة، إلا أن هذه الإجراءات لم تتخذ بشكل يعالج الاختلالات الهيكلية في نقص الإيرادات النفطية، وتركزت الجهود الحكومية على تخفيض الإنفاق كسبيل آخر يُتَّبع في مثل هذه الظروف.
إلا أن تخفيض الإنفاق ليس حلاً بقدر أنه يؤدي إلى مشكلة أخرى، وهي الانكماش الاقتصادي التي بدأت ملامحه تتضح في الأسواق على هيئة استغناء عن العمالة، ومعاناة الشركات في الحصول على أعمال حكومية وغيرها من التبعات الاقتصادية، خاصة إذا علمنا بأن الحكومة هي المنفق الأساسي في البلاد، والقطاع الخاص يعتمد على الإنفاق الحكومي في بشكل كبير، وهنا مربط الفرس.
في حين أن خطط التحفيز الاقتصادي تتمثل في زيادة الإنفاق أو إبقائه عند حدوده السابقة، وزيادة الضرائب والرسوم غير المباشرة على بعض الخدمات الاختيارية التي تطلب من بعض الفئات في المجتمع، وبالتالي تأثيراته غير محسوسة على نطاق واسع.
فالإجراءات الحكومية لزيادة الإيرادات المباشرة غير النفطية، كانت بسيطة، بالمقارنة مع تناقص الإيرادات النفطية، ومقارنة كذلك بالإجراءات التي اتخذتها بعض الدول المجاورة التي مست جيوب المواطنين واستهدفت مرتباتهم، رغم الفوارق الكبيرة في الموارد والالتزامات، وهو ما يحسب للحكومة في إجراءاتها دائماً إذ تضع في الحسبان عدم المساس بمتطلبات المعيشية للمواطن مهما بلغت أوجاع الأزمة.
فعلى سبيل المثال الرسوم التي عدلت على بعض الخدمات لم تكن كبيرة كما كان متوقعاً، بل ليس مثل ما يتداول للأسف بمبالغة غير منطقية، وتمثلت في رفع الدعم عن الوقود، وليس زيادة أسعاره، وهناك فرق شاسع بين هذا وذاك، ورفع أسعار استقدام العمالة الوافدة، ليس للجوانب المالية فقط، بقدر أنها تمثل خطوة للحد من استقدام العمالة من رفع كلفة استقدامها، في ظل تنامي العمالة الوطنية، بالإضافة إلى زيادة طفيفة في أسعار بعض الخدمات غير المباشرة على حياة المواطنين، وهو ما يجب تقديره والنظر له بعين الاعتبار من خلال التعاون في إنجاح السياسات الحكومية في تجاوز تبعات الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها كل الدول المعتمدة على النفط.
فالحكومة على ما يبدو تراعي بين اتخاذ بعض السياسات الضريبة وزيادة الرسوم على السكان، وبين حاجة الخزينة العامة للدولة إلى أموال مباشرة يعاد إنفاقها في المجالات ذات الأولوية، لذا اتخذت سياسة متدرجة في التعاطي مع الأزمة كسبيل لترويض الأمر شيئاً فشيئاً إلى أن تتضح الرؤية حول ما يجب عمله في الفترة القادمة على ضوء المتغيرات المتسارعة، فضلاً عن أهمية تطوير قاعدة البيانات الاقتصادية التي من شأنها أن تبلور أي سياسات ضريبة تتخذ وكيفية تطبيق آليات تحصيل الضرائب، والحد من التهرب الضريبي، فهناك جوانب كثيرة غير مكتملة، بل غير جاهزة بكفاءة عالية تضبط إيقاع العمل في هذا المجال، ناهيك عن إيجاد قناعات في المجتمع بأهمية بلورة سياسات أكثر حزماً في التعاطي مع الواقع مع مراعاة بعض فئات المجتمع التي تتطلب مراعاة وفق ظروفها المعيشية.
يبقى التحفيز الاقتصادي هو الأفضل على المدى البعيد ليس فقط لإنعاش الأسواق، وإنما لإنعاش المجتمع من حالة الإعالة التي هو فيها إلى مرحلة الاعتماد على النفس، والإسهام الفاعل في التنمية في البلاد من خلال إسهامه الفاعل وتفاعله الإيجابي مع السياسات التي تتخذ في شأنه في نهاية المطاف، والتكيف مع المتغيرات التي تفرض نفسها على الأفراد قبل الدول والحكومات، بل لابد من الوعي بأن ما تقوم به الحكومة ليس موجهاً إلا لمصلحة الوطن.
طبعاً لكل سياسة تتخذ إيجابيات وسلبيات، لذلك ربما يبدو منظور تحفيز النمو الاقتصادي في البلاد بمصطلحه الاقتصادي غير مواتٍ تطبيقه في مجتمع مازال في مرحلة انتقالية بين دولة الرعاية والرفاه، وبين المطالبة بشد الأحزمة والاعتماد على النفس، وربما تحتاج لبعض الوقت لكي تتهيأ كل الظروف.
نأمل أن تتهيأ الظروف الاقتصادية في المرحلة المقبلة على نحو تكون فيه مناسبة للجميع، لكن لا يمنع ذلك أن نعد العدة للمستقبل بكل تحدياته وصعوبته، ونتفهم بأن كل ما يتخذ في نهاية المطاف للوطن والمواطن، سواء تحفيز الاقتصادي أو تخفيض الإنفاق غير الضروري.