لغز ترامب المالي

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٧/نوفمبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٥ ص
لغز ترامب المالي

نورييل روبيني

عندما هزم دونالد ترامب هيلاري كلينتون في الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، كان رد السوق السلبي المباشر متوقعاً. لكن في اليوم التالي، انقلبت السوق بالفعل.
وارتفعت الأسهم الأمريكية وعوائد السندات بعد إلقاء ترامب خطاب النصر الذي أشار فيه أنه غير اتجاهه إلى الوسط، حيث كان المستثمرون يتوقعون منه القيام بذلك خلال الصيف، بعد أن فاز بترشيح الحزب الجمهوري، ودخل حملة الانتخابات العامة. في خطابه، وعد ترامب أن يكون رئيساً لجميع الأميركيين، وهنأ كلينتون على خدمتها الصالح العام، وتعهد بمواصلة سياسات التحفيز المالي التي تركز على الإنفاق على البنية التحتية والتخفيضات الضريبية للشركات والأثرياء.
الأسواق ستعطي ترامب فرصة في الوقت الراهن، لكن المستثمرين يريدون الآن معرفة من سيعين في إدارته، وما الشكل الذي ستتخذه سياساته المالية في الواقع، وما هو المسار الذي رسمه للسياسة النقدية.
يمكن للمستثمرين ترقب السياسة النقدية بشكل وثيق. فخلال حملته الانتخابية، هدد ترامب استقلال المجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، وانهال بالانتقادات على رئيسة المجلس الاحتياطي الاتحادي جانيت يلين. لكن ترامب منعش عقاري، لذا فإننا لا نستطيع أن نفترض على الفور أنه صقر السياسة النقدية، وليس حمامة سرية. فربما كان خطاب حملته موجهاً لقاعدة الحزب الجمهوري، التي كانت تنتقد بشدة مجموعة من المسؤولين الفدراليين.
يمكن لترامب تعيين صقور في مقاعد المجلس الاحتياطي الاتحادي الشاغرة حالياً، وسيستبدل يلين عندما تنتهي فترة ولايتها في العام 2018. لكن من غير المحتمل أن يرغمها على الاستقالة قبل ذلك، لأن الأسواق ستعاقب مثل هذا الانتهاك الواضح لاستقلال البنك المركزي.
حتى لو اختار ترامب صقراً ليحل محل يلين، فإن المُعين سيكون الوحيد البارز في لجنة السوق المفتوحة الاتحادية. لن يتمكن خليفة ييلن ببساطة من فرض رأيه على مجلس المحافظين المكون من سبعة أعضاء للمجلس الاحتياطي الفدرالي وخمسة رؤساء في البنك الاحتياطي.
رغم التشابه بين البنك الاحتياطي الفيدرالي والملكية المطلقة أثناء حكم الرئيس السابق آلان جرينسبان، فقد أصبح يعد ملكية دستورية تحت خليفة جرينسبان، بن برنانكي. وتحت قيادة يلين، فقد يكون من الأفضل وصفها بأنها جمهورية ديمقراطية. هذا التحول لا يمكن عكسه: لكل عضو في اللجنة الفيدرالية وجهات نظر قوية حول أي اتجاه يجب أن تسلكه السياسة النقدية، ويمكن لكل واحد اللجوء إلى المعارضة إذا اقتضى الحال.
وهذا يعني أن الصقر الأساسي المعين من قبل ترامب يمكن أن ينتهي في الأقلية، وسيخسر باستمرار أمام أغلبية اللجنة الفدرالية. بالطبع، قد يكون ترامب قادرا على تغيير تركيبة المجلس الاحتياطي الفيدرالي مع مرور الوقت، من خلال تعيين ولاة جدد عندما تنتهي فترة ستانلي فيشر، وايل برينارد، ودانيال ك تارولو، وجيروم، وباول. لكن إذا اتخذ هذا المسار، فإن السوق ستستمر في مراقبة إجراءات البنك الاحتياطي الفيدرالي. وإذا استمر انخفاض النمو ولم يبرر انخفاض التضخم ارتفاع أسعار الفائدة السريعة، فإن البنك الاحتياطي الفيدرالي المتشدد سيتلقى عقاباً قاسياً من قبل السوق -وبشكل كبير، ترامب أيضاً.
وعلاوة على ذلك، فإن التشدد المبكر والمفرط سيقوي الدولار الأمريكي ويزيد بحدة في العجز التجاري للولايات المتحدة، ويقوض هدف ترامب المعلن المتمثل في توفير فرص عمل وزيادة الدخل للجنس الأبيض، القاعدة الانتخابية للطبقة العاملة. إذا كان ترامب يهتم بهدفه -أو إذا كان على الأقل يريد تجنب رد فعله السياسي- فيجب عليه تعيين حكام البنك الاحتياطي الفيدرالي الذين سيتجهون نحو سياسات المال السهل التي ستضعف الدولار. ومن المفارقات، المعينين من طرف الرئيس باراك أوباما، مثل برينارد وتارولو، هم في الواقع مناسِبَين لجدول أعمال ترامب.
وإذا اختار ترامب نهج سياسة نقدية أكثر تشدداً، سيكون لذلك تأثير غامض على الدولار، وذلك بسبب آثار مقترحاته الأخرى. كما ينبغي تعزيز الدولار بسن سياسة مالية أقل صرامة وسياسة نقدية أكثر شدة، كما كان عليه الحال في ولاية الرئيس السابق رونالد ريجان الأول. لكن إذا دفع ترامب الولايات المتحدة نحو الحمائية، فستتولد مخاطر اقتصادية وجيوسياسية من شأنها إضعاف الدولار وزيادة مخاطر الولايات المتحدة الأمريكية.
وبالمثل، فإن السياسات المالية لترامب ستضعف الدولار مع مرور الوقت -بعد الارتفاع الأولي الكبير- حيث سيتم تمويل العجز في الإنفاق إما بواسطة المال أو السندات السهلة التي تزيد من المخاطر على السيادة الأمريكية. وسيتوقف الأثر الصافي لجميع هذه العوامل على الدولار حسب طبيعة السياسة المالية، وتشدد السياسة النقدية.
وسيؤثر هذا المزيج من السياسات المقترحة تأثيراً متواضعاً وغامضاً على النمو، إذا عين ترامب الصقور في البنك الاحتياطي الفيدرالي. ومن شأن السياسة المالية الأقل صرامة أن تساعد النمو الاقتصادي على المدى القصير. لكن سياسة نقدية صارمة ستقوض هذه المكاسب. وبالمثل، إذا كان ترامب حقاً لا يريد إعادة توزيع بعض الدخل من رأس المال إلى العمل، ومن أرباح الشركات للأجور، فإن سياساته ستعزز الاستهلاك؛ لكن من شأن شعبويته وسياساته الحمائية تقويض الثقة في الأعمال التجارية والنفقات وبالتالي رأس المال، في حين ستنخفض القوة الشرائية للمستهلكين من خلال ارتفاع معدل التضخم.
ومما لا شك فيه أن أسواق الأسهم ستكون لصالح مقترحات ترامب من أجل تخفيف السياسة المالية، ورفع ضوابط الأعمال التجارية والمالية، وخفض الضرائب. لكن المستثمرين سوف يبحثون على الحمائية، من خلال بورصة وول ستريت وتقريع المهاجرين، وسياسات مالية شديدة للغاية. الزمن وحده - والسوق- هما من سيخبرانا هل ترامب اقترح التوازن الصحيح؟!

رئيس روبيني شركاء الكلية وأستاذ الاقتصاد في كلية شتيرن لإدارة الأعمال، جامعة نيويورك.