لا رابح في حرب اليمن!!

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢٤/نوفمبر/٢٠١٦ ٠٤:٤٠ ص
لا رابح في حرب اليمن!!

علي ناجي الرعوي

رغم كل الظروف القهرية والاستثنائية التي يعيشها اليمن سواء من حيث ارتفاع معدلات الفقر والأوضاع المعيشية المترهلة والجوع الذي يتفاقم إلى درجة الخطورة أو من حيث الدمار والخرائب التي تسببت بها الحرب المتفاقمة والمتصاعدة بشقيها الداخلي والإقليمي أو الإقليمي بالوكالة، وكذا الحصار المفروض على موانئه ومطاراته ومنافذه البرية فان كل هذه الأعطاب المتنوعة سياسية واقتصادية وأمنية واجتماعية لم تفقده حيويته وديناميته التي تطل برأسها من بين شقوق ماساته كلما سنحت لها الفرصة لذلك.

سألني قبل أيام صحفي جزائري تعرفت عليه في إحدى زياراته لصنعاء: هل يمتلك اليمنيون خيارات مستقلة تمكنهم من تجاوز محنتهم الراهنة والدخول في مصالحة وطنية يتقدمها حوار بناء يتوافق مع مصالحهم وأهدافهم الأساسية والجوهرية والسلام الذي ينشدونه؟ فقلت له: حتى وان كان ذلك ممكنا فإنهم وان اتفقوا على تحديد تلك الخيارات فهم الذين سيختلفون على آليات تنفيذها وذلك بعد أن اتسع تأثير الأطراف الإقليمية والدولية على عوامل صراعهم الداخلي وتحول هذا الصراع من نزاع على السلطة إلى صراع إقليمي يجري تنفيذه بأدوات يمنية ووكلاء محليين في بلد بالغ الثراء وعريق الحضارة وهو ما يعني أننا في مواجهة استعصاء يزداد تعقيدا مع ازدياد وتداخل وتراكب مستجدات وتطورات الظرف المتحول في المنطقة ومفاعيلها والتي يستحيل معها توصل المتصارعين المحليين إلى توافقات سياسية بمعزل عن توافقات من يديرون الحروب والأزمات والصراعات اللعينة التي تضرب اليمن وسوريا والعراق وليبيا وغيرها من الساحات الملتهبة في إطار لعبة المصالح وتقاسم النفوذ.

وبخلاف السائد فإن اليمن لم يبتعد كثيرا عن أقرانه وتظهر هذه الصورة بكل تجلياتها في التباعد الكبير بين أطرافه المتحاربة حول الاتفاق الذي توسط فيه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري منتصف الأسبوع الفائت لوقف العمليات العسكرية وكذا في فشل اربع جولات سابقة من المفاوضات الماراثونية التي خاضتها هذه الأطراف برعاية الأمم المتحدة في بييل وجنيف والكويت عن إحراز أي اختراق توافقي لوضع حد للصراع الدامي في اليمن فقد اخفق القادة المحليين في طرح بدائل افضل للحرب ووضعها موضع التنفيذ، فالرئيس عبدربه منصور هادي الذي تسانده قوات التحالف العربي هو من يرفض إيقاف القتال وعمليات (عاصفة الحزم) إلا بإذعان الطرف الآخر لشرعيته المعترف بها دوليا والالتزام بقرارات مجلس الأمن وتحديدا القرار 2216 بل انه الذي لا يرغب في أي حديث للتنازل عن موقعه في إطار أي تسوية سياسية مقترحة قبل أن يطمئن على نجاح مشروعه في قيام اليمن الاتحادي بصيغته الفيدرالية التي اقرها مؤتمر الحوار الوطني بحسب ما نقله الصحفي السعودي جمال خاشقجي في مقال له بصحيفة الحياة عقب لقاء جمعه بالرئيس هادي.
لو سمحنا هنا لأنفسنا ببعض الخيال وبشيء من السوريالية وبقدر من الواقعية وكثير من التفاؤل سنجد بين ايدينا مجموعة من المؤشرات التي تؤكد على أن السيناريو الليبي يتكرر على أرض اليمن وأن القوى الداخلية والإقليمية المستمرة في حربها ضد تحالف (الحوثي - صالح) قد اختزلت معايير نجاح هذه الحرب بهزيمة هذا التحالف عسكريا رغم إدراكها بأن مسألة كهذه لا تبدو مضمونة وفهمها أيضا أنه وحتى لو تكبد الحوثيون ومن يقف إلى جانبهم هزيمة عسكرية فان ذلك لن يضفي إلى معالجة أسباب صعودهم السياسي والعسكري وإغلاق الأبواب أمام النفوذ الإيراني وفي هذه النقطة تحديدا أعود إلى ما تناوله احد الباحثين اليمنيين والذي يعمل لصالح منظمة دولية حينما أشار إلى أن معالجة المعضلة اليمنية لا يمكن أن تتم عن طريق القوة العسكرية وإنما عبر الحلول السياسية المتاحة وهي من وجهة نظره تبدأ باستيعاب اليمن في نطاق مجلس التعاون الخليجي باعتبار أن اليمن جزء لا يتجزأ من هذه المنظومة وليس معزولا عنها او خارج مدارها حتى يشعر انه بات عليه أن يعمل في كنف هذه المنظومة التي تركته لعقود يسبح في الفراغ ومن دون أن يلقى آذانا صاغية لبحث معاناته ولا يدا ممدودة لانتشاله من أزمات يغرق فيها بشكل دائم.
مجموعة وافرة من العناوين أطلقت مع الشرارة الأولى للحرب الداخلية والإقليمية في اليمن فجر 26 مارس 2015م وكان جوهر هذه العناوين واحد: انه لا رابح في هذه الحرب وان استمرارها سيدخل اليمن في نفق مظلم وان فرص الحل السياسي ينبغي تثميرها والسير في طريقها حتى لا يصبح مصير اليمن مشابه لمصائر سوريا أو ليبيا أو العراق أو حتى أسوأ من ذلك لكونه الذي قد ينغمس في مزيج سقيم مما حل في الدول الثلاث ومع ذلك لم تجد تلك الدعوات من اجل السلام من يلتقطها ليصل هذا البلد إلى ما وصل إليه اليوم من تشرذم وفوضى عارمة تغذيها جماعات متعددة من المليشيات والجيوش المناطقية التي تنشأ على أساس الجهوية الصرفة عوضا عن أن هذه الفوضى قد سمحت كثيرا بتمدد العديد من الجماعات الجهادية والمتطرفة وما لم يعمل المجتمع الدولي والدول الإقليمية على سرعة إيقاف إطلاق النار وإحلال السلام وتمكين اليمن من إعادة صياغة مستقبله بشكل صحيح فإن انهيارات مفاجئة قد تحدث تعيد تعريف الصراع فيه على أساس مناطقي وطائفي ومذهبي يعتمد كل طرف فيها القوة كخيار وحيد لتثبيت سلطته وذلك أسوأ واخطر سيناريو قد يشهده اليمن والمنطقة.