لميس ضيف
يُطنب الفقهاء والمنظرين في الحديث عن حقوق الوالدين والترهيب من العقوق والجحود لهما – ولا تثريب – لكن هناك نوعا من العقوق والحقوق التي يجب أن تأخذ حيزها في خطب الوعاظ : العقوق بالأبناء والبر بهم. الآية الكريمة تنهى عن قول كلمة "أف" للآباء وتغلظ الزجر عن نهرهما.. لكن الشرع المقدس حث كذلك على اللين مع الأبناء وعدم القسوة معهم وصفعهم وتحقيرهم.
كلمة "أنت غبي"، " أنت لعين" خفيفة على لسان كثير من الأمهات والأباء ولكنها كلمات بثقل الجبال على الأبناء.. هناك دراسة لجامعة أكسفورد تقول أن القسوة على الأطفال – من الآباء او المعلمين – سبب أساسي في تراجع تحصيلهم العلمي وتدني نشاطهم العقلي، ناهيك أن ضرب الطفل وتخويفه يقتل عدد كبيرا من خلايا المخ وفي الوقت نفسه فإن المسح على رأس الطفل ينعش الخلايا المخ ويزيد المناعة.
تلك ليست سفطسات يا جماعة، أنها خلاصة دراسات تستغرق سنينا وترصد لها مئات الآلاف من الدولات. فالعلم يبحث دوما عن وسيلة لبناء الإنسان والنهوض به وهذا هو هدف الأديان أيضا.
نعم؛ تأنف النفس رؤية أبن يجفى والديه في خريف العمر، ولكن مشهد إيذاء الوالدين لأبنائهما – وهم في ضعف - بحجة تربيتهم أو تأديبهم ليس بأقل سوءا.. إهمال الأطفال أيضا نوع من الأذى: فالطفل الذي يسقط فيعيش مع ندبه لا تزول في وجهه، والطفل الذي يتم الاعتداء عليه، أو يتعرض لحادث بسبب لعبه دون مراقبة، كل هؤلاء ضحايا لغفلة آبائهم فهم غير مسئولين بأي حال عن أنفسهم في هذا السن المبكرة.
وهناك وجه آخر من وجوه أذى الأبناء وهو تنشئتهم في اجواء مشبعة بالغضب والشتيمة بسبب الخصام والشجار المستمر بين الأبوين، في سن مبكر يكون الوالدين هما عالم أطفالهما، لذا فعندما يرى الطفل أمه تبكي بسبب تعنيف الأب لها، أو يرى الأم تهاجم الأب فهذا ببساطة يهز عالم الطفل ويحوله لشخصيه مهزوزة تخفي آلمها أما بالانطواء أو بالتمرد.
القسوة أمام الأبناء، التقصير في تلبيه احتياجاتهم، التقصير في حق أجدادهم كل تلك عوامل تبني شخصية الأبن العاق، لذا قالت الحكمة المأثورة «بروا آباءكم تبركم أبناؤكم».
أننا لا نبرر العقوق ولا نرتضيه، لكننا نأمل من كل أبوين أن يضعوا سلوكهم مع أبنائهم تحت المجهر، ويتذكروا أن الجزاء من جنس العمل، وكثير مما يناله البعض في كبره ما هو إلا مجرد حصاد لثمره المرّ.