ترامب دون رادع

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٣/نوفمبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٥ ص
ترامب دون رادع

ألفريد ستيبان

كيف أثرت انتخابات 2016 في الولايات المتحدة - والتي خولت الحزب الجمهوري السيطرة على الرئاسة، ومجلس الشيوخ، ومجلس النواب- على نظام الضوابط والتوازنات المذكور في دستور البلاد؟ من وجهة نظري، فقد تخلصت منهم بشكل فعلي.

وتوجد الضوابط والتوازنات التي تم إنشاؤها من قبل السلطة القضائية في خطر بالتأكيد. وأي شيء أقل من المماطلات الديمقراطية المستمرة سيسمح للجمهوريين بملء المقاعد الشاغرة في المحكمة العليا بعد أن منعوا الرئيس الديمقراطي باراك أوباما من شغلها. وقد يكون لهرم المحكمة العليا قريباً المزيد من المناصب المفتوحة وهي مناصب يسيطر عليها حاليا قضاة ليبراليون معتدلون. وبالتالي سيكون للجمهوريين فرصة جيدة لإيجاد أغلبية محافظة في المحكمة العليا المكونة من تسعة أعضاء والتي قد تستمر لعقود من الزمن تحت نفوذهم، لاسيما إذا فازوا بالرئاسة مرة أخرى في العام 2020.

إن الأغلبية قد تدمر الضوابط الديمقراطية، مثل حدود تمويل الحملات الانتخابية التي كانت تمثل ضربة مدمرة إثر قرار ما يُسمى «المواطنين المتحدين» (ستيتيزنس يونايتد) عام 2010. بغالبية 5-4، قضت المحكمة بأن الشركات هي «جمعيات مكونة من أفراد»، وبالتالي فإن أي قيود على مبلغ المال الذي يمكن للشركات إنفاقه على الحملات السياسية ينتهك حق التعديل الأول الخاص بحرية التعبير في الدستور الأمريكي.
وقد وَضَعت عراقيل الجمهوريين في مجلس الشيوخ القضاء الاتحادي في خطر. خلال فترة ولاية الرئيس باراك أوباما الثانية، انخفض معدل شغل الوظائف الإدارية والقضائية الشاغرة في أمريكا إلى أدنى مستوى له في 50 عاما. ويمكن لترامب الآن ملء هذه المناصب الشاغرة بسرعة بقضاة محافظين الذين قد يدمرون الضوابط والتوازنات في المستقبل.
ولن تظل الضوابط والتوازنات التي أنشأتها الدولة سالمة. في الواقع، نظراً للتحالفات الحزبية الجديدة على مستوى الدولة -يسيطر الجمهوريون حاليا على 68 من 99 مقعدا في المجلس التشريعي وعلى 33 من 50 حاكما- فإن مستوى تحدي الولايات للحكومة الاتحادية سوف ينخفض إلى حد كبير.
لكل هذا تداعيات طويلة الأجل. فمنذ العام 2013، عندما أحبط قرار آخر للمحكمة العليا قانون حقوق التصويت، سنت أغلبية الولايات ذات الأغلبية الجمهورية في مجلسي النواب والشيوخ قوانين وأنظمة تمنع التصويت. وتشمل هذه القواعد الحد من عدد مراكز الاقتراع في المناطق التي تسيطر عليها الأقليات، والمطالبة ببطاقة الهوية، مثل رخص القيادة، والتي لا يملكها الكثير من أفراد الأقليات، واستبعاد كل تسجيل في نفس اليوم والتصويت يوم الأحد، الذي هو سلوك شعبي في أوساط الأقليات تاريخيا.
وقد هاجمت محكمة الاستئناف الاتحادية قانونا في ولاية كارولينا الشمالية من هذا النوع، لأنه منع إقبال الأمريكيين الأفارقة «بدقة كبيرة». لكن إذا قام الجمهوريون بتعيين المزيد من القضاة، فإن هذه الضوابط ستكون أكثر ندرة. أما إذا ساهم قانون منع الناخبين الجمهوريين في السيطرة على المزيد من المجالس التشريعية للولايات، فيمكنهم سن المزيد من هذه القوانين.
لا يزال هناك أمل: على أي حال يبقى المصدر النهائي للضوابط والتوازنات هو دستور الولايات المتحدة، وهو من أصعب الدساتير الديمقراطية للتغيير. ويتطلب تعديله من خلال المسار الطبيعي، من بين أمور أخرى، أغلبية عظمى من الثلثين في مجلس النواب ومجلس الشيوخ، حيث لا يتوفر الجمهوريون على هذا النوع من الهيمنة.
الطريق الآخر للتعديل الدستوري هو تصويت ثلثي المجالس التشريعية في الولايات (34 من أصل 50 ولاية). كما يتطلب من الكونجرس عقد مؤتمر دستوري، والذي يجب أن يضع بعد ذلك تعديلا تصادق عليه ثلاثة أرباع المجالس التشريعية للولايات أو مؤسسات الولاية. ولم تسبق الموافقة على أي تعديل في تاريخ الولايات المتحدة بهذه الطريقة. لكن في الوقت الذي يتعين فيه على الجمهوريين السيطرة على ثلاثة أو أربعة على الأقل من المجالس التشريعية للقيام بمحاولة ذات مصداقية، فإن إمكانية تبنيهم مثل هذه الإستراتيجية ستثير قلق الناس أكثر من ذي قبل.
باستثناء تعديل الدستور، فإن الولايات المتحدة محمية من إمكانية تطبيق بعض أفظع وعود ترامب الانتخابية. كما أن مقترحات مثل فرض قيود على الهجرة على أساس الدين غير دستورية. ويمكن تعطيل مقترحات سلبية أخرى من قبل الديمقراطيين في مجلس الشيوخ، حيث لا يتوفر الجمهوريون على 60 صوتا اللازم لوقفها.
بالتأكيد، من الممكن إلغاء المماطلات في بداية جلسة مجلس الشيوخ للعام 2017-2018. لكن ينبغي على قادة الحزب الجمهوري أن يقلقوا بشأن المستقبل حين سيلتحقون بالمعارضة وسيريدون استخدام المماطلات بأنفسهم. إذا قاموا بمثل هذه الخطوة، فسيقللون من قوة معارضة الديمقراطيين على مدى السنوات القليلة المقبلة بشكل كبير.
في السياسة الخارجية، تفرض الولايات المتحدة بعض الضوابط على الرئيس دائما، على الرغم من تطبيق بعض القيود الخارجية. على سبيل المثال، لا يمكن لترامب الوفاء مباشرة بالوعد الذي قطعه في حملته بأنه سيتجنب اتفاق بباريس حول المناخ بحسب هذا الاتفاق الدولي جميع الموقعين ملزمين قانونيا باحترامه لأربع سنوات على الأقل. لكن بإمكانه تقويضه، من خلال الإشارة إلى دول مثل الهند أن الولايات المتحدة لن تفي بالتزاماتها.
في السياسة الداخلية، سيكون لترامب مجال كبير للتحرك. فقانون الرعاية الصحية بأسعار معقولة (رعاية أوباما) هو الأكثر ضعفا، والذي أعطى تغطية الرعاية الصحية إلى 20 مليون مواطن غير مؤمن عليهم سابقا. إن إصلاحات دود- فرانك المالية للعام 2010، والتي تهدف إلى فرض الرقابة على البنوك والمؤسسات المالية الأخرى التي تعتبر «أكبر من أن تفشل»، هي أيضا معرضة لخطر التراجع.
وبالنسبة للمواطنين المعنيين الذين يريدون إعادة تأسيس الضوابط والتوازنات في أمريكا، هناك ثلاث مهمات عاجلة. أولا، ينبغي أن يبدأوا بالاستعداد للفوز بما لا يقل عن ثلاثة مقاعد في مجلس الشيوخ في العام 2018. ثانيا، يجب أن يعملوا على منع الجمهوريين من السيطرة على ثلاثة أرباع المجالس التشريعية في الولايات، لتفادي فتح الطريق أمام التعديلات الدستورية. وثالثا، يجب عليهم تجنيد أكبر عدد من المواطنين لرفض تكتيكات وسياسات على النمط السلطوي ودعم بدائل ديمقراطية أكثر شمولا.
وجود بدائل مقنعة هو الضابط الأكثر أهمية الذي ينبغي فرضه على السياسيين الشعبويين ذوي الميولات الاستبدادية الذين يصلون إلى السلطة عن طريق التصويت. قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة، الناخبون الأمريكيون، مثل نظرائهم البريطانيين الذين صوتوا لصالح البريكست، قد يجربون «ندم المشتري». لكن هذا لا يكفي، ينبغي تقديم بدائل جذابة وذات مصداقية.

أستاذ نظم الحكم ومدير مركز الديمقراطية

والأديان والتسامح بجامعة كولومبيا