كيف استقبلت إسرائيل فوز ترامب؟

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٢/نوفمبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٥ ص
كيف استقبلت إسرائيل فوز ترامب؟

غازي السعدي

"بصفتي رجل أعمال، سأعمل على المساهمة في إيجاد حل للصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين من أجل الإنسانية، لأنها حرب لا تنتهي"، هذا ما قاله الرئيس الأمريكي المنتخب "دونالد ترامب" في مقابلة مع صحيفة "وول ستريت جورنال"، وهذا يعني أن الوعود التي يقطعها على نفسه خلال الحملة الانتخابية لن تكون هي نفس الوعود التي سيعمل على تنفيذها، فسبق أن أعلن أنه لن يتدخل في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، الأمر الذي أدى إلى الفرحة والسرور لدى القيادة الإسرائيلية، لكن ما جاء في مقابلته الصحفية، مع الصحيفة المذكورة، خيب آمال وتوقعات اليمين الإسرائيلي، مما دفع برئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" الطلب من وزرائه ضبط النفس، والامتناع عن التعليق على فوز ترامب بالرئاسة الأميركية، فتقليص التدخل في شؤون المنطقة من قبل "ترامب" في تصريحاته قبل فوزه بالرئاسة أثلج صدور القيادة الإسرائيلية، غير أن "ترامب" متقلب، ففي تصريح له لجريدة "إسرائيل اليوم" الإسرائيلية، قال أنه سيسعى إلى سلام عادل في الشرق الأوسط، لكن القيادة الإسرائيلية لا تريد أن تسمع عن أي موقف أو مبادرة أميركية لحل القضية الفلسطينية، فبعد الانتخابات الأميركية جاءت الرياح عكس توقعاتها.
صباح الإعلان عن فوز "ترامب"، أعلن الوزير "نفتالي بينت" رئيس حزب البيت اليهودي المتطرف، أن فكرة إقامة الدولة الفلسطينية انتهت بعد انتخاب الجمهوري "ترامب"، داعياً حكومته إلى التراجع عن حل الدولتين، وهذا حسب "بينت" موقف الرئيس الأميركي المنتخب، الذي يشكل فرصة لإسرائيل لإنهاء عهد الدعوة لإقامة الدولة الفلسطينية، وأن الواقع الأميركي الجديد سيتيح لإسرائيل شرعنة البؤر الاستيطانية، مع انه في عام 2004 تعهد رئيس الحكومة "أرئيل شارون"، في حينه، للولايات المتحدة بإزالة هذه البؤر، فالاستيطان بكل أشكاله وتفاصيله غير شرعي وغير قانوني، ومع ذلك فإن إسرائيل بدأت بهجمة استيطانية جديدة، لبناء آلاف الوحدات السكنية في القدس والضفة الغربية، مما فتح شهية الاحتلال الإسرائيلي، لبناء (7100) وحدة سكنية جديدة، والتخطيط لبناء آلاف أخرى.
إن السؤال المطروح: هل أن مواقف "ترامب" بعد توليه الرئاسة ستكون مختلفة عن تلك التي أطلقها أثناء حملته الانتخابية؟ لقد كتب عدد من أبرز المحللين الإسرائيليين أن على ساسة إسرائيل أن لا يستعجلوا ويفرحوا بانتخاب "ترامب"، لأن "ترامب" قد يجد نفسه أمام واقع مختلف يفرض عليه التراجع عن وعوده الانتخابية في الموضوع الفلسطيني - الإسرائيلي، وخاصة بشأن نقل السفارة الأميركية إلى القدس، إذ أن جميع مرشحي الرئاسة السابقين، قطعوا على أنفسهم نفس الوعد، لكنهم تراجعوا عن وعودهم بعد أن دخلوا البيت الأبيض، وكما تقول مقولة شهيرة، " ما تراه عن قرب يختلف عما تراه عن بعد"، أي قبل وبعد تسلم مقاليد الحكم.
تطمينات أساسية ثلاثة وصلت إلى إسرائيل من قبل إدارة الرئيس المنتخب هي أولاً: السلام بين إسرائيل والفلسطينيين لن يتحقق إلا بالمفاوضات المباشرة، وهذا يعني عدم التوصل للسلام، إذ أن المفاوضات المباشرة دون مرجعية جربت وفشلت، الثاني: أن المستوطنات في الأراضي الفلسطينية لا تشكل عقبة في وجه السلام، وهذا يتعارض مع الشرعية الدولية والاتفاقات ومع مواقف معظم دول العالم، الثالث: تقليص التدخل الأميركي بشؤون الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية، وهذا حلم إسرائيلي، وخاصة حلمها بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، غير أن التعليقات الإسرائيلية، رغم الفرحة، تخشى المستقبل المجهول للسياسة الأميركية، فرئيس "المعسكر الصهيوني" "أسحق هرتسوغ"، نصح بالتروي، إذ لا يمكن توقع ما سيفعله "ترامب"، والخوف من المستقبل المجهول لدى قيادة الحكم في إسرائيل، ما زال قائماً.
"نتنياهو" كان يحلم بالعمل مع رئيس أميركي جمهوري، وها هو حلمه تحقق بوصول رئيس جمهوري نموذجي، وحسب "نتنياهو" فإنه أفضل ما صنعته صناديق الاقتراع، من الرؤساء تجاه إسرائيل، التي تعاني من الجروح منذ سنوات، من الرئيسين "بيل كلينتون" و"باراك أوباما"، والقول لـ "نتنياهو" الذي يتهم "أوباما" بأنه كان يعمل للإطاحة به في الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة حسب جريدة "هآرتس 10-11-2016"، ويعتبر "نتنياهو" أن "ترامب" إلى جانب الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين"، من أفضل أصدقاء إسرائيل، فهما محافظان، رابطا الجأش، متوحشان في مسلكيتيهما السياسية والشخصية، يلتقيان مع أهداف "نتنياهو"، الأمر الذي لم يكن متوفراً في "أوباما"، مع أن مصادر سياسية إسرائيلية أفادت بأن إدارة "أوباما" كانت من أكثر الإدارات الأميركية دعماً لإسرائيل، ماليا وسياسيا وعسكريا .
إن التوافق بين "ترامب" و"نتنياهو" ليس جديداً، ففي مقطع فيديو منذ عام 2013، ظهر "ترامب" وهو يثني على "نتنياهو"، ويدعو الإسرائيليين لإعادة انتخابه، ووصفه بالرجل الرائع، وبالزعيم الممتاز، وبالشخص المميز، وشارك "ترامب" في حملة دعائية لانتخاب "نتنياهو"، فقد كشف مستشارا "ترامب" للشؤون الإسرائيلية جيسون غربنلات، وديفيد فريدمان، قبل أسبوعين من موعد الانتخابات الأميركية، عن الوثيقة السياسة الرسمية لـ "ترامب"، والتي تضمنت بنودا وكأنها منسوخة من ورقة مواقف، كتبها "نتنياهو" عشية الانتخابات الأخيرة للكنيست جاء فيها: أن "ترامب" يعتقد أن حل الدولتين ليس ممكناً طالما أن الفلسطينيين لا يعترفون بإسرائيل كدولة يهودية، ولا يتوقفون عن التحريض، وأنه لا يوافق على أن إسرائيل دولة احتلال، والقدس الموحدة عاصمة إسرائيل الأبدية، وأنه يرفض فرض الحل على إسرائيل فرضاً، وأن أي انسحاب من الضفة الغربية ينبغي أن يكون في إطار حدود، بإمكان إسرائيل الدفاع عنها، دون أي ذكر للانسحاب لحدود عام 1967، كما أن الوثيقة لا ترى أي مشكلة بالمستوطنات، ورغم جميع ما ذكر، من معطيات ومواقف أميركية لا تبشر بالخير بالنسبة للقضية الفلسطينية، فقد يخطئ من يعتقد أن أي رئيس أميركي قادر على تجاهل القضية الفلسطينية، وأنه لن يستطيع تجاهل الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومع ذلك، فإن القيادة الفلسطينية تلقت بخيبة أمل نبأ انتصار "ترامب"، باعتباره مناصرا لإسرائيل على المكشوف.
قد يكون "ترامب" رجل مال واقتصاد ناجحا، لكنه كسياسي يتخبط، فهو اندفاعي ومتقلب المزاج وعديم الخبرة بالوقائع، وغير ثابت في مواقفه في مجالات متعددة، حتى أن فوزه يحدث قلقاً كبيراً لاقتصاد العالم وسلامته، فخلال الحملة الانتخابية، طالب إسرائيل بإعادة المساعدات التي تلقتها من الولايات المتحدة، وستظهر قوة "ترامب" من سيطرة حزبه الجمهوري على مجلسي الشيوخ والبرلمان، إضافة إلى البيت الأبيض، لكن من غير المستبعد العودة إلى إثارة الاتفاق النووي مع إيران، ومحاولة تعديل الاتفاق، وخاصة بعد تصريحه في الحملة الانتخابية بأنه سيلغي الاتفاق مع إيران، مما سيجعل جدول أعمال الإدارة الأميركية العتيدة مختلفاً، والخلاصة بأن إسرائيل استقبلت فوز "ترامب" ما بين الترحيب والقلق.

مدير دار الجليل للنشر والدراسات الفلسطينية