هل الحكومة "محصل ديون"؟

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٢/نوفمبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٥ ص
هل الحكومة "محصل ديون"؟

علي بن راشد المطاعني

البعض يستخدم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة كشماعة لتمرير معلومات مغلوطة عن الأوضاع الاقتصادية في البلاد، وكانه يضغط بالاتجاه الذي يستحوذ على اهتمام الدولة، أو كما يقال "يمسك من اليد التي توجع"، فمرة يشوش بزيادة رسوم استقدام القوى العاملة الوفدة بأنها ستدمر المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، في حين أن الزيادة في الرسوم لها علاقة بريادة الأعمال التي تساندها الحكومة برفع كلفة العامل الوافد، وفي هذه الأيام طفت على السطح شماعة أخرى بأن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة تعاني من عدم دفع مستحقاتها من المقاولين، لأن الشركات الكبيرة لم تستلم مبالغها من الحكومة، في تشويش غير مفهوم الغرض منه، وعلاقة الجهات الحكومية بالمقاولين من الباطن، إذا دفعت مستحقاتهم من عدمه، وهل الحكومة معنية بذلك، أم يجب أن تعمل محصل ديون للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وغيرها، أو أن هذه الوظيفة يحتاج أن تضاف إلى أدوارها، بل هل هذا دور الجهات الحكومية أم أنه دلع من نوع سبع نجوم، كل يوم نسمع تقليعاته.
حسنا فعلت وزارة النقل والاتصالات، عندما أصدرت توضيحاً قطعت الطريق على بعض مروجي الإشاعات حول استلام مستحقات المقاولين لطريق الباطنة السريع ومراحله، وأعلنت بأن المقاولين الذين ينتهون من الأعمال الموكلة لهم يستلموا مستحقاتهم بالتمام والكمال، أما إذا لم يدفعوا ما تطالب به بعض الشركات المقاولة من المقاولين الرئيسيين، فهذه ليست وظيفتها، وإنما الدولة شرعت قنوات أخرى للتقاضي في طلب الحقوق في ظل دولة المؤسسات والقانون، يجب على من له حق أن يتبعه، فأبواب العدالة مفتوحة للجميع.
الجانب الآخر في الموضوع بأن إثارة مثل هذه الأمور فيه نوع من التجني على مناخ الاقتصادي في الدولة، وإثارة البلبلة في الأوساط المحلية، يلقي بظلال من الشك على المناخ الاقتصادي في البلاد، الذي يعاقب عليه القانون، ويحتاج متابعة من يثير هذه الزوابع وأهدافه.
فهل إذا طالبت شركتان أو أربع وحتى عشر، من جهات حكومية أو مقاولين كبار مستحقاتهم لأمور لا نعلمها فيما بينهم، يستحق أن يثار في وسائل الإعلام ويكتب عنه كمشكلة عامة، فهذه الإشكاليات تعد من قبيل القضايا الشخصية والمشكلات اليومية بين المتعاملين، من الطبيعي أن تحصل في أي دولة أو بقعة في العالم، وليس هناك ما يدعو إلى إثارتها، كأنها مشكلة كبيرة بدون أدلة عددية أو ظاهرة بمعناها.
بل إن هذه الجوانب تندرج في المسائل الخاصة بين الشركات والمقاولين، لا أحد يعلم مسببات تأخير مستحقات إذا كانت، بل الاختلافات واردة بين شركات في الكثير من جوانب العمل التي تودي إلى تأخر أو عدم دفع مستحقات مالية.
وربما هناك إشكاليات مثل عدم الانتهاء من الأعمال وعدم تنفيذ ما اتفق عليه، وتظل المبالغ عالقة وإلى أن يفصل القضاء فيها، لكن هل تستحق الإثارة إلى هذه المستويات في وسائل التواصل الاجتماعية وغيرها، أم أن هناك "قلة شغل"، أو هلوسة تجتاح البعض للمزيد من الضبط.
للأسف، البعض يستخدم منصات التواصل الاجتماعية بدون وعي لماهية ما يكتب وكيف، وما هي القضايا التي تستحق أن يكتب عنها، ويطلع عليها الرأي العام، كأننا وصلنا لحالة الإفلاس الفكري في طرح القضايا بدون أي تفكير في بديهيات العمل الإعلامي ومدى واقعية طرح القضايا من عدمه.
فطرح مثل هذه القضايا السطحية والخاصة، وعلاقة الجهات الحكومية بها إلى غير ذلك، ليس من باب الحرية التي يرفعها البعض، بدون إدراك لمعنى الحرية وكيفية التعاطي معها، فأي حرية أن نكتب شكاوى متفرقة بين شركات نتيجة للعديد من الجوانب تطرح كأنها مشكلة عامة، وتلصق بها جهات حكومية.
طبعا هناك أزمة مالية ولا ريب ليس في السلطنة فحسب وإنما في المنطقة كاملة تعاني، ولذا هنا مبرر كاف إذا تأخرت الحكومة بعض الوقت، في دفع مستحقات كما يقال لشركات الكبيرة لظروف استثنائية، ولكن هذه الشركات لديها الملاءة المالية، بأن تسير أمورها وتدفع مرتباتها، والاستحقاقات التي عليها، ولا نعتقد بأن هناك إشكالية كبيرة تستوجب هذا التضخيم المفتعل، إلا لغاية في نفس يعقوب كما يقال، أو عدم فهم ماهية الإعلام سواء كان تقليدياً أو اجتماعاً، فالكلمة كلمة سواء كانت حبرا، أو ضغطة زر في الجهاز يعاقب كل يسيئ استخدامها.

نأمل ألا نكون أوعية لتفريغ شحنات سالبة يحملها البعض لأمور في ذواتهم، ولا يجب أن نسخر وسائل إعلامنا الإلكترونية لتكون ساحة تصفية حسابات شخصية ليس مكانها الإعلام بكل وسائله، أو نخلط الأوراق لغايات ظاهرها حقا يراد به باطل، ولا تكون وسائل إعلامنا مطية يقفز عليها بعض المتسلقين إلى سلالم النجومية، بل نأمل أن يكون الإعلام له رسالة واضحة وهادفة ولديه مبادئ وقيم لا يتزحزح عنها قيد أنملة.