بطالة الشباب في العراق: نظرة على الحلول

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٢/نوفمبر/٢٠١٦ ٠٤:٥٥ ص
بطالة الشباب في العراق: نظرة على الحلول

في الوقت الذي تنهمك فيه العراق بشؤونها الأمنية وتوجّه جل تركيزها نحو دحر مقاتلي تنظيم داعش، هناك رجل يدرس الإمكانيات المتاحة للعراق في المستقبل. ولعلّ الحلول التي يقترحها هذا الرجل لمعالجة مشكلة البطالة بين الشباب تجسد بصيص الأمل لدول المنطقة التي تحاول أن تلبي الطلب المتزايد على الوظائف بين الشباب.

ولا سبيل للتقدم في دولة عانت الأمرّين ما بين صدمات الحرب وتفشّي الفساد إلا عبر استحداث الوظائف وحثّ الشباب على التطلّع نحو مستقبل أفضل. وهذا هو ما يطمح ربين باشا لتحقيقه من خلال الحاضنة والمبادرة الاجتماعية التي أطلقها مؤخرًا تحت اسم «مايدريم» MyeDream، ويعني اسمها الكامل بالإنجليزية «حلمي في ريادة الأعمال» (My Entrepreneurial Dream)، والتي تهدف إلى معالجة مشكلة البطالة المتفشية بين الشباب في العراق.

في مبادرة هي الأولى من نوعها في إقليم كردستان العراق، أطلق ربين هذه الحاضنة التي تسعى إلى منح الشباب نظرة مشرقة نحو المستقبل وانتشالهم من حالة اليأس وأحلام الهجرة والظروف المعاكسة ونزعات التطرّف المحتدمة عبر توجيههم نحو مناقشة أحلامهم والفرص المتاحة أمامهم وإمكانية تأسيس اعمال خاصة بهم. ويأمل السيد باشا من خلال هذه المبادرة بأن يغيّر عقلية هؤلاء الشباب ليعيدوا إعمار مجتمعاتهم ويبتكروا حلولًا ملموسة لتعزيز مستوى السوق.
ولا شك أنّ اقتصاد العراق قد تأثر بشكلٍ سلبي للغاية جرّاء انهيار أسعار النفط؛ إذ تولّد البتروكيماويات حاليًا 99 في المئة من إيرادات الدولة العراقية وفق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. ومع انشغال الحكومة بشؤون الحرب القائمة وتركيز جهودها على هذا الأمر، فإن الأوضاع لا تُبشر بحدوث انتعاش اقتصادي في أي وقت قريب.
وقد لجأت الدولة إلى اتخاذ إجراءات تقشفية تضمنت خفض رواتب الموظفين الحكوميين وتعليق التعيينات وزيادة الرسوم والضرائب؛ الأمر الذي فرض ضغوطاً هائلة على الاستثمار. وفي هذا السياق صرّح مدير الشؤون الاقتصادية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في شركة «آي أيتش أس» براين بلامندن: «لقد أثقلت التخفيضات كاهل الأنشطة غير النفطية وسيستمر تأثيرها بهذا الشكل لا سيما مع القيود المفروضة على الإنفاق والاستثمارات الحكومية في ظل بيئة تتسم بانخفاض أسعار النفط ناهيك عن التحديات السياسية والأمنية القائمة».
ونظرًا لأن 50 في المئة من سكان العراق هم ما دون سنّ الـ19؛ فمن المنطقي أن تعتبر البطالة بين الشباب واحدة من أخطر المشاكل التي تواجه هذه الدولة. علاوة على ذلك، فإن 17 في المئة من الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و25 هم عاطلون عن العمل وفق آخر تقديرات نشرتها منظمة العمل الدولية. أما بالنسبة للنساء، فترتفع البطالة لتصل إلى 27 في المئة.
منذ أن هاجر مع عائلته إلى الولايات المتحدة في العام 1996 بعد اغتيال والده على يد نظام صدام حسين، لم يتخلّ باشا العراقي الكردي عن حلمه بالعودة إلى الوطن وتحقيق إنجاز نافع. وهكذا كانت البداية وولدت فكرة تأسيس «مايدريم» حيث استفاد باشا من العلاقات التي كوّنها من خلال عمله في مجال التنمية الدولية وكمستشار رئيسي في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.
تركز مبادرة «مايدريم» على الارتقاء بالأحلام وتعزيز الحوار وجهود التنمية بهدف بناء بيئة تتمحور حول ريادة الأعمال.
يقول باشا: «ابتكرت هذا النموذج لأساعد الشباب على حلّ المشاكل ومعالجة القضايا التي يواجهونها في حياتهم ومجتمعاتهم، ولكي يحظوا بفرصة للتصرف والاضطلاع بدور محوري وفاعل».
وفي ضوء ما هو شائع ضمن المجتمع العراقي حيث تتعامل الأجيال الأكبر مع فئة الشباب بشيء من اللامبالاة وعدم الاكتراث؛ يرى باشا أن الخطوة الأولى هي أن يألف هؤلاء الشباب فكرة التمتع بأفكار تخصّهم وبأحلام طموحة.
«لا ننصت إلى الشباب، وهذا الأمر صحيح بشكلٍ خاص في العراق وكردستان حيث لا يتمتع الشباب بفرصة المشاركة في المجتمع والاقتصاد. المشاكل التي تواجهها البلاد تطالهم وهم يريدون حلّها لكن علينا أولا إعادة ثقتهم بأنفسهم ليستعيدوا القدرة على الحلم أو الأمل».
وعليه، فإن للحوار دور محوري في هذه المرحلة. في المقابل، فقد أفاد باشا أن العراقيين عمومًا غير مستعدين للتعاون نتيجة السنوات الطويلة التي عاشوها في حالة من عدم اليقين والاضطراب. بالتالي، العقبة الأولى التي يجب تجاوزها هي تشجيع الحوار فيما بينهم ومن ثم التواصل مع أشخاص آخرين في بيئتهم.
وأضاف: «هذه البيئة لا تزال ناشئة؛ لكن القطاع الخاص بدأ بإدراك حقيقة أنه باستطاعة هؤلاء الشباب حل المشاكل. كل ما علينا فعله هو أن نسأل الناس ما إذا كانوا يريدون حلّ المشاكل التي تواجههم، ومن ثم نضعهم على اتصال مع الأشخاص المناسبين الذي يستطيعون تزويدهم بالمهارات اللازمة لتحقيق ذلك».
أما العنصر الثالث من مبادرة «مايدريم» فهو التنمية. ويشرح باشا في هذا السياق أنه «علينا أن نشجّع تشييد فئة جديدة من الشركات الناشئة ورواد الأعمال والشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم بشكلٍ يعيد إحياء الاقتصاد بالكامل ويعزز من رسالة الأمل».
بيد أنّ هذه المهمة ليست بالسهلة؛ فالتحديات الأمنية والسياسية التي تواجهها البلاد تؤثر بشكلٍ سلبي على بيئة الأعمال، ناهيك عن البنية التحتية المدمرة والفساد المتفشي. ولقد صنّف البنك الدولي العراق في المرتبة الـ165 في مؤشر سهولة ممارسة الأعمال.
وقال باشا تأكيدًا على ذلك: «لقد واجهنا تحديات هائلة وتم تهديدنا. وهذا دليل على أن الناس اعتادوا على الوضع الحالي في حين أن ريادة الأعمال والتعاون يعطيان المجتمع فرصة للتقدم نحو الأفضل».
على سبيل المثال، منحت مبادرة «مايدريم» في شهر أغسطس من هذا العام مجموعة من الشباب العراقيين فرصة قيمة من خلال إطلاق حاضنتها. كما استضافت هاكاثون ورشة تدريبية مكثفة في إربيل بدعم تقني من منظمات مثل Glat6Lbas و AstroLabs في دبي وحاضنة 1776، وهي حاضنة أعمال مقرها واشنطن العاصمة. وقد شارك أكثر من 165 شاباً وشابة في هذه الورشة وتم تصنيفهم ضمن 16 مجموعة نتجت عنها 37 فكرة مختلفة عُرضت على مجلس من الخبراء. وأشار باشا إلى أن أفضل الأفكار صدرت عن النساء المشاركات.
ابتكرت إحدى المشاركات تطبيقًا للهاتف المحمول يصل المزارعين بمدراء المخازن من أجل تحديد مواعيد تسليم المنتجات، ما قد يساعد على توفير ملايين الدولارات في قطاع الزراعة من حيث تكاليف النقل وسلسلة التوريد.
وقال باشا: «ابتكرت بعض المشاركات روبوتات وفوجئت فعلًا بمستوى المهارات لدى الشباب».
ابتكرت مجموعة أخرى سيارة تعمل على الطاقة الشمسية وانطلقوا في عملهم من نقطة الصفر. تجدر الإشارة إلى أن كافة المشاركين تقريبًا قد طوّروا مهاراتهم بأنفسهم، بمن فيهم شاب أصله من قرية استولى عليها تنظيم داعش ودمّرها، مما اضطره لاقتراض المال لدفع تكاليف سيارة الأجرة والقدوم إلى الورشة.
وبالرغم من عدم إتقانه اللغة الإنجليزية؛ إلا أنه نجح في تعليم نفسه لغة ترميز الحاسوب على مدى سنة وقدّم تطبيقًا للواقع المعزز ثلاثي الأبعاد حاز بفضله على جائزة الابتكار الخاص وهو اليوم «رجل أعمال مقيم» في «مايدريم».
استبعد الكثيرون إمكانية تأسيس منظمة مثل «مايدريم» في العراق حيث يوظف القطاع العام نصف القوى العاملة. وقال باشا: «لا تزال هذه البيئة ناشئة، وهذا ما يجعل عملنا صعبًا جدًا لكن مليئًا بالإلهام».
لا تزال التحديات قائمة ومن المتوقّع أن تنكمش الأنشطة غير النفطية للسنة الثالثة على التوالي في العام 2016 بحسب السيد بلامندن. بالإضافة إلى ذلك، لم يعد لدى المستثمرين اليوم أي رغبة في استثمار أموالهم في العراق ولا حتى في منطقة كردستان الآمنة، ما أدى إلى توقف الشركات عن التوظيف.
بالإضافة إلى ذلك، قرر الداعم المالي الأساسي لـ»مادريم» الانسحاب من المشروع بعد انطلاق الهجمات في الموصل، لكنّ باشا يعمل جاهدًا للحصول على الاستثمار اللازم لتصبح «مايدريم» حاضنة كاملة وجاهزة في السنوات الثلاث القادمة وقادرة على تحفيز حركة اقتصادية شبيهة بتلك الموجودة في الأردن والإمارات العربية المتحدة.
وأخيرا قال باشا: «نستطيع تحقيق الكثير بمساعدة المجتمع الدولي ولدينا اليوم مجموعة من الشباب على أهبة الاستعداد لإعادة بناء بلدهم بعد هزيمة داعش. يمكننا أن نحوّل مشكلة البطالة إلى إمكانيات وفرص سانحة».

متخصصة في قضايا وشؤون الشرق الأوسط