الخروج البريطاني ودوامات الهلاك

مؤشر السبت ١٩/نوفمبر/٢٠١٦ ٠٠:٤٤ ص
الخروج البريطاني ودوامات الهلاك

من الواضح أن الأسواق المالية غير راضية عن الخروج البريطاني، وهي محقة في ذلك. ولكن لأن قوى مالية، وليس منظمات المجتمع المدني الديمقراطي، هي التي تقاوم تنفيذ قرار المملكة المتحدة بالخروج من الاتحاد الأوروبي، فستصبح المناقشة بشأن الخروج البريطاني أكثر مرارة، وستكون التداعيات أكثر حِدة وقسوة.
كانت الآثار الاقتصادية الأولية المترتبة على الاستفتاء في يونيو ضئيلة، بل وربما كانت إيجابية بعض الشيء الآن مع تعديل أرقام النمو في المملكة المتحدة بعد الاستفتاء نحو الصعود. ولكن الجنيه الإسترليني يغرق، وأصبحت تكلفة تمويل ديون حكومة المملكة المتحدة في ارتفاع، وربما تكون عملية الانسحاب الفعلي من الاتحاد الأوروبي مدمرة للغاية.
بعد القرار بترك الاتحاد الأوروبي، بات من مصلحة المملكة المتحدة أن تدير عملية الانسحاب بطريقة تقلل من تكاليف التعديل في الأمد القريب والتأثيرات السلبية البعيدة الأمد. وعلى نحو مماثل، من مصلحة الاتحاد الأوروبي أن يحرص على تخفيف التأثير الاقتصادي، وأيضا الضرر الذي قد يلحق بسمعته نتيجة لخسارة دولة رئيسية في عضويته.
في الأحوال المثالية، يفكر أطراف أي صراع بهدوء وعقلانية حول المصالح الطويلة الأمد، وتتصرف وفقا لذلك؛ ولكن من المؤسف أن هذا نادرا ما يحدث. وتماما كما يؤدي الطلاق بين زوجين في كثير من الأحيان إلى المرارة ومعارك حادة لا يستفيد منها غير المحامين، فيكاد يكون انزلاق طلاق المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي إلى مستويات قاسية من المرارة أمرا مؤكدا. ومع ارتفاع حِدة العداوة، تُصبِح التسوية الودية أقل احتمالا، وتنتهي الحال بالجميع إلى خسارة ما يزيد كثيرا على أي مكاسب قد تعود عليهم.
الواقع أن إجراءات طلاق المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي تنطوي بالفعل على دوامات مهلكة. فهناك مخاطر سياسية وبنيوية تهدد الاتحاد الأوروبي إذا انسحبت دول أخرى. فعندما تفقد الكتلة دولة واحدة من أعضاءها، يبدو هذا وكأنه سوء حظ قد يُعزى إلى الخصائص المحلية للدولة المغادرة. ولكن إذا خسرت الكتلة عددا أكبر من الدول، يبدأ الأمر يبدو وكأنه نتيجة لإهمال، أو سوء إدارة أو خلل في التصميم الأساسي. وبالتالي فإن الاتحاد الأوروبي لديه حافز قوي لجعل خروج المملكة المتحدة مؤلما لها إلى أقصى حد ممكن، من أجل تثبيط رغبة دول مثل هولندا أو السويد أو فنلندا في الاقتداء بالمثال البريطاني.
تُظهِر استطلاعات الرأي أن دعم الاتحاد الأوروبي ارتفع في العديد من الدول الأعضاء منذ الاستفتاء في المملكة المتحدة. ولكن هذا ليس لأن الاتحاد الأوروبي أصبح فجأة يؤدي وظيفته على نحو أفضل. بل على العكس من ذلك، يشترك العديد من الأوروبيين في وجه نظر مفادها أن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون ارتكبت خطأ فادحا عندما دعا إلى إجراء استفتاء على عضوية الاتحاد الأوروبي.
بعد الاستفتاء مباشرة، توسلت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى الأوروبيين أن لا يكونوا "بغيضين" بلا داع عندما يفكرون في شروط طلاق المملكة المتحدة. ولكن لأن المملكة المتحدة تعلم أن الاتحاد الأوروبي يخشى التفكك، فسوف تقرأ حتما نزعة الانتقام في أي موقف يتخذه الاتحاد الأوروبي. وسوف يكون لزاما على المفاوضين من جانب المملكة المتحدة أن يفترضوا أن نظراءهم في الاتحاد الأوروبي يحاولون جعل الطريق إلى الخروج من الاتحاد الأوروبي وعِرا قدر الإمكان على المستويين الاقتصادي والسياسي.
ومن ثَم فسيرد المفاوضون البريطانيون لمنطق المفاوضين من جانب الاتحاد الأوروبي بشأن نظرية الدومينو من خلال محاولة جعل العملية مؤلمة قدر الإمكان لبقية الاتحاد الأوروبي. والواقع أن البريطانيين المناصرين لخروج المملكة المتحدة يؤمنون إيمانا راسخا بأن المملكة المتحدة ستكون أفضل حالا بمفردها، وأن الخروج البريطاني سيلحق بالأوروبيين ضررا أكبر كثيرا من الضرر الذي قد يلحقه بالبريطانيين. وهذا يعني أن معسكر الخروج لديه حافز قوي لتحقيق نبوءته.
أستاذ التاريخ والشؤون الدولية في جامعة برينستون، وأستاذ التاريخ لدى معهد الجامعة الأوروبية في فلورنسا