الواقع المالي الجديد

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٧/نوفمبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٥ ص
الواقع المالي الجديد

جين بيساني فيري

"عندما تتغير الحقائق، أغير رأيي. ماذا تفعل أنت يا سيدي؟" هكذا أجاب جون ماينارد كينز عندما انتُقِد لأنه غير موقفه من الاستجابة السياسية لأزمة الكساد الأعظم. والواقع أن هذا النوع من البرجماتية ليس شائعا، فالآراء السياسية تتسم غالبا بقدر كبير من الجمود. وكثيرا ما تتشكل وجهات نظر اليوم وفقا لحقائق الأمس.
والسياسة المالية مثال واضح على ذلك. فقد تغيرت الحقائق بطريقتين على قدر كبير من الأهمية. فأولا، كانت تكاليف الاقتراض للدول ذات السيادة منخفضة بشكل استثنائي. ففي نهاية أكتوبر، كان العائد السنوي للسندات الحكومية التي تصدرها فرنسا، وهي الدولة التي يقترب دينها العام من 100 % من الناتج المحلي الإجمالي، 0.5 % لسندات السنوات العشر، و1.6 % لسندات الخمسين عاما. كما تمكنت إيطاليا وإسبانيا -وكل منهما واجهت عزوفا من قِبَل المستثمرين قبل خمس سنوات- من استغلال سوق سندات الخمسين عاما. وما دام الطلب المرتفع على سندات الدين الحكومية باقيا فإنه يوفر فرصة غير مسبوقة لتمويل الاستثمار العام.
يتمثل أحد العوامل الأساسية في اتخاذ قرار الاقتراض في الفارق بين معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الاسمي وسعر الفائدة، فإذا كان سلبيا يصبح سداد الدين سهلا، لأن الدخل الاسمي ينمو بسرعة أكبر من عبء الفائدة. وباستخدام الماضي كمعيار، يصبح من الصعب أن نصدق أن الناتج المحلي الإجمالي الاسمي الفرنسي سوف يتزايد بأقل من 0.5 % سنويا على مدار السنوات العشر المقبلة،
والطريقة الثانية التي تغيرت بها الحقائق هي أن نمو الناتج كان مخيبا للآمال. ففي أحدث تقاريره بشأن توقعات الاقتصاد العالمي يشير صندوق النقد الدولي إلى بقاء الناتج والاستثمار في الدول المتقدمة عند مستويات أقل من المتوقع على نحو دائم طوال العامين الفائتين، على الرغم من انخفاض أسعار النفط والظروف النقدية المواتية. وجاءت التوقعات لمنطقة اليورو مخيبة للآمال بشكل خاص، إذ يتوقع صندوق النقد الدولي تباطؤ نمو الناتج من 2 % في العام 2015 إلى 1.7 % في العام 2016، ثم 1.5 % في العام 2017.
ومع اقتراب برنامج شراء الأصول الذي ينفذه البنك المركزي الأوروبي من بلوغ حدوده، فسوف يساعد التحفيز المالي الداعم للاستثمار في علاج هذا الضعف. وسوف يساعد أيضا في علاج ركود الاستثمارات العامة في العديد من الدول كنتيجة للتقشف المالي في السنوات الأخيرة.
ولكن في حين تغيرت الحقائق، فإن العقول لم تتغير. ففي المتوسط، تستخدم الحكومات المكاسب المترتبة على انخفاض أسعار الفائدة لزيادة الإنفاق أو خفض الضرائب، بدلا من إطلاق برامج استثمارية شاملة. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يظل التوازن المالي الهيكلي لمنطقة اليورو في العام 2017 عند نفس المستوى الذي كان عليه تقريبا في العام 2014. وينطبق الأمر نفسه على الولايات المتحدة. ولا تزال بعض الدول، مثل المملكة المتحدة، في مرحلة تشديد القيود المالية. وتمر إيطاليا بمرحلة توسعية، ولكنها تواجه انتقادات من الاتحاد الأوروبي بسبب عدم تلبيتها لالتزاماتها بموجب ميثاق الاستقرار والنمو. وفي مجمل الأمر، لا يوجد زخم واضح في أي من الاتجاهين..
ويتلخص الحل في نهج يجمع بين استمرار ضبط الأوضاع المالية من ناحية، مع الحرص على وضع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي على مسار منحدر باضطراد، ومن ناحية أخرى برامج الاستثمار الخاصة الممولة بأسعار فائدة منخفضة بشكل استثنائي. وهذا من شأنه أن يخدم الهدف المتوسط الأمد المتمثل في استدامة التمويل العام، مع التعامل مع مستويات أسعار الفائدة باعتبارها كسبا مفاجئا لمرة واحدة ويمكن استخدمها لتغطية تكاليف الاستثمارات ذات الأولوية وتعزيز إمكانات النمو.

أستاذ في كلية هيرتي للإدارة في برلين ويشغل حالياً منصب المفوض العام لشؤون التخطيط السياسي للحكومة الفرنسية