جيتا جوبيناث
مر عام ونصف العام منذ أصبح نارندرا مودي رئيساً لوزراء الهند، في أعقاب الانتصار التاريخي الذي حققه حزب بهاراتيا جاناتا في الانتخابات العامة. وقد جلب انتصار بهاراتيا جاناتا الساحق توقعات بالغة الارتفاع بأن الاقتصاد الهندي، الذي تخلص من قيود حكومة حزب المؤتمر السابقة المترددة، سيرتفع إلى عنان السماء.
والواقع أن المتفائلين لديهم كل الحق في الشعور بخيبة الأمل، لأن أسباب الأمل كانت حقيقية. فقد توقعوا، نظراً للعجز الكبير في رأس المال المادي في الهند، أن ترتفع معدلات الاستثمار مع إعادة تشغيل مشاريع البناء الجاهزة للعمل، ومن المؤكد أن تركيز الحكومة الجديدة على «صُنِع في الهند» يعني مشاريع صناعية جديدة.
ولكن من المؤسف أن الاستثمار لم يسجل أي نمو. والأمر الأكثر مدعاة للقلق هو أن العديد من العقبات التي تعترض سبيل إحياء الاستثمار تظل قائمة. ففي الفترة 2011-2012، بلغ استثمار القطاع الخاص في رأس المال الثابت ذروته بنحو 33.6%من الناتج المحلي الإجمالي، ثم اتجه منذ ذلك الوقت إلى الهبوط إلى مستواه الحالي بنسبة 28.6%في الفترة 2014-2015. وكان هذا الضعف ظاهرة شملت البلاد بالكامل، مع تسجيل كل الولايات الرئيسية انحداراً في المشاريع الجارية خلال هذه الفترة. فقد شهدت كل من ولاية ماهاراشتا وكارناتاكا على سبيل المثال انخفاضاً تراكمياً بلغ نحو 15%في المشاريع؛ وكان الانخفاض في ولاية جوجارات وولاية تاميل نادو أكثر حِدة، حيث بلغ 20%.
أما عن «صُنِع في الهند»، فحقيقة الأمر هي أن خلق القدرة في قطاع التصنيع عانى انحداراً تراكمياً بلغ 35%من الذروة التي بلغها في العام 2011. وكان الانحدار التراكمي في الخدمات بنسبة 13%يبدو معتدلاً بالمقارنة.
من العوامل التي تعوق الاستثمار أن إصلاحات رئيسية -وخاصة تلك التي ترتبط بحيازة الأراضي- لم تحدث ببساطة. ونظراً للجمود البرلماني، فإن التوقعات بشأن الاستمرار في تنفيذ الإصلاحات الصعبة تبدو كئيبة. ونتيجة لهذا، فضلت الحكومة المركزية ببساطة تفويض حكومات الولايات بالقيام ببعض المهام.
تتماشى اللامركزية مع توصيات اللجنة المالية الرابعة عشرة، وهي الهيئة التي تحدد العلاقات المالية بين حكومة الهند المركزية وحكومات الولايات في الهند. ولكن برغم الفوائد العديدة التي يمكن استخلاصها من تعزيز الفيدرالية المالية في الهند، فإن الجانب السلبي في الأمر هو أنها تشير إلى التخفيف من طموح الحكومة المركزية على مستوى الولايات.
ويتمثل العامل الثاني الذي يعوق الاستثمار في استمرار المشاكل المالية التي تواجه البنوك الهندية والعديد من الشركات الكبيرة. فبرغم الجهد الكبير الذي تبذله حكومة مودي -على سبيل المثال بيع تراخيص الفحم بالمزاد العلني- فإن الشركات والبنوك المعرضة لقطاعات التعدين والبنية الأساسية لا تزال دفاتر موازناتها العمومية مجهدة.
والمشكلة أوسع في واقع الأمر. فوفقاً لتقرير حديث صادر عن كريدي سويس، تعاني 17%من قروض البنوك الهندية من الإجهاد، ونسبة كبيرة منها قد لا يتم سدادها أبدا. وكما تحتاج عملة الاستحواذ على الأراضي إلى إصلاح كبير، فإن إصلاح نظام الإفلاس سيشكل ضرورة أساسية لوضع قطاع الشركات والقطاع المالي على مسار سليم. ويُظهِر ركود الاستثمار في اليابان والعديد من بلدان منطقة اليورو مدى حماقة السماح لأعباء ديون الشركات والقروض المتعثرة بالنمو إلى أن تصبح بلا حل. ويتعين على الهند أن تسوي هذه القضايا قبل أن تتحول إلى مشاكل مزمنة.
والعامل الثالث الذي يفرض عبئاً على الاستثمار هو التكلفة الحقيقية للاقتراض. فبرغم نجاح بنك الاحتياطي الهندي في ترويض التضخم -بمساعدة من انخفاض أسعار السلع الأساسية- فإن أسعار الفائدة الاسمية لم تنخفض بالقدر نفسه. وفي ما يتصل بمؤشر أسعار المستهلك، فقد ارتفعت التكلفة الحقيقية للاقتراض (الائتمان النقدي) من بنوك القطاع الخاص من 0.75%في الربع الأول من العام 2012 إلى 5.24%في الربع الثالث من العام 2015. وهي زيادة ضخمة عندما تقاس باستخدام تضخم التصنيع الكلي. ونتيجة لدفاتر موازناتها المجهدة، وحرصها على إعادة بناء قوتها، تحجم البنوك عن تمرير تخفيضات بنك الاحتياطي الهندي الأخيرة للأسعار إلى عملائها.
وإذا ظل تضخم مؤشر أسعار المستهلك على مستواه الحالي (من 4%إلى 5%)، فسيصبح الأساس لمزيد من تحفيض بنك الاحتياطي الهندي لأسعار الفائدة مقنعا. بيد أن رياحاً معاكسة قوية تهب من الاقتصاد العالمي. فحتى لو كان رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لأسعار الفائدة تدريجياً وبطيئاً، فلن يخلو الأمر من آثار غير مباشرة على الاقتصاد الهندي، بما في ذلك الضغوط التي قد تدفعها إلى خفض قيمة الروبية. وقد تؤدي مثل هذه الضغوط إلى رفع معدل التضخم وزيادة الضغوط على الميزانيات العمومية للشركات الهندية التي اقترضت بإفراط بالدولار للاستفادة من أسعار الفائدة الشديدة الانخفاض. وفي مواجهة هذا الخطر، فربما يرغب بنك الاحتياطي الهندي في الإبقاء على أسعار الفائدة مرتفعة، فيؤخر بالتالي الاستثمار الذي كان ليأتي بفضل قدرة المستثمرين على الوصول إلى مال أرخص.
وستعمل الظروف الخارجية أيضاً على خفض الاستثمار في العام 2016. فقد تعافى الاقتصاد الأمريكي، ولكن المحرك الصيني تباطأ، ويظل النمو في اليابان وقسم كبير من أوروبا راكداً. وهذا يعني حتماً تضاؤل الحوافز في الهند للاستثمار في القطاعات الموجهة للتصدير.
ولكن أياً كنت حالة الاقتصاد العالمي، فخلاصة القول هي إن الهند لن يتسنى لها أن تحقق إمكاناتها من دون انتعاش قوي للاستثمار. وإذا كان للاقتصاد أن يحقق معدلات النمو الأعلى من 10%التي كانت تتباهى بها الصين ذات يوم، فسيكون لزاماً على الهند أن تعمل على بناء قدرة إنتاجية أكبر كثيراً وزيادة مشاريع البنية الأساسية بشكل كبير. ومن غير الممكن أن يتلخص الحل في التركيز في المقام الأول على استمارات القطاع العام أو اجتذاب المستثمرين الأجانب، وهو النهج الذي يتبناه صناع السياسات حاليا. بل يتعين على حكومة مودي في العام 2016 أن تعمل على بناء الإجماع السياسي اللازم لدفع عجلة الإصلاحات الرئيسية اللازمة لإزالة العقبات التي تحول دون تقدم الهند.
أستاذة الاقتصاد في جامعة هارفارد،
وهي باحثة زائرة في البنك الاحتياطي الفيدرالي في بوسطن.