أحمد المرشد
اختتم الرئيس الصيني شي جين بنيج جولته في المنطقة التي شملت السعودية ومصر وإيران، تحدث قبلها وأثناءها عن أفاق التعاون الصيني - العربي، وأسهب في كل من الرياض والقاهرة في حديث الأماني المرجوة من ثمار تقارب بلاده مع البلدان العربية بعد غياب طويل عن تلك الساحة -باستثناء مصر التي كانت من أوائل الدولة التي اعترفت بالصين قبل 60 عامًا تقريبا- فيما وقع بالفعل اتفاقيات عديدة في السعودية، بيد أن الكعكة أو «الكيكة» لم تشبع نهم الرئيس الصيني، فكانت غايته الأخيرة إيران التي قدمت له كيكة أكبر ومطعمة بأشهى الحلويات والكافيار الإيراني. لقد أدرك الصينيون كغيرهم في أوروبا وأمريكا أنهم يستطيعون بناء شراكه اقتصادية قوية مع إيران بعد رفع الحصار عنها وبيع إيران مزيداً من كافة منتجاتها الصناعية والغذائية وحتى العتاد الحربي.
هذا الكلام لم يأت من فراغ، فالرئيس الصيني أعلن في جامعة الدول العربية التي زارها وقال بها كلمة عن مجمل ومستقبل العلاقات البينية، إن بلاده وقعت اتفاقيات قيمتها عدة مليارات في كل من السعودية ومصر التي كان نصيبها نحو 15 مليار دولار كما هو معلن، في حين -وهنا الصدمة- وقعت الصين وإيران اتفاقات لرفع التجارة بينهما إلى 420 مليار دولار. وتعهدتا بتعزيز علاقاتهما الاقتصادية والسياسية خلال المحادثات التي أجراها الرئيس الصيني شي جين بينج في طهران مع نظيره الإيراني حسن روحاني، حيث وقعا اتفاقا شاملا لمدة 25 عاما بشأن العلاقات الاستراتيجية.
ربما ينظر البعض إلى جولة الرئيس الصيني للمنطقة على أنها جزء من محاولة أكبر لتوسيع النفوذ الصيني في منطقة كانت حكرا على المصالح الأمريكية والروسية، وربما يكون هذا صحيحا بنسبة كبيرة، فتوجه الصين الجديد بالانخراط السياسي في الشؤون الدولية، وتحديدا على مستوى المناطق المهمة مثل الشرق الأوسط، أصبح مكونا مهما من محددات السياسية الخارجية الصينية، بعكس الفترة الفائتة التي غابت فيها الصين تحديدا عن منطقة الشرق الأوسط وكان دورها محدودا، فلم تكن بكين تريد مزاحمة أدوار أخرى مثل أمريكا وأوروبا وروسيا، صاحبة الأدوار القوية في الإقليم. ناهيك عن أن الهدف الأسمى لكل القيادات الصينية على مدى عقود مضت تركز في تدشين اقتصاد قوي تنافس به القوى العالمية لاحقا. فالاقتصاد هو القاطرة التي قادت الصين للعب دور سياسي. ومن هنا اتسعت مداركها السياسية وأولوياتها لتبدل استراتيجيتها القديمة الخاصة بالحفاظ على مصالحها الاقتصادية وتأمين وارداتها النفطية وزيادة حجم تجارتها مع الدول العربية، إلى التوسع أكثر في المعاملات العالمية وتزيد من انخراطها السياسي والاقتصادي الدولي. وإذا كانت القارة الإفريقية هي باكورة التوسع الصيني الكبير على العالم الخارجي، فهي تتجه حاليا -وبالقوة نفسها- نحو منطقة الشرق الأوسط، لتأمين وارداتها النفطية والمساهمة بمزيد من استثماراتها لتعظيم عائداتها التجارية والاقتصادية والسياسية في الوقت نفسه.
من نافلة القول التذكير بوثيقة سياسية نشرتها وزارة الخارجية الصينية عشية زيارة الرئيس شي جين بينج، أوضحت فيها أن الصين تريد تطوير علاقات أقوى مع العالم العربي في مجالي الدفاع ومكافحة الإرهاب تشمل تدريبات مشتركة وتبادل المعلومات والتدريبات، مع تكثيف المشاركة بشكل أكبر على الصعيد الدبلوماسي ولاسيما في سوريا، حيث استضافت في الآونة الأخيرة اجتماعا بين وزير الخارجية السوري ومسؤولين من المعارضة.
الوثيقة الصينية لم تذكر مباشرة وإنما أفادت ضمنا بميل بكين إلى ترك سياستها القديمة بترك الجهود الدبلوماسية في الشرق الأوسط للأعضاء الأربعة الآخرين دائمي العضوية في مجلس الأمن الدولي وهم بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا وروسيا، وتضيف أيضا أنها تأمل في مزيد من الزيارات العسكرية رفيعة المستوى والتعاون التقني في مجال الأسلحة والتدريبات المشتركة، ومواصلة دعم الإنشاءات العسكرية والدفاعية مع الدول العربية والحفاظ على السلام الإقليمي.
نعود إلى لب العلاقات الصينية - العربية، ونستعين هنا بمقتطفات من البيان السعودي الصيني المشترك الصادر في ختام أول زيارة يقوم بها الرئيس الصيني «شي جين بينج» إلى المملكة، وجاء فيه: «يحرص الجانبان الصيني والسعودي على بذل جهود لتطوير التعاون في المجالات السياسية، والطاقة، والتعاون العملي، والمجال الأمني، والشؤون الإقليمية والدولية، إضافة إلى المجالات الثقافية والإنسانية، وأن الجانبين اتفقا» على أنه في ظل التطور المستمر للتعددية القطبية في العالم والعولمة الاقتصادية، يزداد الطابع الاستراتيجي والعالمي للعلاقات الصينية - السعودية يوما بعد يوم، وأصبح كل من البلدين شريكا مهما لبعضهما البعض على الساحة الدولية.
ونأتي للنقطة الأهم، إذ يؤكد الجانب الصيني على دعمه لجهود الجانب السعودي للحفاظ على أمن البلاد واستقرارها وتطوير اقتصادها وتحسين معيشة شعبها، ودعم قيام الجانب السعودي بدور أكبر في الشؤون الإقليمية والدولية، وأضاف البيان: «أجمع الجانبان على أن دفع السلام والاستقرار في الشرق الأوسط يتفق مع المصلحة المشتركة للمجتمع الدولي، وهما على استعداد لتعزيز التواصل والتنسيق بشأن الأوضاع في المنطقة، بما يحقق الحلول السياسية للقضايا الساخنة، ويدعمان قيام دول المنطقة وشعوبها باستكشاف النظم السياسية والطرق التنموية التي تتناسب مع ظروفها الوطنية بإرادتها المستقلة، بما يحقق الاستقرار الدائم والتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة في المنطقة»، مع ضرورة منع انتشار أسلحة الدمار الشامل بكافة أنواعها، وتأييدهما لجعل منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، بما في ذلك الأسلحة النووية وذلك طبقا للقرارات الدولية ذات الصلة، ثم أعربا عن قلقهما البالغ إزاء خطورة الوضع في سوريا، مؤكدين مجددا على ضرورة إيجاد تسوية سياسية سلمية عاجلة للمسألة السورية، مع التأكيد على وحدة اليمن واستقلاله وسيادته، ومطالبة اليمنيين بالحفاظ على وحدتهم الوطنية بمختلف مكوناتهم وأطيافهم وتياراتهم الاجتماعية والدينية والسياسية، بعدم اتخاذ أي قرارات من شأنها تفكيك النسيج الاجتماعي لليمن وإثارة الفتن الداخلية، والتأكيد على دعمهما للشرعية في اليمن وقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة وكذلك المبادرة الخليجية المتعلقة باليمن. وأخيرا، تشديد الجانبين على رفضهما القاطع للإرهاب بجميع أشكاله وصوره التي تهدد السلام والاستقرار في شتى أنحاء العالم، واستعدادهما لتعزيز التعاون الأمني في هذا الصدد.
وبعيدا عن وثيقة الخارجية الصينية، فإن الرئيس الصيني وفي قلب الجامعة العربية بالقاهرة أعرب عن سعادته بلقاء «الأصدقاء العرب»، قائلا: «أتقدّم بفائق الاحترام لجميع البلدان العربية وهناك نوع من التقارب والمحبة مع الدول العربية». وأردف يقول: «إن الشرق الأوسط لم يتخلص من ويلات الحرب حتى اليوم وهذا يؤلمنا». ثم يتساءل: «إلى أين تتجه هذه المنطقة؟».
ويدفعنا تساؤل الرئيس الصيني في الجامعة العربية عن أين تتجه هذه المنطقة، لنسـأله نحن مجددا: كيف يتحدث هكذا أمامنا وفي عقر دارنا -مقر الجامعة العربية- ثم يتحدث مع الإيرانيين عن السلام في الشرق الأوسط؟! ولن نترك له الإجابة، فهي من عندنا أيضا. ألم يدرك بعد جولته في المنطقة والتعرف على مشكلاتها عن كثب بلقاء أكبر قائدين فيها، من يتسبب في تفاقم أزمات المنطقة، ومن يشعل التوتر بها، ومن يتدخل في الشؤون الداخلية لدولها.
كاتب ومحلل سياسي بحريني