أفريقيا ضد المحكمة الجنائية الدولية

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٠/نوفمبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٥ ص
أفريقيا ضد المحكمة الجنائية الدولية

اريا ناير

سلمت حكومة الرئيس جاكوب زوما في جنوب أفريقيا بتاريخ 19 أكتوبر مستندات للإمم المتحدة للتعبير عن نيتها الإنسحاب من المحكمة الجنائية الدولية وهذا القرار كان مفاجئا للعديد من المراقبين والمهتمين بشؤون المحكمة الجنائية الدولية .
وقبل ذلك بأسبوع كانت بوروندي أول دولة عضو تنسحب من المحكمة الجنائية الدولية وكانت المحكمة الجنائية الدولية قد أشارت إلى أنها ستحقق وربما ستوجه الإتهام لمسؤولين حكوميين بعد أن ألقى الرئيس البوروندي بيير نكورونزيزا ببلاده في أتون الإضطرابات وذلك عندما رشح نفسه لفترة رئاسية ثالثة بما يخالف الدستور .

لقد لقي الكثير من الناس مصرعهم في الإضطرابات التي تسبب بها نكورونزيزا مما أعطى لنكورونزيزا وغيره من المسؤولين الحافز للإنسحاب من المحكمة الجنائية الدولية ولكن لا توجد خطط لتوجيه إتهامات في جنوب أفريقيا مما أثار دهشة الجميع من دوافع القرار الذي أتخذته حكومة جنوب أفريقيا .
إن الإنسحاب من المحكمة الجنائية الدولية ليس بالأمر السهل فطبقا لميثاق روما لسنة 2002 والذي أسس المحكمة فإن البلد يبقى عضو في المحكمة الجنائية الدولية لمدة سنة واحدة على الأقل بعد أن يخطر الأمم المتحدة بنيته الإنسحاب وبالإضافة إلى ذلك فإن البلد مطالب بالإستمرار بالتعاون مع المحكمة الجنائية الجدولية فيما يتعلق بأية إجراءات قضائية بدأت قبل تاريخ سريان مفعول الإنسحاب .
وهكذا فسوف يسمح للمحكمة الجنائية الدولية بإكمال أية ملاحقات قضائية تبدأها خلال السنة المقبلة وهذا يعني أنه ليس بإمكان المحكمة توجيه إتهامات للمسؤولين البورونديين فحسب ، بل أيضا ملاحقتهم إلى اجل غير مسمى لو لم يستسلموا أو لم يتم تسليمهم من قبل الحكومة البوروندية.
أما في جنوب أفريقيا فإن قرار حكومة زوما بالإنسحاب من المحكمة الجنائية الدولية هو قرار مشكوك فيه من الناحية القانونية ففي واقع الأمر قد لا يصبح هذا القرار ساري المفعول وذلك نظرا لأن زوما قد تصرف لغاية الآن لوحده حيث لم يقم بعرض الموضوع على برلمان جنوب أفريقيا الذي صادق على القرار الأصلي بالإنضمام للمحكمة الجنائية الدولية والذي يجب أن يشارك في أي قرار بالإنسحاب كما لم يمنح زوما شعب جنوب أفريقيا فرصة مناقشة القضية أو التأثير على القانون التشريعي الذي سيتم إتخاذه في نهاية المطاف.
لو بقي هذا القرار الأحادي ساري المفعول فإنه سيترك جنوب أفريقيا في وضع غامض فبينما سينتهي وضع البلد كعضو في المحكمة الجنائية الدولة فإن الحكومة ستبقى ملزمة بالتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية طبقا لقانون التنفيذ الذي تبناه برلمان جنوب أفريقيا سنة 2002 .
يبدو أن القرار بالإنسحاب يعكس إنزعاج زوما الشخصي بعد زيارة الرئيس السوداني عمر البشير لجنوب أفريقيا في يونيو 2015 . لقد تم توجيه تهم الإبادة الجماعية وإرتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب للبشير من قبل المحكمة الجنائية الدولية سنة 2009 و 2010 وعندما حضر البشير مؤتمر القمة الإفريقية في جنوب أفريقيا في العام الفائت ، قام مركز جنوب أفريقيا للمقاضاة وهو منظمة غير حكومية برفع دعوى بموجب قانون التنفيذ لسنة 2002 مطالبا الحكومة بإعتقاله.
لقد حكمت المحكمة العليا ومحكمة الإستئناف العليا لصالح مركز جنوب أفريقيا للمقاضاة ولكن حكومة زوما أحبطت تلك القرارات وذلك بمساعدة البشير على الهرب من البلاد كما قامت حكومة زوما بإستئناف تلك الأحكام ولقد كان من المقرر أن يعرض الأمر على المحكمة الدستورية في البلاد بتاريخ 22 نوفمبر ولكن عندما أعلنت الحكومة قرارها المتعلق بالمحكمة الجنائية الدولية فإنها أعلنت كذلك أنها ستسحب إستئنافها في المحكمة الدستورية مما يوحي بإن زوما ينتقم بوسائل أخرى من أولئك الذين قاموا بإحراجه من خلال القضاء.
إن العنصر الآخر وراء القرارات الأخيرة للإنسحاب من المحكمة الجنائية الدولية هو الحملة الحالية بين بعض الدول لإتهام المحكمة بإنها تستهدف القادة الأفارقة وعلى الرغم من أن هناك بعض الحقيقة في مثل هذا الإتهام فإن من الجدير ذكره أن جميع الملاحقات القضائية ضد الأفارقة قد تم إحالتها للمحكمة الجنائية الدولية من الحكومات الإفريقية نفسها أو مجلس الأمن الدولي والإستثناء الوحيد هو القضية التي تتعلق بالعنف العرقي الذي حصل بعد الإنتخابات في كينيا سنة 2007 والتي تم أحالتها للمحكمة الجنائية الدولية من قبل الأمين العام الاسبق للأمم المتحدة كوفي آنان بعد أن ساعد في التوسط في النزاع .
في واقع الأمر فإن من المرجح أن تكون القضايا في المحكمة الجنائية الدولية أكثر تنوعا قريبا فهي تقوم بشكل نشط بمراقبة الجرائم في أجزاء أخرى من العالم بما في ذلك جرائم القتل المنتشرة خارج نطاق القانون والتي تستهدف من يشتبه بتعاطيه المخدرات في الفلبين . لقد قامت المحكمة الجنائية الدولية فقط بإكمال عدد قليل من الملاحقات القضائية في أفريقيا ولكن يبدو أن تصرفاتها قد أدت إلى كبح جرائم العنف بشكل كبير في عدة بلدان وسوف يكون من المؤسف حقا لو قررت الدول الأفريقية الأخرى أن تحذو حذو الحكومات في بوروندي وجنوب أفريقيا.

الرئيس الفخري لمؤسسات المجتمع المفتوح وأحد مؤسسي منظمة هيومان رايتس واتش لحقوق الإنسان ومؤلف كتاب تاريخ حركة حقوق الإنسان العالمية.