جنيف – ش – وكالات
يرى محللون أن أفق نجاح محادثات السلام حول سوريا التي انطلقت في جنيف محدودة نظرا لتعقيدات النزاع المستمر منذ خمس سنوات في ظل تصاعد نفوذ تنظيم داعش وتواصل الخلاف حول مصير الرئيس السوري بشار الاسد.
وتبدو جولة المفاوضات الجديدة متعثرة قبل انطلاقها على ضوء الانقسامات الاخيرة بشأن تمثيل المعارضة السورية في جنيف واستياء ابرز تشكيلات المعارضة جراء الحصار الذي تفرضه قوات حكومية على مناطق سورية عدة.
ويتوقع محللون ان تتسم الجولة الجديدة من المفاوضات بموقف اكثر تشددا من قبل الحكومة السورية على ضوء الاختراقات الميدانية التي حققتها مؤخرا بدعم من موسكو التي تنفذ حملة جوية مساندة لقوات النظام منذ اربعة اشهر.
اما الهيئة العليا للمفاوضات المنبثقة عن اجتماع اطياف واسعة من المعارضة السورية السياسية والعسكرية في الرياض، الشهر الفائت، فقد اعلنت الجمعة وبعد اربعة ايام من التردد قرارها بالتوجه الى جنيف "للمشاركة في محادثات مع الامم المتحدة وليس للتفاوض"، في مؤشر جديد على التحديات التي تواجه مفاوضات جنيف.
ويقول الباحث في معهد الدراسات الاستراتيجية والعلاقات الدولية كريم بيطار لوكالة فرانس برس "تتوفر كافة الاسباب التي تدعو للتشاؤم وليس هناك اي سيناريو واقعي يتيح التوصل الى اختراق" في جنيف.
ويرى انه "لم يكن هناك تباعد بهذا الشكل من قبل بين عملية جنيف وما يحصل على الارض". وتشهد سوريا نزاعا بدأ بحركة احتجاج سلمية عام 2011 قبل ان يتحول الى حرب دامية متعددة الاطراف مع تصاعد نفوذ التنظيمات الجهادية. وتسببت الحرب بمقتل اكثر من 260 الف شخص وبتدمير هائل في البنى التحتية بالاضافة الى نزوح وتشريد ملايين السكان داخل البلاد وخارجها.
وضاعفت القوى الدولية في الأشهر الأخيرة جهودها الدبلوماسية لاطلاق عملية سلام بهدف وضع حد للنزاع السوري، تحت ضغط عوامل عدة ابرزها تصاعد قوة تنظيم داعش وتوسيع نطاق عملياته ليستهدف دولا غربية بالاضافة الى الاعباء المترتبة على تدفق اللاجئين إلى أوروبا.
وتعلق الدول الكبرى امالها على قرار الامم المتحدة الصادر في 18 يسمبر والذي نص على خارطة طريق تبدأ بمفاوضات بين الحكومة والمعارضة، وعلى وقف لاطلاق النار وتشكيل حكومة انتقالية في غضون ستة اشهر وتنظيم انتخابات خلال 18 شهرا، من دون ان يشير الى مصير الرئيس السوري.
ويرى محللون ان الاجواء السياسية المحيطة بمحادثات جنيف الجديدة معقدة اكثر من آخر جلسة مفاوضات عقدت العام 2014 والمعروفة بجنيف 2، خصوصا ان قوات النظام تمكنت في الاسابيع الاخيرة من التقدم ميدانيا على جبهات عدة في البلاد، بفضل الدعم الجوي الروسي.
وتقول الخبيرة في شؤون الشرق الاوسط المقيمة في فرنسا انياس لوفالوا لفرانس برس ان الاطار العام حاليا "اصبح اقل ملاءمة للمعارضة مقارنة مع النظام الذي استعاد السيطرة على مواقع" عدة في البلاد.
وتضيف "المعارضة مستاءة جدا لتقلص قدرتها على المناورة.. والاسد يشعر بالقوة اكثر فأكثر ولن يبدي مرونة" في جنيف. ويؤكد الباحث في مركز كارنيغي لدراسات الشرق الاوسط يزيد الصايغ "سيشعر النظام السوري وروسيا انهما يسحقان المعارضة ببطء، وبان الاتجاه العام في المستقبل لن يكون معاكسا لهما".
في الوقت ذاته، تخلت القوى الغربية عن اصرارها السابق على وجوب تنحي الاسد عن السلطة خشية من حدوث فراغ في السلطة قد يستفيد منه تنظيم داعش ويدفع مزيدا من اللاجئين الى اوروبا.
ويوضح بيطار ان هذه الخشية تعني ان "الانظمة القومية الاستبدادية عادت الى الواجهة". ولطالما اصرت المعارضة وعلى رأسها الائتلاف السوري على مطلب رحيل الاسد قبل بدء اي مرحلة انتقالية، لكن داعميها من الدول الغربية بدأوا بالتراجع عن هذا الموقف، باعتبار انه قد يشكل حجر عثرة امام محادثات جنيف. ولم يتطرق قرار مجلس الامن الدولي الى مصير الرئيس السوري. وبحسب صايغ فإنه "من الواضح للولايات المتحدة وحتى السعوديين" ان رحيل الاسد لا يمكن وضعه "كشرط مسبق" للتفاوض.