أسواق الأسهم خسرت في 3 أسابيع ما كسبته في عامين .. اقتصاد العالم يبدأ العام الجديد بـ «جنون»

مؤشر الأحد ٣١/يناير/٢٠١٦ ٢٢:٤٥ م
أسواق الأسهم خسرت في 3 أسابيع ما كسبته في عامين .. اقتصاد العالم يبدأ العام الجديد بـ «جنون»

مسقط -ش
أكد كبير الاقتصاديين ورئيس قسم الاستثمار بـ»ساكسو بنك» ستين جاكوبسون أن بداية العام الجاري كانت غريبة للغاية حيث خسرت سوق الأسهم خلال ثلاثة أسابيع كافة الأرباح التي راكمتها بين عامي 2014 و2015. وفي هذه الأثناء تقف إيطاليا على أعتاب أزمة مصرفية جديدة، بينما توشك حكومة البرتغال على خسارة جميع المكاسب التي تم جنيها على مدى الأعوام الخمس الفائتة، وتعاني المملكة المتحدة من ضغوط قد تؤدي إلى خروجها من الاتحاد الأوروبي. وتضاف إلى ذلك كلّه المشاكل السياسية المتعلّقة بأزمة اللاجئين، والانتخابات في الولايات المتحدة الأمريكية التي يمكن لأي شخص طبيعي أن يرى بأنها ستكون نقلة من السيئ إلى الأسوأ، فيما يعاني الشرق الأوسط من انخفاض هائل في أسعار النفط. إنها بداية صعبة للسنة بحق، والأمر الذي يزيد المشهد إرباكاً هو أن الخبراء والاستراتيجيين على حد سواء ينظرون إلى الصين بحثاً عن أعذار؛ فالصين كبش فداء سهل، ولكنني أعتقد بأنّ من يتفاجأ من تباطؤ النمو في الصين وحاجتها إلى المماطلة بهدف تنويع اقتصادها، يجب عليه عندها أن يعود إلى مقاعد الدراسة الجامعية من جديد!

دورة أسعار الفائدة الأمريكية

يتمتّع بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بالتأثير المطلق على وجهة أسعار الفائدة العالمية بصفته البنك المركزي الأقوى في العالم، وقد أقدم على رفع أسعار الفائدة في ديسمبر الفائت بعد ارتفاع في تكاليف تمويل الشركات، والآن نشهد اتساقاً بين أسعار الفائدة المطروحة من قبل البنوك المركزية وتلك السائدة في الأسواق، مع توقعات بحدوث ارتفاع عام فيهما. وبما أن سعر المال يعتبر دوماً أهم المدخلات في أي منظومة اقتصادية، وقد وصل معدّل رفع الفائدة في السوق خلال العام الجاري إلى 1.7 مرّة (42.5 نقطة أساس)، مع تعهّدات من بنك الاحتياطي الفيدرالي برفعها بمقدار 3 أو 4 أضعاف (75/‏100 نقطة أساس).

ومع عودة دائرة الضوء مجدداً إلى بنك الاحتياطي الفيدرالي ودورة أسعار الفائدة لديه، ستبدأ لعبة «من يرمش أولاً»؛ فهل سيتراجع الأخير أم أن السوق ستتقدّم؟ وفي الوقت الراهن من الواضح أن السوق تواصل الهبوط ولا تثق بنوايا بنك الاحتياطي الفيدرالي.

أسعار النفط

كما نعلّم، لا يزال النفط المادّة الخام الرئيسية المستخدمة في توليد الكهرباء التي لا غنى لنا عنها في حياتنا اليومية، إلى جانب كونه الوقود الأول للسيارات. لذلك ستكون تكلفة مدخلات الطاقة عاملاً حاسماً في تحديد الرواتب الرئيسية والاستهلاك الحقيقي.

لقد أثر النفط بشكل سلبي على قيمة المال وحركة النمو في العالم بشكل عام؛ حيث تأثر سعر المال بحقيقة تراجع كميّات «المال المشبوه» إن صح التعبير مع انعدام أي فوائض في الحسابات الجارية لمنتجي السلع وتلك التي تعود إلى الشرق الأوسط، مما يعني أن قدرة أصحاب هذه الحسابات على الاستثمار في أسواق الدخل الثابت الأمريكية والأوروبية ستنخفض، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع سعر المال. وقد أظهرت دراسات أكاديمية بأن صافي الانخفاض في الأرباح عندما يتدفق «المال المشبوه» بشكل حر بالكاد يبلغ 100 نقطة أساس (أي أن أرباح الأسهم طويلة الأجل كانت لترتفع بمقدار 100 نقطة أساس خلال هذه الدورة لولا وجود هؤلاء المستثمرين).
وعلى نحو مشابه، اتسمت دفعات النمو في أسواق السلع بطابع سلبي صرف نظراً لقلة المال المتوفر من أجل استيراد السلع والخدمات، ولكن من ناحية أخرى تساهم أسعار النفط والطاقة في تعزيز النمو. وستشعر أوروبا خلال العام الجاري بالتأثير الكامل لانخفاض أسعار الطاقة، إذ سيعود عليها هذا الواقع بالكثير من المكاسب في الدخل على المستويين الفردي والمؤسسي نظراً لكونها مستورداً صرفاً للطاقة، الأمر الذي سيصعّب على المصرف المركزي الأوروبي مواصلة طبع النقود خلال 2016.

وعموماً يتسم المصرف المركزي الأوروبي بتأخره عن ركب بقية العالم، ولنا مثال على ذلك في تصريحات رئيسه ماريو دراجي مطلع العام 2014 حين أنكر وجود أي نوع من الانكماش. وكنتيجة لهذا التأخر، سيتصرّف المركزي الأوروبي بشكل اندفاعي، مع تجاهل التأثير الإيجابي المهم لأسعار الطاقة والتعافي الذي يشهده الدخل الفردي وقطاع الشركات في القارة الأوروبية. وسيؤدي ذلك كله إلى جمود المركزي الأوروبي بحلول الصيف المقبل، في حين ستجد البنوك المركزية المحلية نفسها تسير في الوجهة ذاتها.

الصين تشهد تراجعاً في نمو الناتج المحلّي

الصين تشهد تراجعاً في نمو الناتج المحلّي الإجمالي، وليس في الأمر أي مفاجأة ففي الوقت ذاته يواصل الغرب مراقبة وتحليل حالة الصين انطلاقاً من افتراضات ذات صلة بالميزانية العمومية، مما يفضي إلى استنتاجات خاطئة بشكل فادح. وفي هذا الإطار من المفيد طرح أسئلة من قبيل هل تعاني الصين من مشاكل؟ بالتأكيد نعم. هل ستخرج منها منهكة؟ ربما، ولكنه احتمال مستبعد. هل ستخرج منها بكل يسر؟ لا، هذا الأمر أيضاً مستبعد؛ لأنها ستخرج منها بخطى بطيئة على المدى الطويل، فهي تمتلك ما يكفي من الوفورات الخاصّة لتسيير الأمور، مع الاستفادة من موقعها في طريق الحرير، والطابع العالمي الذي يتسم به كل من اليوان الصيني والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، وبالتالي يبدو المشهد بعيداً عن أي شكل من أشكال الانهيار. وصحيح أن الصين تعاني من تباطؤ، غير أن السياح الصينيين سينفقون نحو 275 بليون دولار خارج البلاد هذا العام، ليكونوا بمثابة «الصادرات» الصينية الجديدة قريباً، إلى جانب المال.
وفي الواقع، إن تراجع قيمة اليوان هو عبارة عن «اختبار» للتدفق الحر لرأس المال ويمثّل دعماً للاقتصاد عبر رفع السيولة بهدف تمويل خدمات المديونية. ومن الصعب أن أقول بأننا أمام حالة سلبية صرفة تستوجب اهتماماً خاصاً، وذلك نظراً للتقدّم الذي تحققه الصين مع تحسّن حركة رأس المال الحر والتسهيلات الائتمانية للأسواق الناشئة التي تحتاج إلى التمويل.
ويعتبر استخدام الصين كذريعة في السوق من الأمور التي تلفت الاهتمام فعلاً، وهو ما يظهره الاستبيان التالي الذي أجرته ’بنك أوف أمريكا ميريل لينتش‘ لاستطلاع آراء الزبائن حيث نلاحظ انه منذ الاستبيان الأخير (نوفمبر 2015) قام بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي برفع أسعار الفائدة الرسمية، ولكن محور تركيز السوق انتقل بشكل كبير من رفع أسعار الفائدة إلى موضوع الصين. وكان 59 % من المشمولين بالاستبيان في نوفمبر قد أعربوا عن أن الخطوة التالية لبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي هي الموضوع الأبرز على المستوى الكلّي، في حين تقتصر هذه النسبة الآن على 23 %، لترتفع نسبة الاهتمام بالصين من 27 % إلى 66 %.

الفرق بين دورة أسعار الفائدة

ما زالت السوق لا تستطيع التركيز على أكثر من خطر واحد في الوقت عينه، لذا انصب تركيزها منذ بداية العام على الصين، غير أن الموضوع المهم «الوحيد» الذي يجب التركيز عليه هو الفرق بين دورة أسعار الفائدة في 2016 من وجهة نظر بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (الذي قد يرفعها بمعدل 3-4 مرات) وتوقعات السوق (1.7 مرة)، وكيف سيؤثر ذلك على الوجهة التالية للاقتصاد الكلّي. وبالتأكيد لن تثني البيانات الضعيفة لبداية العام بنك الاحتياطي الفيدرالي عن المضي قدماً في مخططاته، ولكنني أتوقّع بشكل كبير أن يعيد النظر في مخططاته على ضوء البيانات الخاصة بشهر يناير، ليخفّض مقدار رفعه لأسعار الفائدة إلى 2-3 مرّة، ومن ثم 1-2 مرّة، وأخيراً 0-1 مرّة، ولكن في الوقت الراهن سنبقى في ترقّب لأي تطوّر من شأنه تحديد الوجهة المقبلة.

الاستراتيجية

عبّرنا عن نظرتنا السلبية حيال الربع الأول في تقريرنا «الفجوة الائتمانية»، ولكننا نقترب من مستويات تستعيد فيها «القيمة» عافيتها، ولاسيما ضمن مجال الائتمان متعدد الفئات (من المستوى الاستثماري وما فوق) والطاقة والمواد. وبينما يتسم النموذج الذي أقترحه بكونه خالياً من المخاطر بنسبة 100 %، غير أنني أتخذ خطوات احترازية مع خيارات إصدار نداءات عند صعود الأسهم، وتأخذ استراتيجيتي منحىً قصير الأمد أكثر فأكثر في انتظار أي معلومات جديدة (أن يعود بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى دائرة التركيز). وأنا أوشك على إطلاق ندائي الخاص بالدولار الذي أراه أضعف في 2016- بالتزامن مع عودة للزخم طويل الأمد.
وبعبارة أخرى، فإن خلاصتي الرئيسية تؤكد أنه لا تزال وجهة الدولار الأمريكي العامل الأبرز والمحرّك الأقوى للسوق، وكلما ارتفعت قيمته في التداولات كلما عادت الأصول الأقل خطراً. لذا فإن انخفاض قيمة الدولار هو الطريق الأقل وعورة للمستثمرين وصانعي السياسات والنمو العالمي.