مرادم النفايات .. بين الواقع والمأمول

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٠٧/نوفمبر/٢٠١٦ ٠٤:٥٥ ص
مرادم النفايات .. بين الواقع والمأمول

ناصر اليحمدي

أدى تمدد التطور العمراني وتزايد عدد السكان في بلادنا وتحسن مستوى معيشة الفرد إلى زيادة النفايات التي تنتج عن الأنشطة اليومية والصناعية والتجارية حتى أصبحت المخلفات مشكلة وتحديا أمام الحكومة لأنه في حال عدم التعامل مع هذه المخلفات بشكل ملائم فإنها ستشكل خطرا على الصحة وتهديدا للبيئة وسلامتها .. لذلك قبلت حكومتنا الرشيدة هذا التحدي وعملت منذ بواكير النهضة المباركة على إدارة النفايات بصورة تساهم في التخلص من آثارها السلبية على الصحة العامة والبيئة فأنشأت المكبات المنتشرة في جميع أنحاء البلاد ثم وضعت استراتيجية جديدة لإقامة مكبات صحية مصممة هندسيا لتدوير النفايات بطريقة لا تؤثر على الصحة العامة والبيئة.
لكن نظرا لنقص المكبات الصحية في بعض الولايات واقتراب وصول القائمة بالفعل لكامل سعتها التخزينية مازالت هذه المناطق تعاني من الآثار السلبية للمكبات والمحارق التي تنتج فيها ولا يخفى على أحد ما تسببه من أمراض للجهاز التنفسي والمناعي والسرطانات وغيرها للسكان الذين يقطنون قريبا منها ناهيك عما ينبعث من روائح كريهة وأبخرة وغازات تزكم الأنوف من على بعد أمتار كثيرة لذلك أضحت مشكلة النفايات من التحديات الملحة التي يجب التعامل معها بسرعة وكفاءة وفق أسس علمية سليمة.
الغريب أنه بالرغم من أن التعامل شهريا مع أطنان من النفايات يعد مشكلة عالمية إلا أن هناك دولا كثيرة حول العالم تمثل النفايات بالنسبة لها ثروة فمثلا الصين قررت الاستفادة من ثلث نفاياتها في توليد الطاقة الكهربائية فأنشأت المحطات الخاصة بهذا الشأن .. كما أن هناك دولا تستفيد من نفاياتها بتحويلها لسماد يزيد الأراضي الزراعية خصوبة ولا ننسى عمليات إعادة التدوير للمخلفات الصلبة التي تساهم بشكل كبير في النهوض بصناعة الورق والبلاستيك والزجاج والمعادن المختلفة .. وهو ما يجعلنا نتساءل لماذا لا تفكر الحكومة في استغلال المخلفات التي تسبب لنا مصدر إزعاج لتصبح مصدر دخل وطني ووسيلة للحفاظ على البيئة سواء بإعادة تدويرها أو تحويلها لسماد أو لتوليد الطاقة الكهربائية ؟.
لا ننكر الجهود المضنية التي تبذلها الشركة العمانية القابضة لخدمات البيئة "بيئة" والبلديات في مختلف الولايات للتخلص من النفايات بطريقة آمنة وصحية .. لكن النمو السكاني والتمدد العمراني أسرع من هذه الجهود التي تقف الإمكانيات المادية حجر عثرة أمامها حيث إن هذا الملف يحتاج إلى ملايين الريالات لإدارته على الوجه الصحي الأمثل.
لاشك أن المرادم الهندسية الحديثة أصبحت مطلبا ملحا لأنها تتخلص من النفايات وفي ذات الوقت تراعي عدم تأثر البيئة المحيطة بهذه المخلفات أو طريقة التخلص منها .. وسياسة إنشاء المرادم الهندسية التي تتبعها شركة "بيئة" خطوة في طريق حل المشكلة ونتمنى أن تتسارع وتيرة بناء هذه المرادم ونراها في كل محافظة وولاية في أسرع وقت ممكن لتكون بلادنا رائدة في هذا المجال فتصبح من أنظف دول العالم وأكثرها حفاظا على البيئة ولكي نحافظ على مكتسبات النهضة التي تحققت حتى الآن.
على حكومتنا الرشيدة وهي تدير ملف النفايات أن تعيد النظر في إمكانية الاستفادة منها خاصة بتدويرها ويمكن الاستعانة بالخبرات العالمية في هذا المجال أو القطاع الخاص فمن ناحية ستستوعب هذه العملية عددا كبيرا من الباحثين عن عمل ومن ناحية أخرى ستوفر موادا ذات مردود اقتصادي مربح للدولة كالورق والزجاج والحديد والأسمدة وغيرها ومن ناحية ثالثة يتم التخلص من مشكلة تؤرق بال الجميع.

* * *
مؤتمرات المناخ .. ضجيج بلا طحن
قبل 3 أيام من بدء مؤتمر المناخ الثاني والعشرين في مراكش أراد المجتمع الدولي أن يثبت حسن نواياه ويرفع عن نفسه الحرج فقرر إدخال اتفاق باريس للمناخ الذي تم الاتفاق عليه منذ سنة تقريبا حيز التنفيذ لكبح جماح التغير المناخي وما يخلفه من كوارث طبيعية وصحية تقوض جهود التنمية.
لقد صادقت 97 دولة من أصل 192 موقعة على اتفاق باريس للمناخ الذي يعد أول اتفاق عالمي لمكافحة تغير المناخ منها 55 بلدا تصدر 55% من الغازات الدفيئة المسئولة عن ظاهرة الاحتباس الحراري وهذه سابقة طيبة .. وهاهي دول العالم تجتمع في مراكش لبحث سبل تنفيذ هذا الاتفاق التاريخي مما يجعلنا نتساءل لاشك أن الأهم من التوقيع على الاتفاقيات هو الالتزام بما تتضمنه .. فالوقت يمر وحرارة الأرض تزداد بشكل جنوني لذلك لابد من وقف انبعاث الغازات الملوثة للجو والتوجه نحو بدائل الطاقة النظيفة والمستدامة حتى نحافظ على الأرض من الانهيار.
لا ينبغي أن يكون مؤتمر مراكش مجرد تهليلا لما تم إنجازه في مؤتمر باريس الذي لم ينفذ منه شيء حتى الآن بل يجب أن يقدم تعهدات والتزامات جديدة خاصة من قبل الدول الصناعية الكبرى لخفض الانبعاثات وإلزام الدول الغنية بتقديم المساعدات اللازمة للدول النامية حتى تتمكن من تحقيق التنمية المستدامة الصديقة للبيئة والتي كان مقررا لها في مؤتمر باريس مبلغ 100 مليار دولار سنويا وحتى عام 2020
نعلم أن الطريق للوصول لبيئة نظيفة صعب لأنه يتطلب كما قدرت الأمم المتحدة تخصيص من 5 إلى 7 تريليونات دولار سنويا لتحويل الأنشطة الصناعية إلى "منخفضة الكربون" أي أن انبعاثاتها تكون منخفضة في إنتاج ثاني أكسيد الكربون أو اللجوء إلى مصادر الطاقة النظيفة كالشمسية والرياح وغيرها مما لا ينتج أي انبعاثات ضارة بالبيئة ولكن هذا الطريق يستحق مواصلة السير فيه لأن حياة البشرية متوقفة عليه وبدلا من إنفاق الأموال على التنافس المحموم للتسلح يمكن توجيه نصف هذه الأموال للحفاظ على البيئة وتقليل الانبعاثات.
إن مواجهة الاحتباس الحراري تتطلب تغيير أساليب إدارة الغابات والأراضي الزراعية بالإضافة إلى الاستغناء عن استخدام مصادر الطاقة الاحفورية كالنفط والفحم والغاز والتي تتسبب في انبعاثات غازات الكربون وهذا بالتأكيد يحتاج لقرار صعب لأنه يتطلب البحث عن بدائل نظيفة والاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة في الأنشطة البشرية وهذا سيتكلف الكثير لتغيير المنظومة الصناعية واستبدال مصادر الطاقة الحالية بأخرى نظيفة.
نتمنى أن يخرج مؤتمر مراكش بقرارات فاعلة تتحدى إرهاب المناخ الذي يضرب أماكن متفرقة حول العالم وينقذ الأرض من الاحتباس الحراري .. فالتوصل لاتفاق في حد ذاته يعتبر إنجازا عالميا لمكافحة الاحتباس الحراري الذي يزيد عاما بعد الآخر ويزيد معه احتمالات حدوث فيضانات وزلازل وبراكين وجفاف وذوبان لجليد القطبين وارتفاع منسوب المحيطات .. فينبغي على دول العالم أن تجنب العقبات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتوحد من أجل إنقاذ العالم .. فاتفاق باريس ليس نهاية المطاف بل بدايته وعلى جميع الدول التي أقرت بالنتائج أن تلتزم به وتذلل في سبيل ذلك كافة العراقيل التي من الممكن أن تقف في طريقه لأن الحفاظ على البيئة وتنوعها الأحيائي يمثل الضمان الحقيقي لاستمرار التنمية والحياة.

* * *
حروف جريئة
لا نعرف لماذا يصر البعض على إطلاق الشائعات التي تثير الجدل في المجتمع العماني مثل ما أثير حول إعلان وزارة التربية والتعليم عن حاجتها لعدد من التخصصات التدريسية وهو ما نفته الوزارة التي أكدت أنها استوفت كافة احتياجاتها من التخصصات التربوية قبل بداية العام الدراسي .. متى يكف مطلقو الشائعات عن إثارة البلبلة في المجتمع ؟.. يجب أن تتبعهم الحكومة وتعاقبهم على نشر هذه الأكاذيب.

* * *
مسك الختام
قال تعالى : "وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوانٌ من الله أكبر ذلك الفوز العظيم".