الشبكات الاجتماعية والأمن القومي

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٠٧/نوفمبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٥ ص
الشبكات الاجتماعية والأمن القومي

أ.د. حسني نصر

تواجه شبكات التواصل الاجتماعي ضغوطا كبيرة تصل إلى حد الحجب والتعطيل في دول عديدة من العالم التي أصبحت تتعامل مع مستخدمي هذه الشبكات كما تتعامل مع الصحفيين وتحاسبهم على ما ينشرونه من معلومات وآراء عليها. وفي الأسبوع الفائت قامت الحكومة التركية بحجب مواقع هذه الشبكات لمنع تبادل المعلومات والآراء حول اعتقال عدد من السياسيين المنتمين لحزيب الشعوب الديمقراطي.
هذه ليست المرة الأولي بالطبع التي تفرض فيها الحكومة التركية حظرا على مواقع التواصل الاجتماعي، وربما لن تكون الأخيرة، خاصة في ظل استمرار حالة الطوارئ المعلنة في البلاد منذ الانقلاب العسكري الفاشل الذي شهدته تركيا في منتصف يوليو الفائت، وهي الحالة التي تتيح للرئيس رجب طيب اردوغان وحكومته تجاوز البرلمان وإصدار قرارات لها قوة القانون، وتعليق بعض الحقوق والحريات.
صباح الجمعة الفائتة استيقظ الأتراك من نومهم ليجدوا أن مواقع التواصل الاجتماعي الشهيرة مثل تويتر فيسبوك ويوتيوب وانستغرام بالإضافة إلى سكايبي وواتساب قد توقفت عن العمل، بعد أن أمرت الحكومة الشركات المزودة بخدمات الإنترنت باستخدام تقنية التباطؤ التي تقوم على فكرة إبطاء عمل المواقع حتى تتوقف صفحاتها عن التحميل على أجهزة المستخدمين تماما. في كل مرة كان يتم فيها حجب شبكات التواصل في تركيا كان السبب المعلن دائما هو الحفاظ علي الأمن القومي. هذه المرة يأتي الحجب على خلفية اعتقال السلطات التركية صلاح الدين ديمرتاش رئيس حزب "الشعوب الديموقراطي" الجناح السياسي لحزب "العمال الكردستاني" و10 نواب آخرين في الحزب، بعد رفضهم التوجه للإدلاء بإفاداتهم في إطار التحقيقات بالدعاوى المرفوعة ضدهم في أحداث أكتوبر العام 2014 عندما خرج أنصاره إلى الشوارع في 35 ولاية، وهو ما أسفر عن مقتل شرطيين و31 مدنياً. في نفس الأسبوع كانت الحكومة قد أوقفت من خلال نفس تقنية التباطؤ التي أصبحت إحدى أبرز تقنيات حجب الإنترنت الفعالة خدمة الإنترنت بالكامل في جنوب شرق البلاد.
تاريخ تركيا وتحديدا حكومة الرئيس اردوغان مع حجب شبكات التواصل يعود إلى مارس من العام قبل الفائت، عندما تم حجب موقعي تويتر ويوتيوب، بعد أن استخدمهما بعض المعارضين لنشر تسريبات صوتية تزعم تورط اردوغان، الذي كان يشغل منصب رئيس الحكومة وقتها، وأفراد من أسرته والدائرة القريبة منه في فضيحة فساد. وإثر هذا الحادث اقر البرلمان التركي قانونا يمنح الحكومة الحق في وضع قيود على شبكة الإنترنت بما في ذلك حجب مواقع اليكترونية دون الحصول على تفويض قضائي مسبق. وفي أبريل من العام الماضي (2015)، كررت الحكومة فعلتها، وحجبت 166 موقعا اليكترونيا من بينها مواقع شبكات التواصل الاجتماعي الشهيرة بعد أن قامت بنشر صورا لقاضي يدعي محمد سليم كيراز كان يعمل مدعيا عاما قتل علي أيدي ناشطان يساريان بعد احتجازه كرهينة في قصر العدل بإسطنبول.
وحتى نكون منصفين فإن تركيا ليست الدولة الوحيدة في العالم التي اعتادت على حجب مواقع شبكات التواصل الاجتماعي، بل أنها تأتي في مرتبة متأخرة في قائمة الدول التي يتم وصفها في التقارير الدولية المعنية بحرية التعبير بأعداء الإنترنت، والتي دأبت على حجب هذه المواقع، بل وحجب الإنترنت بوجه عام. وتتصدر الصين هذه القائمة، إذ تحجب فيسبوك وتوتير ويوتيوب منذ العام 2009 وحتى الآن، وتوفر لمواطنيها منصات بديلة لهذه الشبكات، مثل موقع مشاركة الفيديو "يوكو" كبديل عن يوتيوب، وموقع التغريد القصير "يبو" كبديل عن تويتر. وتشمل القائمة دولا عديدة مثل إيران وكوريا الشمالية وبنجلاديش وأفغانستان وباكستان وإرتريا وطاجيكستان وسوريا وتايلاند والعديد من الدول الأفريقية والآسيوية. وتشير التوقعات في هذا الجانب إلى زيادة توجه الحكومات في دول عديدة من العالم إلى فرض رقابة على الإنترنت وتحديدا شبكات التواصل الاجتماعي بعد أن ثبت دورها في تأجيج الصراعات الداخلية وتكوين الحركات الاحتجاجية، وتهديد السلم الوطني في أكثر من مكان.
والواقع أن رؤساء الدول والحكومات في جميع دول العالم تقريبا ما زالوا يحتفظون بالحق في إصدار قرارات إدارية تتعلق بحجب المعلومات وعدم السماح بنشرها أو إذاعتها إذا كانت تتميز بالحساسية القومية- من وجهة نظرهم. ويذكر التاريخ أن الرئيس جورج واشنطن أول رئيس أمريكي كان أول من يستخدم هذا الحق. ففي عام 1792 عندما طلب خصومه في الكونجرس الاطلاع على الوثائق المتصلة بالحملة العسكرية التي قادتها الحكومة في الولايات الشمالية الغربية، كان رده «إن المصلحة القومية تقتضي عدم السماح بالاطلاع على هذه الوثائق». وقد حاول الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون أثناء فضيحة ووتر جيت استخدام هذا الامتياز لمنع الاطلاع على نصوص أشرطة الكاسيت التي تسجل الفضيحة على أساس أنها تحوي محادثات سرية مع مستشاريه، ولكن المحكمة العليا حكمت بأن هذه الأشرطة لا تحوي معلومات تهدد الأمن القومي، وبالتالي فلا معنى لقرار الرئيس منعها من التداول. وأكدت المحكمة أن امتياز حظر النشر الذي منحه الدستور للرئيس ليس مطلقا وان من حق الجماهير أن تطلع على جميع المعلومات المتاحة بما فيها تلك المعلومات التي يريد الرئيس حجبها.
وفي دول أخرى عديدة يحدد الدستور والقانون نوعية المعلومات التي من حق رئيس الجمهورية أو من ينيبه حجبها، مثل ميزانية الجيش واتفاقيات التسليح. ومع هذا فإن الممارسة الفعلية تؤكد أن هذا الحق يتسع في كثير من الحالات ليشمل نوعيات مختلفة من المعلومات تتصل بالأداء الحكومي والثروات الشخصية لبعض الأفراد وما يضر بعلاقة الدولة ببعض الدول الصديقة، وأحداث العنف وغيرها. وفي بعض الحالات ينقل رئيس الجمهورية او رئيس الحكومة هذا الحق إلى الهيئة القضائية التي تتولى إصدار قرارات حظر النشر سواء في القضايا الحساسة أو القضايا المنظورة أمام القضاء.
خلاصة القول إن حالات حجب شبكات التواصل الاجتماعي يجب أن تقنن، وان تقتصر على الأحداث التي تشكل تهديدا فعليا للأمن القومي، حتى لا يصبح الحجب هو الممارسة العالمية السائدة.

اكاديمي في جامعة السلطان قابوس