الدولار.. وتعويم العملات المفترى عليها

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٠٧/نوفمبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٥ ص
الدولار.. وتعويم العملات المفترى عليها

محمد محمود عثمان

تعويم العملات إجراء تتخذه بعض الدول لمواجهة مشاكل أسعار الصرف وعدم القدرة على التحكم في أسعار العملات الأجنبية وأهمها الدولار، الذي يمتص رحيق العملات الأخرى المفترى عليها، وهى عملية لها تبعاتها الإيجابية والسلبية على الاقتصاديات في ذات الوقت، وهذا ما يحدث في عملية تحرير سعر الجنيه المصري في مواجهة العملات الأخرى وخاصة الدولار على المديين القصير والبعيد، في مسيرة إصلاح مناخ الاستثمار، لأن تحرير أسعار الصرف تستهدف استعادة تداول النقد الأجنبي داخل القطاع المصرفي وبالتالي إنهاء حالة الاضطراب في أسواق العملة بما يعكس قوى العرض والطلب الحقيقية وفق آليات السوق استهدافاً لاستقرار أسعار الصرف ومن ثم استقرار الأسواق، بعد اتخاذ عدة قرارات غير مسبوقة تعالج القصور في قانون الاستثمار وتقضي على السوق الموازية (السوق السوداء لتجارة العملة) باعتبار أن تحرير أسعار الصرف تعطي مرونة للبنوك لتسعير شراء وبيع النقد الأجنبي، مع السماح بتحركه في هامش بنسبة 10 % ارتفاعًا وانخفاضا، ثم استعادة تداوله داخل القنوات الشرعية وإنهاء السوق الموازية للنقد الأجنبي، اتساقا مع المنظومة الإصلاحية التي تتضمن برنامج الإصلاحات الهيكلية للمالية العامة للحكومة على أمل أن تنجح حزمة الإصلاحات النقدية والمالية المتكاملة في تمكن الاقتصاد المصري من الخروج من عنق الزجاجة ومواجهة التحديات القائمة وإطلاق قدراته وتحقيق معدلات النمو والتشغيل المنشودة، بما يتناسب مع إمكانيات وموارد مصر البشرية والطبيعية والمادية،
وبما يتواكب مع متطلبات وشروط صندوق النقد الدولي التي حددها لمنح القروض، وتوقعات بزيادة الصادرات ومعدلات الطلب على المنتج المصري دوليا بعد خفض قيمة الجنيه أمام الدولار إلى جانب جذب الاستثمار الأجنبي مع العلم بأن ذلك مشروطا باستقرار الأوضاع السياسية والأمنية، وقد قامت الصين بخفض عملتها المحلية، إلا أنني أشك كثيرا في صدق نوايا هذا الصندوق الذي تتحكم فيه أمريكا ودول الغرب، لذلك فإن الصبر مطلوب على هذه الإجراءات وعلى هذا الصندوق، وإن كان ذلك من منظور عاطفي، لأن صندوق النقد يشترط شروطا كثيرة على الحكومة ومنها "عجين الفلاحة" كما تقول بعض الأمثلة الشعبية، من أجل التصديق على القرض الموعود، هذا إذا صدق الصندوق في وعوده ومنح القرض بسرعة قبل أن تتفاقم الأزمة في مصر أكثر من ذلك، وتحسبا من أن يزيد الاحتقان في الشارع، لأن الإصلاحات لم تشمل فرص وظائف جديدة أوخطوط إنتاج وتصدير جديدة أو تشغيل المصانع المتوقفة أو خطة استثمارات محددة أو تنشيط السياحة وتحفيز تحويلات العاملين بالخارج أو خطة تنشيط عائدات قناة السويس، خاصة أن التوقيت لهذه الإجراءات وطريقة إعلانها غريبة ومريبة في نفس الوقت، ولم تتم بالتدريج حتى لا تخسر مصر 50 % من قيمة الأموال والمدخرات والأصول المقومة بالجنيه المصري في لحظة واحدة، وكذلك فإن رفع سقف الدولار الجمركي من 8.88 إلى 13 جنيهًا، ما يعني ارتفاع قيمة الجمارك المدفوعة بنسبة تتراوح ما بين 48 إلى 50 % عن السابق، وأن تتضاعف المديونية الخارجية التي تقدره بـ 55 بليون دولار والتي كانت تعادل 48905 بلايين جنيه مصري على أساس سعر الدولار 8.9 جنيه، ثم تضاعفت -في عشية وضحاها- إلى ما قيمته 742.5 بليون جنيه مصري على أساس أن سعر الدولار 13.5 جنيه، كما أن عبء الديون الخارجية زاد بمقدار 253 بليون جنيه بين ليلة وضحاها، وحتى لا تتضاعف أرباح أصحاب الدولار، بعد أن ارتفعت قيمة الدولار -في عشية وضحاها - إلى 15 أو 16 جنيه هذه هي المشكلة والأمر المفزع حقيقة، وكأننا نقتطع من الفقراء لصالح الأغنياء، هذا بخلاف الزيادة في أسعار السلع التي يتم شراؤها بالدولار، وضريبة القيمة المضافة، بالإضافة إلى نسبة التضخم التي تفقد الجنيه بعد كل ذلك نحو 16 % من قيمته، وأيضا زيادة أسعار المحروقات بعد رفع الدعم عنها، وتداعياتها على جميع الأسعار والخدمات في الفترة المقبلة، ولا ننسى أنه قد تم تخفيض قيمة الجنيه في مارس الفائت بنسبة 14 %، بالإضافة إلا أن البنك المركزي المصري سيفقد كثيرا السيطرة على أسعار الصرف مما يزيد المخاطر من زيادات أخرى في أسعار الصرف لصالح الدولار وعلى حساب العملة الوطنية المفترى عليها.

.