فيلم "سالمه"!!

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٠٦/نوفمبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٠ ص
فيلم "سالمه"!!

محمد سيف الرحبي

أتخيّل، كالحلم، وجود فيلم عماني بمستوى احترافي عنوانه "سالمه"، يطوف المهرجانات الدولية، ويعرض في دور السينما العربية والعالمية، وراءه جهد كبير يليق بما نريده من هذا الاسم، بما يعنيه من تاريخ وتمرد والتقاء حضارات.
هو الحكاية الرومانسية حيث تترك الأميرة قصر والدها سلطان الإمبراطورية، السيد سعيد بن سلطان، بعد وفاته، تتبع قلبها في رحلة حب مثيرة تعبر البحار والمحيطات لتصل إلى ألمانيا، رحلة من الإثارة الحكائية ما تصلح لمادة درامية هائلة المعنى..
.. وهو رحلة التاريخ العماني العابر للمياه، حيث الشرق الإفريقي إطلالات مجد كتبه أبناء بلادنا، وهم يرتحلون مغامرين وتجارا، في إمبراطورية تمتد من حدود الماء العربي إلى مشارف الماء في القارة السمراء، فعرفتهم زنجبار وكينيا وبروندي والكونجو، وغيرها من البلاد التي ما زالت متأثرة بهذا الحضور العماني حتى اليوم.
.. وهو رحلة التقاء حضارات، حينما رست السفينة المقلة للسيدة سالمه بنت السيد سعيد بن سلطان على ضفاف الشمال الألماني برفقة زوجها، ابنة الحضارة الممتزجة بملح الساحل الزنجباري واللبان العماني، حضارتين عربية وافريقية التقيا في نتاج متداخل، كون البلاد واحدة، عمان وزنجبار، مع "شريان" يمتد إلى الشركس كون أن أم السيدة سالمة شركسية.
فيلم يروي حكاية شرقية تتداخل في العمق الأوروبي لتفتح مسامات القدرة على الحياة في عالم مختلف، الظروف التي تواجه البطلة، منذ الانقسامات بين أخوتها على ميراث والدهم الإمبراطوري في زنجبار، ماجد "شقيقها" وبرغش "أخاها"، وصولا إلى تلك الغربة الدامية التي واجهت فيها الصعاب، مع العادات والتقاليد في شمال ألمانيا، ثم بعد وفاة زوجها في حادث دهس بالقطار.
كتبت قبل سنوات عن هذه الفكرة حينما أطلعت على كتاب "مذكرات أميرة عربية" وعودتي إليها أكثر من مرة، لإنجاز روايتي السيد مرّ من هنا، لكن بعد قراءتي لكتاب مذكرات السيدة سالمه رسائل إلى الوطن (ترجمة زاهر الهنائي) شعرت بأننا نضيع فرصا ذهبية لتقديم دراما عمانية قوية مع وجود نصوص إبداعية مثل هذه، حكايات التاريخ الأصيل، مهما اختلفنا عليه، وعلى تفاصيل شخصياته، لكننا نتحدث عن ما يزيد على قرن ونصف القرن من الأعوام، فيها من نكد الحياة كما بها الكثير والكثير من الحياة الإنسانية الرائعة، تلك التي قضتها سالمة في بيتي والدها، بيت الساحل أو المتوني، والحب الآسر الذي جعل من ربيبة القصر (تهرب) من مكابدات الصراع بين الأخوة على ظهر سفينة برفقة الطبيب الألماني، متتبعة قلبها، لكن الحنين إلى الوطن موجع، كما تكتبه فيما يعد الجزء الثاني من مذكراتها.
هي رحلة البحث عن وطن، فيلم مفتوح على دموع وغصّات عاشتها الأميرة العمانية العربية، الزنجبارية الإفريقية، فيلم أسطوري يروي واحدة من كلاسيكيات الشرق، شرق السحر والبهارات والغابات الاستوائية وقصور السلاطين.
متى نفتح كنوز التاريخ العماني أمام الفنون المعاصرة، ومتى نفتح خزائن التمويل لهكذا درر فنية، نضعها في أيدي من يفهم لغة الفن السابع، ولا نضعه في معصرة أولئك الذين أخرجوا مسلسل "عمان في التاريخ" والذي كان يمكنه أن يكون تحفة درامية رائعة الجمال والمعنى، لو أنه ترك في يدي "مصطفى العقاد" رحمه الله على سبيل المثال!