عمان حبل نجاة لو انصرف إليه العرب

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٠٢/نوفمبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٥ ص
عمان حبل نجاة لو انصرف إليه العرب

فريد أحمد حسن

لولا أن وكالة عالمية للأنباء مثل رويترز أوردت الخبر لما كلفت وزارة الخارجية العمانية نفسها وأصدرت ردا يكذبه ، فقد تعودت عمان على عدم الرد على الكلام الناقص فاقد القيمة وكل ما يرمي إلى الفتنة وتأليب الأخ على أخيه والجار على جاره خصوصا في مثل هذا الظرف غير العادي الذي تمر به المنطقة وتتم فيه صياغتها من جديد ، فما يجري وبإيقاع سريع لا يراد منه الخير للمنطقة ويهدد العلاقات بين الجيران .
في ردها الحاسم قالت وزارة الخارجية بإيجاز وبلغة هادئة رصينة "إن الخبر الذي نشرته وكالة رويترز للأنباء حول تهريب أسلحة إلى الجمهورية اليمنية عبر الأراضي العمانية لا أساس له من الصحة ، وليس هناك أية أسلحة تمرعبر أراضي السلطنة" . وزيادة في التوضيح قالت "إن مثل هذه المسائل قد تمت مناقشتها مع عدد من دول التحالف العربي والولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وتم تفنيدها والتأكد من عدم صحتها" وأضافت "أن السواحل اليمنية القريبة من السواحل العمانية لا تقع تحت نطاق أي سلطة حكومية في الجمهورية اليمنية ، لذا فإنها متاحة لاستخدام تجار السلاح" الذين من مصلحتهم طبعا الإفلات من كل عقوبة ويفرحون بإلباس القضية لمن لا علاقة له بها ليكون الضحية .
ولأن الخبر غير قابل للتصديق من الأساس لذا لم يلتفت إليه العمانيون الذين يعرفون جيدا توجهات السلطنة وأخلاق قائدها بينما اكتفت وزارة الخارجية بذلك الرد ، أما الذين يعرفون عمان وسياستها من غير العمانيين فعبروا عن دهشتهم واستغرابهم من مثل هذا الاتهام الذي يتم توجيهه لدولة يشهد العالم كله أنها تقف على الحياد دائما ولا تنحاز إلى أي طرف ويرى كيف أنها تسعى بكل ما تستطيع إلى رأب الصدع وحل الخلافات بين المتخاصمين ، وتتحمل في سبيل ذلك ما تتحمل .
في هذا السياق كتب يحيي أبو زكريا (مقدم البرامج بفضائية الميادين) تغريدة قال فيها "سلطنة عمان أرفع وأحكم و أعقل من أن تهرّب سلاحا إلى اليمنيين , سلطنة عمان تعمل على إطفاء النيران التي أشعلتموها وليس عملها إشعال الحروب" ، بينما كتب آخر "العالم العربي يعيش في نفق مظلم ، صراعات حروب تراشقات ودول تتدخل في شؤونه ، غير أن هناك ضوءا وشعاعا وحبل نجاة لو انصرف إليه العرب ، إنه عمان" .
كل من كتب مدافعا عن عمان كتب بحرقة وبغيرة ، انتصارا للحق والخير ، وتأكيدا عن القناعة بأن الواقع يكذب مثل هذه الأقوال ، إذ لا يمكن لدولة تعمل ليل نهار على إطفاء النيران في اليمن وفي غيرها من الدول العربية على وجه الخصوص أن تتورط في مثل ذلك الفعل أيا كانت الأسباب وإلا تكون قد أوقعت نفسها في تناقض يقلل من شأنها ومن ثقة العالم فيها ويخسرها الكثير مما سعت على مدى السنين الطويلة لكسبه . الجميل في الأمر هو أن دول التحالف العربي والسعودية على وجه الخصوص لم تصدق مثل تلك الادعاءات بل لم تلتفت إليها ، فهي تعلم جيدا أن مثل هذا الأمر غير قابل للحدوث ، وهو ما عبر عنه أيضا المغردون السعوديون والخليجيون الذين تمحورت تغريداتهم في أن الاتهام مضحك ولا يمكن لعمان أن تقوم بهذا الفعل أبدا .
ولكن ، ما الذي يجعل البعض يسوق مثل تلك الاتهامات لعمان التي تمتاز بمواقفها الواضحة وببذل كل ما تستطيع لإنهاء الحرب في اليمن وتحرير المنطقة من كل الآلام التي صارت تعاني منها ؟ ألهذا الحد يخشى المستفيدون من الحرب في اليمن من وصول المتحاربين فيها إلى تفاهم ومصالحة ؟ أم أن المراد هو زج السلطنة في الحرب وإدخالها ضمن قائمة الدول التي يمكن أن تشهد تغييرا يصب في صالح "الشرق الأوسط الجديد" ؟
مثل هذه الأسئلة مهمة وينبغي أن تعطى ما تستحقه من اهتمام ، فمن حاول مرة الإساءة إلى وسيط الخير سيحاول ثانية وعاشرة ولن يتوقف حتى يتحقق له ولو بعض مراده ، ومثل هذه الأسئلة ينبغي أن يتوفر لها من المعلومات ما يعين على الوصول إلى من يقف وراء مثل ذلك الخبر المسيء .
إن سلطنة تؤكد في كل محفل وبشكل عملي أنها مع الخير دائما ولا يمكن أن تكون مع الشر ولو للحظة ، وإن سلطنة يرى العالم كله ما تبذله من جهد لإنهاء الحرب الدائرة في اليمن والتي يتضرر منها كل العرب لا يمكن أن تتورط في مثل هذا الفعل ، وإن سلطنة تحترم دائما كل الشعارات التي ترفعها لا يمكن أن تجرحها حتى لو تبينت أن مصلحتها في ذلك أكبر من مصلحتها وهي تلعب دور وسيط الخير ، وإن سلطنة قائدها صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم لا يمكن إلا أن تحرص على توفير رسائل المحبة إلى الجميع وعمل الخيرات ، وإلا فإن التورط في أفعال الشر مسألة في غاية السهولة بدليل تورط الكثيرين فيها .
كل العالم صار يعرف عمان ويعرف صدقها وصدق توجهاتها وسلوكياتها الحسنة ، ومن يعرف عمان لا يمكن أن يصدق مثل تلك الترهات ، ولو كانت لعمان مصلحة في الحرب الدائرة في اليمن أو في العراق أو سوريا أو ليبيا أو غيرها وكانت لا تحترم الشعارات التي ترفعها لما احتاجت أن تظهر نفسها بوجه آخر ، فالعالم يرى ويسمع ويدرك ولا يمكن أن يتم الضحك على ذقنه بشكل مستمر .

· كاتب بحريني