جنازة "البنتلي"

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٣٠/أكتوبر/٢٠١٦ ٢٣:٣١ م
جنازة "البنتلي"

لميس ضيف

أثار الملياردير البرازيلي "شيكينيو سكاربا" ضجة إعلامية كبيرة عندما أعلن أنه قرر دفن سيارته "البنتلي" الفاخرة معه في القبر ليستخدمها في الحياة الأخرى!
الملياردير الستيني، أكد على أنه استلهم فكرته تلك من الحضارة الفرعونية التي كان فراعنتها يعدون العدة لموتهم مبكرا بدفن ممتلكاتهم الثمينة معهم، وحدد يوم 20 أيلول كتاريخ لدفن السيارة التي تتجاوز قيمتها المليون دولار. بإعلانه ذاك، أثار سكاربا غضب الكثيرين في بلد تعاني من الفقر ومشكلات اقتصادية خانقة.
أليس هناك من هو أولى بالسيارة وقيمتها؟
لماذا لا يتبرع بها للفقراء والمعوزين! أي أنانية هذه وأي جنون!
كتبت الصحف والمواقع مقرعةً هذا الملياردير على سفاهته ولا مبالاته.
في 20 أيلول، اليوم الذي كان من المزمع أن تُدفن السيارة فيه، احتشدت عدسات المصورين لنقل الحدث الذي أثار كل هذا الجدل والضجيج. ثم حدثت مفاجأة لم تكن بالحسبان، فبعد ان أنزلت السيارة للقبر وقبل طمرها بالتراب أمر سكاربا بسحبها ما أثار دهشة الجميع، ثم حمل الميكرفون مخاطبا الصحفيين "لقد حصلت على كامل اهتمامكم فأسمعوني الآن.. لقد نقمتم علي لأني أردت دفن سيارتي معي لوجود من يحتاجها أكثر مني بعد الموت في الوقت الذي تدفنون فيه اعضائكم ولا تتبرعون بها لمن هو أحوج منكم – بعد الموت – بها".
ونشر صورته مع لوحة إعلانية كتب عليها "من المؤسف دفن شيء أكبر قيمة من سيارة البنتلي: أعضاءكم البشرية، أنا متبرع فماذا عنك".
كانت تلك وسيلة الملياردير العبقرية ليلفت الانتباه لمشكلة تقاعس الأفراد عن التبرع بأعضائهم. تلك الأعضاء التي ينتظرها أشخاص عدة ليخرجوا من شرنقة المعاناة مع المرض ويعودوا لحياتهم الطبيعية. لقد عرى سكاربا بذكائه نفاق الناس: لقد سخروا منه ولاموه وهم يفعلون الشيء ذاته.
في السنوات العشرين الأخيرة ازدهرت بشكل حقيقي تجارة الأعضاء البشرية، ففي ظل قلة المتبرعين يجد المريض الثري نفسه مدفوعا لإنهاء معاناته بشراء أعضاء الفقراء، وقد تابعت وثائقيا يُدمي القلب، كشف فيه فقراء قرية في الفلبين عن ندب في بطونهم، تكونت بعد أن باعوا كلاهم عن طريق سماسرة لمشترين في الدول الغنية والدول الأوروبية، ثمن الكلية في تلك السوق البشعة هو 7000 دولار، يحصل صاحب الكلية منها على مبلغ لا يتجاوز الـ800 دولار، وأذكر كيف أن امرأة كشفت بطن طفلها واعترفت للعدسات بأنها باعت كليته، وجرت دموعها وهي تقول بأنها تتألم، ولكنها لم تكن تملك خياراً، فأما الموت جوعاً وبرداً، أو بيع أعضاء أفراد عائلتها فرداً فرداً! أضف لذلك وجود عصابات متخصصة ببيع الأعضاء، تخطف الأطفال لهذا الغرض بالذات!
حياة قاسية وتفاصيل موجعة للنفوس السوية، ولتخفيف وضع قميء كهذا لوقف تجارة ملعونة كتلك، علينا أن نعزز ثقافة التبرع بالأعضاء، آلاف بيننا يحتاجون لقرنية، لكبد، لكلى، لقلب، ونأمل أن يأتي اليوم الذي تكتب فيه في البطاقات الشخصية عبارة "متبرع بالأعضاء" كما هو حاصل في الدول المتقدمة، لتسهيل هذه المهمة على المستشفيات. فالتبرع بالأعضاء وسام شرف، يقول: أنك تهتم بغيرك، وتأمل أن تساعدهم بكل وسيلة.