العرب وصناعة الإعلام الدولي!

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٣١/أكتوبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٥ ص
العرب وصناعة الإعلام الدولي!

أ.د. حسني نصر

في ظل الاهتمام المتزايد بتنويع مصادر الدخل، والجهود المتصلة بجذب الاستثمارات الأجنبية في إطار التعامل مع أزمة انخفاض أسعار النفط في الدول العربية، أصبح من الضرورى أن نطرح السؤال الصعب الذى لم يسبق طرحه، وهو: لماذا لا يستثمر العرب في الإعلام الدولي العابر للحدود؟ ولماذا لا نفتح أبوابنا للاستثمارات الإعلامية الدولية، خاصة بعد أن أصبح العالم بالفعل قرية كونية صغيرة ذابت فيها الحدود الجغرافية بفعل ثورتي الاتصال والمعلومات.
يكتسب هذا السؤال شرعيته من اعتبارات كثيرة لعل أهمها أن الإعلام الدولي أصبح يمثل بالفعل قوة ناعمة شديدة الاهمية وعالية التأثير في مجريات الاحداث العالمية، بل انه أصبح شريكا اساسيا للقوى العظمي والمنظمات الأممية في ادارة العالم، بالاضافة إلى شكوانا المستمرة كعرب ومسلمين من الصور السلبية التي تبثها وسائل الإعلام الدولية عنا، وهو الامر الذي لا يمكن تغييره الا بامتلاك وسائل إعلام دولية نخاطب من خلالها العالم بلغاته المختلفة ونصحح بها صورتنا أمام أنفسنا وأمام الآخرين.
في الوقت الراهن، لم تعد قضية تأثير مؤسسات الإعلام، قضية هامشية لصناع القرار، والباحثين، والمستثمرين. حيث تعتمد كل الدول الغنية والمتقدمة في صحة اقتصادها وعافيته ونجاح استثماراته في الدول الأخرى على نجاح مؤسسات الإعلام. وإذا كان نجاح الاقتصاد وعافيته في العقود الفائتة اعتمد على مؤسسات تعنى بالزراعة والنقل والفضاء، والتي قدمت مساهمات حقيقية في توفير العديد من فرص العمل والثراء، فإن مؤسسات الإعلام هي من يقدم اليوم المساهمة الأكبر والأهم في الاقتصاد العالمي. ويمثل نجاح الصناعات الإعلامية، على المستوى المحلي كما على المستوى الدولي، العنصر الأساسي لنجاح التجارة الدولية. ومن هنا تمكنت الدول التي ترعى أو تحتضن مؤسسات إعلام دولية ناجحة من الاعتماد على استمرار نجاح هذه المؤسسات لتحافظ على مستويات وفرص عمل محلية عالية، إلى جانب حفظ توازن علاقاتها التجارية في اتجاه مناسب لها، وبما يخدم مصالحها.
لقد أصبحت الصناعات الإعلامية هماً أساسياً لصناع القرار على المستوى الوطني والدولي على حد سواء، كما أن هذه الصناعات تمثل عنصراً محورياً للمؤسسات الكبيرة في أمريكا الشمالية وأوربا وأسيا. وفي الوقت الذي تتزايد فيه الاستثمارات لزيادة ورفع أسهم أسواق المال، مع حضور تكنولوجي معقد وعروض إعلانية مكثفة، تضخمت بعض الأسواق الجديدة بالعديد من أسهم وسائل الإعلام التي يملكها العديد من الأجانب. ويتنافس في الوقت الراهن أيضاً العديد من مالكي حصص وأسهم شركات وسائل الإعلام بعنف وقوة بعضهم مع بعض في دول وأسواق بعيدة عن بلدانهم وثقافاتهم. وقد أسست شركات الإعلام العالمية العديد من الشركات الجديدة في دول اخرى بعيدة جغرافيا عنها بهدف زيادة أسهم السوق. وبغض النظر عن الأسلوب الذي تتبعه الشركات العالمية سواء ببناء قاعات متعددة متطورة للسينما أو توفير فرص أكبر للدخول إلى الإنترنت، إلا أنها تمكنت من تحويل تلك الدول إلى ساحات معارك تجارية للأغنياء من مالكي حصص وسائل الإعلام.
لا يمكن القول إن وسائل الإعلام الدولية تعمل في فراغ، بل أن عملها مرتبط ببيئة تسهم فيها بعض العناصر الأساسية في صياغة القرارات المهمة. هذه العناصر وحدها من يضمن تحويل أحداث معينة لأخبار ومواد صحفية تتلقى التغطية المناسبة من وسائل الإعلام، كما تضمن في المقابل تجاهل غيرها من الأحداث لتصبح خارج دائرة الاهتمام. وهناك عنصران أساسيان يحددان بشكل عام الأحداث التي يمكن تحويلها إلى أخباراً أم لا، هما: حارس البوابة و الأسباب التاريخية. ومن أمثلة أدوار حارس البوابة ما تقوم به وكالات الأنباء الدولية في اتخاذ قرارات بث بعض الأخبار، والأخبار السلبية، والانقلابات والهزات الأرضية، تلبية لمصالح مالكيها والدول التي تقف خلفها. وقد شاهدنا في الاسابيع الاخيرة كيف خرجت وكالة رويترز عن خطها الموضوعي ومعاييرها الاخلاقية وروجت اعتمادا على مصادر مجهلة شائعة تمرير الأسلحة من إيران إلى الحوثيين في اليمن عبر سلطنة عمان، رغم عدم وجود أدلة على ذلك، ورغم عدم إثارة الموضوع من قريب أو بعيد من جانب دول التحالف العربي التي تخوض حربا ضد الحوثيين في اليمن. أما الأسباب التاريخية فتتمثل في الروابط والمصالح الاقتصادية أو العلاقات الثقافية بين الدول. وتبحث مؤسسات الأخبار في الدول النامية عن عناوين الصحف ونشرات الأخبار في الدول المتقدمة في حال وقوع هزات أرضية، أو انقلابات أو حروب أهلية حتى داخل هذه الدول. وإذا لم تهتم مؤسسات الأخبار العالمية بأحداث هذه الدول، فإنها ستفقد بمرور الزمن اهتمام وسائل الإعلام بها.
علينا أن ندرك أن الأنشطة والبرامج الإعلامية والإعلانية والإلكترونية العابرة للحدود قد أزالت عمليا فكرة الحدود الوطنية، كما قضت تلك الأنشطة على بعض السياسات القديمة والبالية التي ما زلنا نتبعها في التعامل مع الإعلام كصناعة من الصناعات الثقافية الثقيلة. لقد أصبحت سياسات الإعلام الوطني والحدود السياسية من قضايا الماضي، عندما تمكنت الشركات الإعلامية الأمريكية من نقل معلوماتها ومنتجاتها إلى العالم، وعندما تمكنت مؤسسات أجنبية من بيع منتجاتها الثقافية داخل السوق الأمريكية. لقد أصبحت المؤسسات الإعلامية والإعلانية تبحث عن أسواق في أي مكان تتوفر فيه قواعد استهلاكية أو أي فرصة مناسبة للربح والفائدة. وتمكنت الشركات الإعلامية العالمية إلى جانب الشركات الإعلانية العالمية من توسيع السوق وتحقيق المزيد من الاندماجات الاقتصادية مع الشركات الأجنبية. من المهم في ظل الحصار الإعلامي الدولي الذى نواجهه أن نفكر جديا في دخول عالم صناعة الإعلام الدولي، مستفيدين من القدرات المالية التي مازالت تسمح لنا بالاستثمار في هذه الصناعة المربحة من جانب والقادرة على الدفاع عن قضايانا العادلة وهويتنا من جانب أخر.

أكاديمي في جامعة السلطان قابوس