واشنطن – عواصم –
المدنيون وحدهم من يدفع ثمن الحروب، والأطفال يكونون دائماً الحلقة الأضعف في دوامة الصراعات. أطفال سوريا يقتلهم الجوع والحصار ومن لم يمت منهم جراء ويلاته مات قتلاً بالقذائف أو حرقاً بالبراميل المتفجرة... فقد اتهمت الولايات المتحدة الجمعة النظام السوري باستخدام «التجويع سلاحاً في الحرب»، وهو ما يعتبر جريمة حرب بموجب اتفاقيات جنيف.
ورفض مسؤول أمريكي كبير في حديث لوكالة «فرانس برس» ما أكده الكرملين حول توقف القصف على حلب، وقال إن «النظام (السوري) رفض مطالب الأمم المتحدة بإرسال مساعدات إنسانية إلى حلب، مستخدماً التجويع سلاحاً في الحرب». ومنذ أشهر يعيش ربع سكان مدينة حلب في شمال غرب سوريا، والتي تضم مليون نسمة، تحت حصار وقصف مستمر من جانب النظام السوري وبدعم من روسيا. وتدرس واشنطن فرض عقوبات إضافية على نظام الرئيس بشار الأسد وإحالة القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. ويأمل المسؤولون في أن يدفع تهميش روسيا على الساحة الدولية، إلى الضغط على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الملف السوري.
الأطفال هم الضحايا
قدرت مصادر أممية وجود نحو أربعمئة ألف مدني سوري محاصر، خاصة في ريف دمشق حيث يدفع الأطفال الضريبة الأقسى. ومن قبل وصفت ممثلة اليونيسيف في سوريا ما شاهدته في مضايا بأنه «منظر يوجع القلب. منظر لم أشهد مثله من قبل». قضى الطفل الرضيع يوسف سعدية - الذي لم يبلغ من العمر ثلاثة أشهر - أمام أعين ذويه في مدينة معضمية الشام غرب العاصمة السورية دمشق بسبب سوء التغذية، لينضم إلى عشرات الأطفال الذين خطفهم الموت جوعاً في مناطق عدة تحاصرها قوات النظام والمليشيات الطائفية. وذكر الناشط الإعلامي داني قباني أن خمسة رُضّع في المدينة المحاصرة قضوا بسبب نقص الغذاء والدواء خلال الشهر الجاري، مشيراً إلى أن حال الأطفال في المدينة «مأساوي»، لكونهم الأقل مقاومة للظروف الصعبة.
تجويع ممنهج
في يناير الفائت قالت مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية كيونغ وا كانغ «للأسف أصبح استخدام الحصار والتجويع كسلاح في الحرب، أمراً روتينياً ومنهجياً في سوريا بما يخلف عواقب مدمرة على المدنيين».
من خلال حصار البلدات والقرى المدنية، تشن أطراف الصراع حرباً شرسة على النساء والرجال والأطفال العاديين بلا مبالاة قاسية لحياتهم وصحتهم ورفاههم. إن الحصار الذي يحرم الناس من الحصول على احتياجاتهم الأساسية غير قانوني وغير مقبول ويخالف الضمير».
وأكدت كانغ عدم وجود أي منطق أو تفسير أو عذر لمنع وصول المساعدات إلى المحتاجين، وقالت إن تلك الممارسات تعد انتهاكاً جسيماً للقانون الدولي ويتعين أن تتوقف على الفور.
وأضافت «أن المسؤولية الرئيسية عن هذه المعاناة تقع على عاتق الطرف الذي يفرض الحصار، ولكن يشارك فيها أيضا المنخرطون في الأنشطة العسكرية داخل وحول المناطق المأهولة بالسكان، وهم بذلك يستخدمون المدنيين كدروع بشرية ويعرضونهم للخطر». وقالت كانغ إن جميع الأطراف، بما فيها الحكومة السورية التي تتحمل المسؤولية الرئيسية لحماية المدنيين، ترتكب أعمالاً مروعة محظورة وفق القانون الإنساني الدولي.
جريمة حرب
من جانبه، اعتبر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أن حصار المدن السورية بهدف تجويعها يشكل «جريمة حرب» وأفعالاً محظورة بموجب القانون الإنساني الدولي. وفي اجتماع غير رسمي عقدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في يناير الفائت حول أولويات المنظمة هذا العام، قال بان «لقد شهدنا مؤخرا صورا وقصصا مروعةً من بلدة مضايا، بعد أن تمكن أخيرا العاملون في المجال الإنساني من الدخول إلى البلدة المحاصرة منذ أكتوبر الفائت، لقد كانت البلدة ضحية تجويع متعمد». وأضاف «دعوني أكون واضحاً، استخدام الغذاء سلاحاً هو جريمة حرب»، وأضاف «أظهر المقاتلون تجاهلاً تاماً ومطلقاً لسكان مضايا، والآن لدينا 400 من هؤلاء الرجال والنساء والأطفال في حالة مزرية يرثى لها بسبب سوء التغذية، ويواجهون خطر الموت وهم يحتاجون إلى عناية طبية فورية».
محاسبة المتورطين
وكان المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة إستيفان دوغريك دعا إلى ضرورة «محاسبة المتورطين في حصار وتجويع المدنيين في سوريا، سواء من القوات الحكومية أو من جماعات المعارضة المسلحة». وأضاف المسؤول الأممي في مؤتمر صحفي بمقر المنظمة الدولية في نيويورك أن «تجويع المدنيين وفرض الحصار عليهم يعد انتهاكا واضحا للقانون الدولي، وهذا ما شاهدناه بالضبط في الصراع السوري، حيث لم يسمح أطراف النزاع بوصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين». وزاد «هناك لجنة تقصي حقائق تباشر عملها بشأن سوريا، وسوف يحاسب المتورطون في ارتكاب جرائم الحصار والتجويع التي شهدناها».
مناطق متعددة
وغير بعيد عن معضمية الشام، توفي العديد من الأطفال جراء الجوع في المأساة الإنسانية المستمرة منذ أشهر في بلدة مضايا شمال غرب دمشق، حيث ذكر مدير المشفى الميداني في المدينة عامر برهان أن 38 شخصاً قضوا جوعا في البلدة، بينهم 12 طفلاً. من جانبه، قال الطبيب في المشفى محمد يوسف إن الوضع الطبي في البلدة لا يزال سيئا رغم دخول مساعدات إنسانية، مبينا للجزيرة نت أن الأطفال يعانون من سوء الامتصاص والإسهال والمغص المعوي بعد شهور من سوء التغذية، وأن الأدوية التي وصلت تكفي شهرين على الأكثر.
وقتل آلاف الأطفال السوريين منذ بدء الثورة عام 2011، حيث وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل 18 ألفاً و858 طفلاً حتى نوفمبر الفائت، بينهم 582 قتلوا قنصاً.