هالة دروبي
أحدثت الطباعة ثلاثية الأبعاد ضجة في السنوات القليلة الماضية. وعلى قدر هذه الضجة، تعالت أصوات تطالب بمزيد من المسؤولية الاجتماعية من المجموعات والشركات التي تقود تطوير هذه التكنولوجيا. وهذه ليست المرة الأولى التي يسبب فيها التقدم العلمي أو التقدم التكنولوجي لغطًا ويطرح تساؤلات أخلاقية؛ ولطالما أثارت شبكة الإنترنت نفسها شواغل بشأن المحتوى المناسب والرقابة والشفافية وانتهاء عهد الخصوصية.
ألبرت مانيرو، المدير التنفيذي لمنظمة ليميتلس سولوشنز Limbitless Solutions غير الحكومية، هو في طليعة التطورات المتحققة في مجال الطباعة ثلاثية الأبعاد لتناول قضايا الإعاقة. فمنظمته تضع مخططات للأطراف الاصطناعية والتي يمكن مشاركتها في أي مكان في العالم، وطباعتها محليًا.
وهو ينظر إلى التكنولوجيا باعتبارها تقنية تحويلية عندما يتعلق الأمر بإيجاد حلول للإعاقات ومشاركتها مع مختلف المجتمعات، وخاصة تلك التي قد لا تملك الموارد المالية والتكنولوجية الثرية. فيقول: "أعتقد أن إمكانية استخدام هذه التكنولوجيا في تغيير حياة الأفراد المعوقين كبيرة جدًا. من زاوية أخرى، ما نحاول القيام به ليس النظر إلى الإعاقة باعتبارها مشكلة تحتاج لحلها ولكن رؤيتها كفرصة لهندسة أدوات جديدة، ولكي نكن قادرين على منحهم الأمل وزيادة فاعليتهم وتذليل الوصول إليهم، ما يزودهم بسبل أيسر للقيام بالأشياء. وأحد الأمثلة لدينا هو الكرسي المتحرك حر اليدين الذي صُمم للأفراد الذين يعانون مرض التصلب العصبي المتعدد أو التصلب الجانبي الضموري، أو إصابات الرأس الشديدة، أو الذين لا يستطيعون استخدام عصا التحكم في الكرسي المتحرك لأنهم بدون أيدي. لقد اخترعنا هذا الكرسي المتحرك حر اليدين بحيث يستخدم عضلات الوجه ويسمح بالسيطرة الكاملة على الكرسي، وذلك باستخدام نفس التكنولوجيا التي نستخدمها لروابط الأعضاء الآلية".
ويرى مانيرو أن التكنولوجيا تحقق التوازن بطبيعتها؛ فهي تتيح الوصول السريع إلى الحلول التي تشتد الحاجة إليها بتكلفة كان لا يمكن تصورها قبل بضع سنوات. كما إنها تشكل تحديًا أيضًا لشركات الأطراف الاصطناعية التقليدية: وهي شركات تجارية تبلغ قيمتها مليارات الدولارات وتعتمد على "سوق" الأطراف الاصطناعية. أفلا تهدد منظمة "ليميتلس سولوشنز" هذه الصناعة؟ لا ينظر مانيرو المسألة على هذا النحو؛ فهو يرى أن منتجاتهم ثلاثية الأبعاد يمكن أن تُستخدم لمساعدة الناس في المناطق التي لا تستثمر فيها كبريات الشركات. ويشرح قائلًا: "لقد اجتهدت بعض المؤسسات غير الربحية كي تتمكن من إنتاج أول أذرع آلية كاملة بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد. وكانت تكلفة المواد المستخدمة في التصميم 350 دولارًا أمريكيًا. وبوصفنا منظمة غير هادفة للربح، فنحن قادرون بهذه التكلفة على تقديم كل ذراع مجانًا للأسر التي تحتاجها. ونرى أن هذه التكنولوجيا قد ازدهرت وتحولت إلى عمل تجاري ضخم حيث أصبحت شركات الأطراف الاصطناعية التقليدية الآن بقيمة بمليارات الدولارات. ونأمل أن نساعد القطاعات الجغرافية المحرومة بحكم العادة كي لا تشعر بالتهميش وأن نمنحهم الأدوات الجديدة التي يحتاجونها لتحقيق أحلامهم وتطلعاتهم".
من زاوية أخرى، لا يقتصر استخدام تقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد على صنع أطراف بديلة من البلاستيك؛ حيث تُجري الآن بحوث متقدمة بشأن الطباعة ثلاثية الأبعاد للأعضاء البشرية. يعلق مانيرو: "في جامعتي، جامعة سنترال فلوريدا، نحن نبني معًا هذه المبادرة للطباعة الحيوية، وهم يطبعون بالفعل كلى جديدة للبشر ويعملون على طباعة القلوب كذلك. والتطبيق الأول هو تجارب العقاقير، مما سيؤدي للحد من التجارب على الحيوانات والحد من مشاكل تعرض البشر للمخاطر. ونحن فعلا قادرون على اختبار كيف سيستجيب الكبد بالضبط، ولكن في المختبر بدلًا من التجريب على البشر. ونحن بالتأكيد نرى نجاحًا فيما نفعله، ليس فقط بغرض استبدال الأطراف، ولكن بالنسبة أيضًا لأنواع العلاج بالعقاقير".
ويحرص مانيرو أيضًا على دراسة الصلة بين "الطباعة الحيوية" للأنسجة البيولوجية والتعزيز الميكانيكي. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تطعيم الأنسجة البيولوجية بأجهزة الاستشعار الذكية، على سبيل المثال، مزج عناصر التيتانيوم المطبوعة مع النسيج العظمي. وعلى الرغم من أن هذه التكنولوجيا لم يتم تطويرها بعد، إلا أنه من المؤكد أن هذا هو الاتجاه الذي يأمل مانيرو في اتخاذه. وفي الوقت نفسه، يرى مانيرو أن طباعة الأعضاء البشرية الجديدة بحسب الطلب ستصبح واقعًا في المستقبل القريب. ويقول: "أعلم أنهم في جامعتي يعملون على إنتاج الكلى والقلوب. وثمة مجموعات في اليابان والولايات المتحدة تعمل على الرئتين، وهي مهمة صعبة للغاية. وفي الآونة الأخيرة، في السنة والنصف الماضية، تمكنوا من الطباعة ثلاثية الأبعاد لدعائم العظام ومن إنبات الخلايا مباشرة عليها من الخلايا الجذعية. وفي 5-10 سنوات القادمة، إذا أصبت بفشل كلوي، ربما ستكون قادرًا على استبدال كليتك بسهولة وكأنك تجري فحصًا طبيًا".
رغم أن الموضوع مثير للاهتمام، إلا إنه محفوف بالقضايا الأخلاقية. فنحن لا نقترح وحسب إنتاج عناصر من أنسجة الإنسان الحية، ولكن خلق قدرات "خارقة للبشر" كذلك. فهل يرى مانيرو أن هذه المعضلة غير قابلة للحل من وجهة نظر دينية؟ ويجيب بقوله: "أعتقد أن الله قد أعطانا المهارات والمواهب والآلات لنكون قادرين على المساعدة في الحفاظ على الحياة، ولذا فإنني أرى المسألة في هذا الإطار. أعلم أن ثمة جدل شديد وأنا أتقبل هذا النقاش".
ويحرص مانيرو على إيضاح أن إنتاج جميع الأدوية يتعلق بإنقاذ الأرواح البشرية واستعادة الكرامة وتخفيف المعاناة، وأن الابتكار والتطوير دائما ما يخلقا جدلًا ويرفضا الرؤى المحافظة للعالم. لكن الطباعة ثلاثية الأبعاد تجلب الأمل حيث كان اليأس مسيطرًا؛ فيقول: "هذه المسألة تتعلق بهندسة الآمال وتزويد الناس بأدوات أفضل، وإعطائهم ما يحتاجونه بالضبط وما يبحثون عنه أيًا كان".
* متخصصة في شؤون التجارة والابتكار في الشرق الأوسط