كاليه.. يحترق

الحدث الخميس ٢٧/أكتوبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٠ ص
كاليه.. يحترق

باريس – لندن – – وكالات

قبل أن يحترق بنيران متعمدة، احترق مخيم كاليه الفرنسي بنيران السياسات الفرنسية والأوروبية في التعامل مع أزمة المهاجرين؛ إذ لم يعد المعيار الأخلاقي حاضراً في كثيرٍ من تلك السياسات.

ومع احتراقه فعلياً، بعد أن فكك، ما زال مخيم كاليه، أمام مصير مجهول؛ خصوصاً لناحية إلى أين سيمضي اللاجئون؟ فها هي «أكواخ ومدن صفيح» لما يُعرف بمخيم كاليه «الغابة» تحترق، وها هي فرنسا تواصل عمليات إجلاء المهاجرين بوساطة حافلات، في اليوم الثالث من عملية إزالة المخيم. ورغم تفكيك، ثم حرق المخيم، وتهجير مهاجريه أكثر من مرة، ورغم أيضاً وصول أزمة الهجرة في فرنسا، وأوروبا إلى ذروتها، فضلاً عن المؤتمرات الدورية هنا وهناك، إلا أن ما يترشح عن السياسيين الغربيين لا يؤشر إلى وجود حلول دائمة، ولا عادلة، لأزمة المهاجرين في أوروبا التي تبدو، بدورها، عاجزة عن التعامل بفعالية مع الأزمات المماثلة. والمخيم المذكور، والذي انتهى عن الوجود بعد تفكيكه وحرقه، لا تتحمل مسؤوليته فرنسا فقط، بل أيضاً بريطانيا التي أغلقت حدودها في وجه المهاجرين، الأمر الذي دفع منظمة «برو أزول» المعنية بحقوق اللاجئين لتوجيه انتقادات حادة اللهجة إلى بريطانيا متهمة إياها بالتملّص والاستخفاف بحقوق اللاجئين المشروعة، بينما عملية إجلاء مخيم كاليه في فرنسا المحترق تجري على قدم وساق. مدير منظمة «برو أزول» المعنية بحقوق اللاجئين غونتر بوكارت، حمّل بريطانيا مسؤولية «ما يجري في مخيم كاليه». وفي حوار له مع صحيفة «نويه أوسنابروكه تسايتونغ» يقول بوكارت إن «بريطانيا تتحمل المسؤولية الرئيسية للوضع المزري في مخيم كاليه. فعوض القبول بطلبات اللجوء ودراستها فيما بعد، تعمدت بريطانيا التملص خلف الأسوار والاستخفاف بالحقوق المشروعة للاجئين».

وجدّد بوكارت انتقاده الشديد للقوانين الجارية قائلا بأنها تقدم ترتيبا قانونيا وتتجاهل «الحلول الإنسانية». والمقصود بذلك القانون المعتمد حول أن أول دولة دخلها مقدم اللجوء إلى أوروبا، تصبح المسؤولة عن دراسة ملفه، ويتوجب على مقدم الطلب البقاء فيها، بينما هناك العشرات من الأشخاص في مخيم كاليه يريدون الالتحاق بذويهم وعائلاتهم في بريطانيا. رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس قال أمس الأربعاء: «ما يحصل في كاليه هو جانب مشرق من فرنسا. نحن أمام عملية إنسانية تجري مع إيلاء أهمية لرجال ونساء فروا من الحرب ويطلبون اللجوء»، لافتا إلى أن العملية «تتم أيضا بحزم». والاثنين، باشرت السلطات الفرنسية إجلاء ما بين ستة آلاف وثمانية آلاف مهاجر كانوا يعيشون في ظروف مزرية منذ أشهر، في المخيم المترامي على أمل العبور إلى بريطانيا. ووصل عدد كبير منهم إلى كاليه، قبالة السواحل البريطانية، من إريتريا والسودان وأفغانستان مجازفين بحياتهم.

ولم يخف بعض المهاجرين استياءهم. وقال أفغاني توحي تجاعيد وجهه بأنه ثلاثيني: «أنا فتى، عمري 17 عاماً لكنهم لا يعاملونني كما يجب. لقد أبعدت من طابور القاصرين. فرنسا ليست جيدة».

كذلك، أبعدت السودانية موكايسي (16 عاما) وقريبها عبدول من بين القاصرين، لعدم امتلاكهما أوراقا تثبت سنهما. وعلقت قائلة: «طلبوا منا أن نستقل حافلة لتقديم طلب في مركز. ولكن أي حافلة؟ أي مركز؟ أين علينا أن نذهب؟». وبدل أن ينضما إلى طابور البالغين عادا أدراجهما إلى المخيم.
من جانبها؛ اعتبرت رئيسة منظمة «سايف ذي تشيلدرن» غير الحكومية في نيويورك أن وضع الأطفال المهاجرين في مخيم كاليه «مروع»، ودعت السلطات الفرنسية إلى تأمين سلامتهم.
وفي تصريح لوكالة «فرانس برس»، قالت كارولين مايلز الرئيسة والمديرة العامة للمنظمة غير الحكومية، خلال حفل لدعم المنظمة، إن «الأمر مروع بالنسبة إلى الأطفال الذين يشاهدون وصول الجرافات إلى المكان الذي عاشوا فيه أسابيع، وربما أشهرا». وكانت المنظمة التي قدرت بأكثر من ألف عدد الأطفال في مخيم كاليه الذي بدأت الحكومة الفرنسية بإزالته، دعت السلطات الفرنسية إلى وقف عملياتها.
ورغم تاكيد مايلز أن بريطانيا وفرنسا توليان الأطفال المتروكين اهتماماً خاصاً، فإنها طالبت حكومتي البلدين بتكثيف جهودهما بالنسبة إلى الأطفال الذين لن يسمح لهم بالوصول إلى بريطانيا.

وقالت: «من المهم جداً، خصوصا في وقت يتجه الوضع إلى الفوضى، أن نحافظ على سلامة الأطفال ونؤمن لهم كل الفرص التي يستحقونها ليتمكنوا من المضي قدما». وكان مخيم كاليه يؤوي 6000 إلى 8000 مهاجر يرغبون في الذهاب إلى بريطانيا. وخلال يومين، نقلت السلطات الفرنسية نحو نصفهم إلى مراكز مختلفة في أنحاء فرنسا.