هل خذلت الامم المتحدة اليمن ؟!

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢٧/أكتوبر/٢٠١٦ ٠٤:١٠ ص
هل خذلت الامم المتحدة اليمن ؟!

علي ناجي الرعوي

الى اين تسيرون باليمن ؟ سؤال بسيط واستفسار بديهي طرحه مواطن يمني على المبعوث الاممي الى اليمن الذي زار صنعاء الاحد الفائت لعرض خطته لإنهاء الحرب وإيجاد تسوية سياسية شاملة تجمع بين خطة كيري التي سبق وان طرحها في اجتماع (الرباعية) وبنود اتفاق (ظهران الجنوب السعودية) الموقع في العاشر من ابريل نيسان المنصرم.
هذا السؤال يقودنا الى حالة الاحباط التي تنتاب معظم اليمنيين الذين يشعرون بان الامم المتحدة قد خذلتهم منذ اللحظة الاولى التي جاءت فيها لتساعدهم على تجاوز الازمة الناشبة عقب موجة (الربيع العربي) بين النظام والمعارضة عام 2011م اذ ترى النخب اليمنية ان هذه المنظمة وبدلا من ان تساهم في حل تلك الازمة كما عرض الافراد الذين ارسلتهم واغلبهم تابع مباشرة او مفوض من قبل الامين العام للأمم المتحدة عمل ذلك الفريق بقيادة المغاربي جمال بنعمر على شيطنة الاوضاع وإدخال مكوناتها في صراعات بينية الاهداف كان من نتائجها احتجاز سيرورة الحلول السياسية واستحقاقات الانتقال المحددة في بنود المبادرة الخليجية وبالذات حينما لجأ الفريق الاممي الى فرض رؤى جديدة في مجرى المسار الى التسوية كمؤتمر الحوار الوطني الذي ومهما قيل عن ايجابيته فانه الذي اعاد انتاج كل ازمات اليمن خلال نصف قرن ناهيك عن ان اهم انجازاته كان المقترح الداعي الى تقسيم البلاد الى ستة اقاليم وتغيير النظام المركزي الى نظام اتحادي فيدرالي بحجة ان هذا النظام سيتكفل بالتوزيع العادل لعائدات النفط والثروات الطبيعية بين تلك الاقاليم وهو ما يشي الى اسوأ تلك المخرجات التي اقترحتها الامم المتحدة متغافلة عن ان الثروة التي يراد تقاسمها هي ملك للأجيال ولاعمار البنية الأساسية وليس للتحاصص.
لسنا بحاجة للرجوع الى الطريقة التي خذلت بها الامم المتحدة اليمن عندما اخضعته للوصاية الدولية والفصل السابع من ميثاقها وكيف عملت هذه المنظمة على تشجيع الحرب بين (حركة انصار الله) الحوثية والسلطة الانتقالية وبما ساهم في تعميق الازمة اليمنية وانسداد افاق الحل السياسي وربط نتائج الصراع الداخلي بصراعات اقليمية ودولية متناقضة تتنافس على النفوذ والسيطرة الامر الذي تحول معه اليمنيون الى مجرد ادوات وظيفية بعد اشتعال الحرب الداخلية والخارجية في ساحتهم نهاية مارس 2015م لتنتقل بلادهم بعد سنة ونصف السنة من هذه الحرب من دولة فاشلة الى دولة مفككة ومتهالكة بامتياز.
اذ اننا مدركون تمام الادراك ان تلك المنظمة قد فشلت في الصومال وأفغانستان والعراق وسوريا كما انها من فقدت للمقود في ليبيا بعد ان اجازت استخدام القوة فيها تحت ذريعة حماية المدنيين ولا نجهل ايضا حقيقة انه لا يوجد في رصيد هذه المنظمة حالة انجاز تستطيع ان تفاخر بها وربما ان بان كي مون الامين العام للأمم المتحدة الذي يستعد للرحيل عن هذا المنصب يشاركنا في جانب كبير من هذا التقييم من ان المنظمة العالمية التي تأسست بعد الحرب العالمية الثانية من اجل حماية السلام والاستقرار الدوليين اصبحت اليوم ليس اكثر من جهاز وظيفي تتحكم به الدول الكبرى وان دورها في اليمن لم يخرج عن تلك المهمة التي اعطيت لها من قبل القوى المتحكمة بمصادر القرار الدولي وبالتالي فان خذلانها لليمن كان متوقعا خصوصا وانه من يحتل مكانة الهامش في المنطقة.
ولا مندوحة هنا من الاعتراف من انني واحد من الاشخاص الذين اشفقوا على المبعوث الاممي اسماعيل ولد الشيخ لكثرة ما تعرض له من اللوم والنقد اثناء زيارته للعاصمة صنعاء اوائل الاسبوع الحالي فرغم انه الذي جاء هذه المرة حاملا مقترحا رسميا باسم الامم المتحدة لحل الازمة اليمنية يشتمل على الجوانب السياسية والأمنية وغيرها فانه وعلى مدى ثلاثة ايام قضاها في التشاور مع افرقاء الداخل فان الجميع قد حمله مسئولية تفاقم المعاناة لملايين اليمنيين نتيجة الحصار المفروض عليهم والأوضاع الاقتصادية المتدهورة والتي تضاعف لهيبها بقرار نقل البنك المركزي من صنعاء الى عدن من قبل الرئيس هادي وهو الاجراء الذي اعتبر اقوى استهداف لآخر رمز لوحدة اليمن وأخر نافذة اقتصادية لخدمة مصالح جميع اليمنيين.
يتساءل يمنيون ومتابعون عن مقومات اية فرصة لكسر الحلقة المقفلة التي يدور فيها هذا البلد حملتها خارطة الطريق التي اقترحها اسماعيل ولد الشيخ وبالذات وان الاوضاع الميدانية لا تشي الى ان هناك نيات جادة من قبل اطراف عدة لإنهاء الحرب في اليمن والخروج من هذه الازمة بحل سياسي متفق عليه سيما في ظل تشابك مصالح الاطراف الاقليمية والدولية ووعورة مسالك الاتفاق على الشكل الذي ورد في خارطة طريق ولد الشيخ وهو ما دفع البعض ليسأل عن الفرق بين هذه الخارطة وسابقاتها التي جرى التفاوض حولها في جنيف والكويت إلا ان هذا لا ينفي ان خطة الحل الاخيرة قد جاءت تتضمن ورقة تفصيلية وتحمل افكارا تستجيب الى حد ما لمطالب (تحالف صنعاء) وفي ذات الوقت فإنها التي لم تتجاهل المرجعيات التي تتمسك بها حكومة الرئيس هادي.
قبل مغادرة ولد الشيخ لصنعاء ادلى بتصريحات مهمة عن فشل الخيار العسكري في اليمن وانه لا بديل عن الحل السياسي لإيقاف الحرب المدمرة إلا ان هذه التصريحات لم تلتفت اليها الغالبية نتيجة حالة اليأس التي باتت تسيطر على قطاع واسع من اليمنيين والذين ذهب بعضهم الى القول بأنها ستذهب ادراج الرياح كسابقاتها من التصريحات وأنها من تندرج في اطار المسكنات بهدف امتصاص ردود افعال المنظمات الحقوقية والإنسانية التي وصل بها المطاف الى التحذير من كارثة انسانية تستفحل في اليمن وقد تؤدي الى نتائج لا يحمد عقباها في المستقبل القريب ومع كل ذلك فان الجميع في اليمن وخارجها سيظل يتابع الطريقة التي يتعامل بها المجتمع الاقليمي والدولي مع خارطة الحل الجديدة وهل سيؤيدها بقوة ام انه الذي سيتركها تلقى مصير كل المبادرات التي سقطت قبل ان يجف حبرها .. وفي كل الاحوال فان ما يجري يجب ان يصب في اتجاه استنقاذ ما يمكن انقاذه من اشلاء اليمن الذي ينزف بغزارة.

كاتب يمني