مخاوف من السنة الصينية الجديدة

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢٨/يناير/٢٠١٦ ٢٣:٥٥ م
مخاوف من السنة الصينية الجديدة

ماركوس كونالاكس

بالمفرقعات النارية ورقص التنين يستقبل الصينيون عامهم الجديد في أوائل فبراير الذي يطلقون عليه عام "القرد" نسبة الى برج القرد أحد الأبراج الاثنى عشر الصينية وهو الرمز الذي يتنبأ إما بنجاح كبير أو فشل ذريع، وهذا يتوقف على مستوى الخرافة أو السذاجة. بيد أن واحدا من التنبوءات المؤكدة للعام الصيني الجديد أن بكين سوف تتأرجح الى أوقات شيقة. فالأسواق المبهمة والأسهم المتقلبة والنمو المعتدل ليست سوى عدد قليل من العوامل الاقتصادية التي ستشكل تحديا للقيادة الصينية، ومن ثم للنظم المالية العالمية في عام 2016.
والمؤكد أيضا أن التنين الصيني إذا عطس فسيصاب العالم بالزكام بل وربما بالإلتهاب الرئوي. ولسنوات كان الاقتصاد الصيني رهن نظام مغلق فقير دون تأثير على بقية العالم، وإذا نضب مخزونه في مخازن الأرز فلن تشعر أسواق فول الصويا الأمريكية بذلك. بيد أن كل ذلك قد تغير عندما فتحت الصين اقتصادها مع بقية العالم في حقبة ما بعد ماو، والتي حملت تغييرات جذرية وشاملة قائمة على السوق تحت قيادة رئيس مجلس الدولة دنج شياو بينج.
ومنذ أواخر القرن العشرين غمر الإقتصاد الصيني القائم على التصدير أسواق العالم ببضائع استهلاكية رخيصة، في تحول انتشل مئات الملايين من الصينيين من براثن الفقر، في معادلة حققت الفوز للطرف الصيني والسوق الخارجي.
وتمثل الجانب الإيجابي في مسارعة الصين خطوات الاندماج في النظام المالي العالمي فأنشأت بنك التنمية الدولي الخاص بها، ووضعت عملتها في سلة الإحتياطي المالي، وأرسلت شركاتها الواعدة بحثا عن الاستثمار ورأس المال في البورصات الأجنبية، وقامت ببناء السفن والموانئ لنقل البضائع الى جميع أنحاء العالم، والقائمة تطول وتطول.
أما الجانب السلبي فقد أصبحت أي مؤشرات على تباطوء النمو الصيني أو تشديد بنوكها للسياسات النقدية أو تقلص طلبها على الطاقة يؤثر سلبا على نحو غير متناسب في وول ستريت، بل وربما حتى على سعر فول الصويا في الولايات المتحدة.
وتخوض القيادة في بكين اللعبة بأعصاب هادئة تذكرنا بعظمة وقوة الساحر أوز، وتطلب من العالم ألا يلتفت الى الشخص الذي يقف وراء الستار، وبالطبع لا يهدأ للأسواق والمستثمرين بالا ولا يتوقفون عن محاولة التلصص لمعرفة من الذي يقف خلف الستار.
وبالطبع فالأمور يكتنفها قدر من الغموض، والستائر المغلقة تخفي معدلات النمو الحقيقية، والحزب الشيوعي الحاكم أكثر اهتماما بالتأكيد على الحفاظ على الذات والترويج لنفسه أكثر منه على ثقافة شفافية الشركات داخل المؤسسات المملوكة للدولة، وهذا ما يبرر حذر المستثمر الأجنبي.
وعلى نفس المنوال لا يوجد رأسمالي يحترم نفسه لا يعمل حسابا للصين أو يتجاهل إمكانياتها الاقتصادية والسوق الاستهلاكية الهائلة. والجزء الصعب هو محاولة الاطلاع عن قرب على حقيقة ما تجري عليه الأمور. وفي حالة عدم وجود أرقام موثوقة واتجاهات واضحة حيث تجد الشائعات والخوف أرضا خصبة.
وتغذي هذه الحالة من الشكوك الاقتصادية تصاعد التحديات السياسية المحلية والدولية، مثل الانتخابات الوطنية الأخيرة في تايوان التي تقف أمام هدف توحيد جمهورية الصين الشعبية تحت اسم "صين واحدة".
بيد أن الصين رغما عن كل ذلك أكبر من أن تفشل، وآخر ما تتمنى الولايات المتحدة والعالم أن يشاهدوه أن تصبح الصين غير مستقرة أو غير آمنة. غير أن كافة الدول التي تنهج سياسة السوق تدرك أنها تخضع لدورات الأعمال ، والصين ليست محصنة ضد هذه الحقيقة.
وربما تكون الصين على شفا الانزلاق الى أول انكماش حقيقي مع ما يستتبعه من نتائج عالمية واسعة النطاق، وإذا كانت هذه هي بداية عثرة دورية على الطريق، فإن السؤال ليس هو ما إذا كانت الصين سوف تتعافى، بل كيف ستتجاوب مع المشاكل الاقتصادية وكيف سيكون التعديل والتغيير؟ وماذا سيعني ذلك بالنسبة لبقية العالم؟
خلال الأزمة المالية في الولايات المتحدة عام 2008، تدخلت إدارتي بوش وأوباما بصورة مباشرة، وربما تكون الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2016 في جانب منها حول كيفية تعامل الولايات المتحدة مع أزمتها والركود الذي قد يلحق بها، سواءا خطط إنقاذ للبنوك أو تنظيم الصناعة أو التفاوت في الدخل. وستجد بكين لنفسها طريقها الخاص الى الانتعاش، ولكن عليها ألا تجعل من 2016 عام التقلبات الكبيرة.

زميل باحث في جامعة وسط أوروبا وزميل زائر في معهد هوفر