سوريا .. لعبة التناقضات الاقليمية والدولية !!

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢٨/يناير/٢٠١٦ ٢٣:٥٠ م
سوريا .. لعبة التناقضات الاقليمية والدولية !!

علي ناجي الرعوي

تساءل ديفيد هيرست ذات يوم : لماذا يبدو المشهد في المنطقة العربية سرياليا وعبثيا وصارخا الى الحد الذي يظهر فيها تحت عنوان : (مسرح اللامعقول) وكان تحليله في مكانه فالقيصر الروسي فلاديمير بوتين منذ ان قرر القضاء على الإرهابيين على الارض السورية بعاصفة السوخوي والتوبوليف نهاية سبتمبر 2015م كانت لديه قناعة راسخة ان هذه المنطقة المضطربة صارت تمثل نقطة الارتكاز التي يمكن ان تخرج منها مسارات جديدة لقواعد النظام العالمي الذي استقر منذ انهيار الاتحاد السوفيتي وعصور الحرب الباردة على احادية القرن الامريكي ولذلك فقد اراد بوتين ربما من خلال التدخل المفاجئ في سوريا ان يبعث برسالة لنظيره الامريكي من ان على الولايات المتحدة ان تقبل انها لم تعد الوحيدة التي يمكن لها ان ترسم مستقبل الشرق الاوسط او ان تقترح وحدها من سيحكم سوريا او من سيضع لأطرافها المتصارعة محددات مفاوضات (جنيف3) بعد ان جرى التوافق على هذه المحددات في فيينا بين الاطراف الاقليمية والدولية إلا انه وفي مقابل هذا النزوع الروسي برز الى الافق الكابح الامريكي الذي مازال يؤمن ان الاتحاد الروسي ليس الاتحاد السوفيتي وان الكرة الارضية مازالت هي الاخرى تقف على قرن ثور واحد وان واشنطن وان تركت الفرصة للقاذفة الروسية لكي تحلق فوق الارض السورية فلا يعني هذا انها قد تنازلت عن جزء من نفوذها في المنطقة وقررت اعادة تقاسم ساحات النفوذ مع روسيا او غيرها كما كان سائدا ابان الحرب الباردة واستثناءاتها.
قد يكون من اللافت ان وزير الخارجية الامريكية جون كيري قد لاحظ في خطاب نظيره الروسي في اجتماعات فيينا بشأن الازمة السورية ان ذلك الخطاب قد حمل الكثير من الطموحات الاستثنائية التي تختلج في ذهنية القيصر فلاديمير بوتين ولذلك همس في اذن سيرغي لافروف انه اذا ما كان من حق القيصر ان يطمح لكن عليه ان يدرك ايضا ان ليس من مصلحة موسكو ان يتقاطع الطموح الروسي مع الطموح الامريكي وصانعي السياسات في الشرق الاوسط وهو ما يعيد الى الذاكرة حكاية افريل هاريمان الذي كان مستشارا لفرنكلين روزفلت في مؤتمر يالطا حينما لاحظ ان ونستون تشرشل يتنازل لجوزيف ستالين عن مناطق شديدة الحساسية في البلقان والقوقاز واسيا الوسطى وأوروبا الوسطى فصرخ هاريمان : سيدي ماذا تصنع ؟ فلتفت اليه الزعيم البريطاني قائلا : لابد للدب الروسي ان ينوء بكل هذا الحمل الثقيل اذا ما اردنا له ان يسقط ذات يوم.
واشنطن ترى ان موسكو ليست في وضع يؤهلها لتقمص دور الاتحاد السوفيتي او مكانة القوة الامريكية التي اجتاحت العراق عام 2003م من اجل ان تنتزع صدام حسين وتأتي ببديل يسير على مقاس مصالحها ناهيك عن ان البيت الابيض لا يخشى كثيرا من أي تأثير روسي في المنطقة على اعتبار ان من يتحالفون مع موسكو ليسوا من التأثير الذي يسمح لها بالتفرد بشروط التسوية للازمة السورية والإبقاء على الرئيس الاسد لمجرد انه من سيحقق لها مصالحها.
قد يبدو للمراقب ان هناك تشابه من حيث الشكل بين قصتي الاجتياح الامريكي للعراق لإسقاط صدام حسين واجتياح عاصفة السوخوي والتوبوليف الروسية لسوريا للإبقاء على بشار الاسد لكن في الحقيقة فان هناك اختلافا في الجوهر بين القصتين وذلك ما افصحت عنه تصريحات نائب الرئيس الامريكي جوبايدن قبل ايام في تركيا والذي اشار الى ان الولايات المتحدة مستعدة للقيام بعمليات حربية برية اذا لم تتوصل اطراف النزاع الى النتيجة المرجوة في مفاوضات (جنيف3) والتي كان من المفترض ان تبدأ يوم 25 يناير الجاري ولكنها أجلت لعدة ايام لحين التوصل للصيغة النهائية للأطراف المشاركة فيها حيث ان توقيت تلك التصريحات الامريكية له دلالات كبيرة تعكس في مضمونها ان الساحة السورية اصبحت ساحة لصراع استراتيجي بين قوى اقليمية ودولية متعددة الامر الذي يصعب معه معرفة كيف سيتبلور المشهد في نهاية الطريق وعلى أي سيناريو ممكن او مقبول من كل هؤلاء المتصارعين ؟
في ظل هذه الاشارات المتناقضة التي تتسرب من كواليس التحضير لمفاوضات جنيف المقبلة كيف يمكن لهذه المفاوضات ان تنجح وسط هذه المواقف المتعارضة ؟ وكيف للاطراف السورية المتنازعة ان تتوافق على مشتركات محددة ووراء كل طرف منها اكثر من لاعب اقليمي ودولي له اجندته وحساباته ومواقفه ؟ بل وكيف يمكن لهذه الاطراف ان تلتقي على مائدة واحدة اذا ما كان لكل منها جنيفه الخاص وحله الخاص وتفسيره الخاص لقرار مجلس الامن الدولي رقم 2254 ؟ وكيف لأحد ان يعلق الامال على (جنيف3) في ايقاف دوامة الصراع الذي يوشك على دخول عامه السادس بالرهان على تفاهم امريكي_روسي يضغط في اتجاه الحل السياسي اذا ما كان الخلاف على تشكيلة وفد المعارضة قد مثل انعكاسا مباشرا للخلاف العميق حول صيغة الحل بين الاطراف الاقليمية والدولية المتصارعة في سوريا وعليها؟
المبعوث الاممي الى سوريا ستيفان دي ميستورا يبدو انه بات واثقا ان الظروف الاقليمية والدولية التي قادت الى الاجماع حول قرار مجلس الامن رقم 2254 يمكن ان يفضي الى سلام ينطلق من الاسفل بمعنى من الميدان نحو الاعلى أي الى طاولة المفاوضات والحوار على غرار التجربة نفسها التي عاشتها الجارة لبنان مع مؤتمر الطائف للسلام عام 1989م وذلك بعد ان وافقت كل الاطراف الدولية على توازن مؤسسي جديد بين الفسيفساء اللبنانية دون ان يستوعب هذا المبعوث ان واقع سوريا الحالي يؤكد ان المشكلة لا تكمن في الخلافات الداخلية وانما في بورصة الحسابات الخارجية حول مستقبل هذا البلد وموقعه الجيوبوليتيكي وان الرهانات المتناقضة في الكواليس هي من تكبر وتتصادم بمقدار ما تكبر الاحداث والصدامات على الارض وانه لا مجال للفصل بين الصراع الداخلي في سوريا لا بخطة اجتماعات فيينا ولا بموجهات القرار الدولي والرابط بينهما.
وفي هذه المؤشرات كلها فان عملية صنع السلام من الاسفل الى الاعلى لن تفلح بشكل جيد في سوريا طالما بقيت لعبة الصراع الاقليمية والدولية متفجرة وتفرز من داخلها محفزات تقسيم هذا البلد الى ثلاثة كيانات تتمثل في : شريط ساحلي سكانه من العلويين والمسيحيين والدروز والبرجوازية العلمانية الموالية للنظام ثم منطقة كردية في الشمال وأخرى سنية في باقي ارجاء البلاد وهو تقسيم لن يؤدي الى (لبننة سوريا) كما يعتقد البعض وإنما سيعمل على تفتيتها الى كنتونات متصارعة لا تجمع بينها سوى الحروب والفوضى وصواعق العنف.

كاتب يمني

الرسالة المشفرة التى ظهرت فى فيديو داعش الأخير وهمية ومفبركة، وصممت خصيصا لإثارة الرعب والخوف فى قلوب العالم
ادوار سنودن

ادعوا إلى إجراء استفتاء حول مصير كردستان قبل بدء إنتخابات الرئاسية فى الولايات المتحدة الأمريكية
مسعود البارزانى