حماية الجينات والبذور من التلاعب

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٦/أكتوبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٠ ص
حماية الجينات والبذور من التلاعب

إدوارد هاموند
تشي يوك لينج

قبل أربعمائة عام، استخدم جون رولف بذور تبغ مختلسة بكميات صغيرة من جزر الهند الغربية لإنتاج أول سِلعة تصدير مربحة من فرجينيا، ليقوض بذلك تجارة التبغ من المستعمرات الأسبانية في منطقة الكاريبي. وبعد أكثر من 200 عام، أخذ بريطاني آخر، هنري ويكهام، بذور شجرة المطاط من البرازيل إلى آسيا ــ عن طريق تلك المؤسسة الاستعمارية الكبيرة حدائق لندن النباتية الملكية ــ فمهد السبيل بالتالي لزوال طفرة المطاط في الأمازون في نهاية المطاف.
في وقت اتسم بالصادرات غير المنظمة من النباتات، لم يكن الأمر ليتطلب أكثر من حقيبة سفر مليئة بالبذور لإلحاق الضرر والأذى بسبل العيش بل وحتى اقتصادات بأكملها. وبفضل التقدم في مجال علم الوراثة، فربما يتطلب الأمر أقل من هذا كثيرا.
من المؤكد أن العالَم خطا خطوات واسعة على مدار العقود القليلة الفائتة في تنظيم الحركة المتعمدة للمادة الوراثية للحيوانات والنباتات وغير ذلك من الكائنات الحية عبر الحدود. وقد ساعدت اتفاقية الأمم المتحدة بشأن التنوع البيولوجي في عام 1992 بشكل خاص في حماية حقوق متعهدي الموارد الجينية ــ مثل المزارعين والسكان الأصليين (في الحالة المثالية) الذين عملوا على حماية ورعاية الجينات القَيّمة ــ من خلال تقديس السيادة الوطنية بشأن التنوع البيولوجي.
وفي حين يتمكن بعض الناس بكل تأكيد من التهرب من القيود التنظيمية، فإن النظم القانونية التي تقدمت بعد جهد جهيد تضمن جعل التهرب من هذه القيود أمر بالغ الصعوبة. وتأتي غالبية التبادلات الدولية للبذور والنباتات والحيوانات والميكروبات وغير ذلك من السلع البيولوجية مصحوبة بالتراخيص والتصاريح الضرورية، بما في ذلك اتفاقية نقل المواد.
ولكن ماذا لو لم يضطر المرء إلى إرسال أي مواد على الإطلاق؟ ماذا لو كان كل المطلوب لاغتصاب البذور المرغوبة رسالة بريد إلكتروني بسيطة؟ وماذا لو تمكن العلماء باستخدام التسلسل الجيني فقط من "إحياء" المادة الوراثية المناسبة؟ من الواضح أن تنظيم مثل هذه التبادلات التي تسهلها شبكة الإنترنت للتنوع البيولوجي سوف يكون أصعب كثيرا. وبعد أن أصبح إجراء التسلسل الجيني أسرع وأرخص من أي وقت مضى، ومع التقدم السريع في تكنولوجيا تعديل الجينات، فقد تصبح مثل هذه التبادلات في حكم الممكن في وقت أقرب مما نتصور.
الواقع أن الجينات، بل وحتى كائنات حية بأكملها، يمكن نقلها فعليا ــ في هيئة رطبة وبيولوجية عند كل طرف، ولكن لا شيء أكثر من مجرد سلسلة من الآحاد والأصفار وهي في الطريق. ويشكل الفيروس الضئيل الذي يسبب الإنفلونزا مثالا رائدا للتطورات التطبيقية.
فاليوم، عندما تظهر سلاسة جديدة من مرض الإنفلونزا في آسيا، يجمع العلماء مسحات من الحلق، ويعزلون الفيروس، ثم يُجرون التسلسل الجيني للسلالة. وإذا نشروا تسلسل تلك السلالة على الإنترنت، فربما يصبح بوسع المختبرات الأميركية والأوروبية أن تعمل على تركيب الفيروس الجديد اصطناعيا من بيانات جرى تحميلها بسرعة وسهولة أكبر مما لو انتظرت ساعيا يسلمها عينة مادية. ومن الممكن أن ينتشر الفيروس إلكترونيا بسرعة أكبر من انتشاره في الطبيعة.
وقد أصبحت الفيروسات وبعض البكتيريا الأكثر تعقيدا في نطاق مثل هذه التقنيات اليوم، وإن كان التخليق الكامل لكائن حي أعلى بالاستعانة بجينوم أكثر تعقيدا، مثل الذرة على سبيل المثال، لا يزال بعيدا عن المنال بسنوات. ولكن هذا قد لا يكون مهما، لأن تكنولوجيات تعديل الجينات الجديدة، مثل CRISPR-Cas9، تعمل على تمكين العلماء من خياطة كائنات حية معقدة جديدة معا، باستخدام معلومات التسلسل الجيني من الكائنات التي يمكنهم الوصول إليها ماديا.
على سبيل المثال، ربما يمكن استنساخ السمات الرئيسية للذرة المقاوِمة للجفاف، من جمعية زابوتيك في أوكساكا في المكسيك، عن طريق تعديل جينات صنف آخر من الذرة. ولا يحتاج تحرير هذه الإمكانية إلى تقدم كبير جديد في التكنولوجيا.
الأمر الوحيد المطلوب هو التسلسل الجيني لآلاف الأنواع من الذرة. تعمل هذه البيانات كخريطة طريق ومجمع للموارد يتيح للعلماء مقارنة التسلسلات على شاشة كمبيوتر وتحديد الاختلافات ذات الصِلة. وبعد ذلك يصبح من الممكن إجراء التعديلات المختارة على سَلَف هجين الذرة الجديد المونسانتو أو ديو بوينت بايونير.
وبالتالي فإن إدارة القدرة على الوصول إلى بيانات الجينوم الضخمة يصبح أمرا بالغ الأهمية لمنع نسخة افتراضية من السرقة من التي نفذها رولف وويكهام. والواقع أنه في واحدة من رسائل البريد الإلكتروني غير المحمية بموجب قانون حرية المعلومات في الولايات المتحدة، أطلق واحد من أكبر علماء الذرة في وزارة الزراعة الأميركية، إدوارد باكلر، على مثل هذه الإدارة صف "القضية الكبرى في عصرنا" في مجال استيلاد النباتات.
إذا تمكنت شركات التكنولوجيا الزراعية مثل مونسانتو وديو بوينت بيونير ــ ناهيك عن شركات أخرى تعمل في مجال الموارد الوراثية، بما في ذلك شركات الأدوية، وشركات البيولوجيا التخليقية البادئة ــ من الوصول بحرية إلى مثل هذه البيانات، فمن المرجح تماما أن يخسر موردي الجينات المرغوبة. وهذه في نهاية المطاف مؤسسات رأسمالية بالكامل، وليس لديها حافز مالي يُذكَر للاهتمام بالإنسان البسيط.
وفي حالتنا هذه قد يكون البسطاء مزارعي الذرة الرفيعة في أفريقيا، أو ممارسين طبيين تقليديين، أو سكان الغابات، أو مجتمعات تقليدية أخرى ــ الناس الذين أنشأوا ورعوا التنوع البيولوجي، ولكنهم لم يُظهِروا قط ذلك القدر من الغطرسة والجشع للادعاء بأن الجينات اختراعات ذات براءة وملكية مسجلة. وكل المطلوب هو أن يقوم شخص ما بإجراء التسلسل الجيني لإبداعاتهم، وتبادل البيانات في قاعدة بيانات مفتوحة.
بيد أن الوصول المفتوح أصبح الموضة السائدة اليوم في تقاسم البيانات البحثية. على سبيل المثال، لا يوجد لدى جين بانك (بنك الجينات) التابع لحكومة الولايات المتحدة أي اتفاق يحظر الاختلاس. ولابد لهذا أن يتغير. ففي نهاية المطاف، لا تساعد قواعد البيانات غير المقيدة هذه على تسهيل التبادل والمشاركة فحسب؛ بل إنها تعمل أيضا على تمكين السرقة.
الآن، بدأت المسألة حول كيفية تنظيم الوصول إلى بيانات التسلسل الجيني تظهر في المناقشات الدولية، مثل المناقشات التي تديرها منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأغذية والزراعة. ولعل المنتدى الأكثر أهمية لمثل هذه المناقشات هو مؤتمر الأطراف الموقعة على اتفاقية التنوع البيولوجي، وهي المعاهدة الرئيسية التي تنظم القدرة على الوصول إلى التنوع البيولوجي. ومن المقرر أن تستضيف مدينة كانكون في المكسيك في أوائل ديسمبر الاجتماع المقبل (COP 13).
يتعين على المشاركين في هذا الاجتماع أن يركزوا على الحاجة إلى حماية حقوق مقدمي الموارد. ولتحقيق هذه الغاية، ينبغي لهم أن يلاحقوا تقييما دقيقا للسياسات القائمة وصياغة التعديلات الضرورية ــ قبل أن تتجاوز البيولوجيا التخليقية الأنظمة القانونية وتجعلها عاجزة.
ولابد من إجراء الترتيبات للإشراف على القدرة على الوصول إلى التسلسل الجيني على النحو الذي يضمن التقاسم العادل والمنصف للمنافع المترتبة على استخدامها. وأي شيء أقل من ذلك من شأنه أن يؤدي إلى تقويض عشرات السنين من العمل لتعزيز جهود الحفاظ على الطبيعة ومنع القرصنة، وتعريض اتفاقية التنوع البيولوجي ومن تحميهم للخطر.

تشي يوك لينج: مدير شبكة العالم الثالث، وهي منظمة بحثية دولية غير ربحية
إدوارد هاموند: باحث ومدير بريكلي للبحوث.