فريد احمد حسن
يفرد الدكتور سيف الإسلام بن سعود بن عبد العزيز آل سعود (حفيد الملك عبد العزيز مؤسس الدولة السعودية الثالثة) عدة صفحات من روايته الشهيرة "قلب من بنقلان" للحديث عن عمان التي يرد ذكرها في الرواية التي تناول فيها التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في المملكة العربية السعودية إبان حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية من خلال قصة حقيقية أضاف إليها من قدراته الأكاديمية كونه أستاذ جامعي ، فقد كانت عمان نقطة عبور بطلة الرواية بين بلوشستان حيث موطنها الأصلي والسعودية التي عاشت فيها كزوجة للملك سعود وريث عرش الملك عبد العزيز .
عن عمان يقول المؤلف مخاطبا والدته بطلة الرواية "إنني لطالما زرت هذا البلد الجميل المسمى عمان ، ومررت كثيرا بالقرب من ميناء العاصمة مسقط .. هل تعرفين كيف كانت الأوضاع المختلفة في عمان عندما وصلت لها في الساعات الأولى من صباح يوم صيفي مسقطي ؟" ثم يوجد المبرر المنطقي ليلقي شيئا من الضوء على عمان حيث تسأله بطلة الرواية عن عمان حينها فيقول "عمان بلد يأخذ مساحة ربع الساحل الجنوبي الشرقي لشبه الجزيرة العربية ، وهي بموقعها ذاك تسيطر على مدخل الخليج العربي ، ويقال إنها أقدم دولة عربية ذات سيادة من كل الدول العربية التي حاول الاستعمار الغربي إيجاد موطئ قدم فيها .. ويقال أيضا إن مسقط شهدت أقدم حكومة مستقرة في جنوب غرب آسيا كلها" . وقبل أن ينهي الفقرة المطولة التي يشرح فيها موقع عمان يقول "موقعها النائي ذاك جعلها – كما تقول بعض الكتب – جغرافيا وتاريخيا وسياسيا خارج خطوط التاريخ العربي" .
ثم يضيف المؤلف عن أسماء عمان فيقول " ... عمان عرفت في المراحل التاريخية المتعددة بأكثر من اسم ، ومن تلك الأسماء "مجان" و"مزون" وأيضا "عمان" ، وكل اسم من تلك الأسماء له ارتباط حضاري وتاريخي محدد ، فمثلا اسم "مجان" أطلق عليها لأنها اشتهرت بصناعة السفن وصهر النحاس ، وكان أول من أطلق عليها هذا الاسم هم السومريون حيث كانوا ينعتونها باسم "أرض مجان" أي أرض صهر النحاس ، الداخل في صناعة وبناء أنواع السفن الشراعية القديمة" . وعن الاسم "مزون" يقول "فلأنها تنعم بوفرة مائية ، وخاصة في فترات تاريخية سابقة ، قياسا بأراضي الجزيرة العربية الأخرى المجاورة لها" ، معلقا "ولعل هذا ما يفسر التوسع العمراني والازدهار الزراعي العماني القديم وما يصاحب هذا من حضارة" ، أما عن الاسم "عمان" فيقول صاحب "قلب من بنقلان" إن هناك أقوالا "منها أن الاسم منسوب ل"عمان بن إيراهيم الخليل" عليه السلام ، وأقوال أخرى تنسب إلى "عمان بن سبأ بن يغشان بن إبراهيم الخليل" ، كما يشير إلى قول ابن خلدون "إنها سميت بعمان نسبة لاسم شخص يدعى "عمان بن قحطان" الذي كان أول عربي يستقر هناك بعد السيل المدمر الذي ضرب مأرب" ، يذكر كل ذلك ثم يعود ليقول "إن الثابت هو أن عمان ومنذ القديم كانت موطنا للقبائل العربية التي قدمت إليها وسكن بعضها السهول واشتغل البعض الآخر بالزراعة أو الصيد ، وأقوام منهم استوطنوا المناطق الداخلية والصحراوية وكانت مهنتهم الرعي وتربية الماشية" .
من يقرأ رواية "قلب من بنقلان" يسهل عليه ملاحظة أن المؤلف بدا وكأنه يتلذذ بالحديث عن عمان فقد كان يجتهد في إيجاد المداخل المناسبة للحديث عن هذا البلد الأصيل فيتناول جوانب من النظام القبلي الذي ظل يسودها وقبيلة "الأزد" التي استوطنتها وقبيلة "بنو سامة بن لؤي" التي ينسبها النسابون إلى قريش ، ويشير إلى كيفية دخولها الإسلام والذي تم من دون قتال وكيف أنها استقلت في عصر الدولة الأموية فعليا عن الدولة المركزية في دمشق قبل أن تصبح جزءا من دولة الخوارج بعد أن اختارها الخوارج بسبب طبيعتها الجبلية القاسية وما يحيط بتلك الجبال من صحار واسعة "تهزم دائما من يريد قطعها" وبسبب أهميتها التجارية لوقوعها على امتداد سواحل طويلة بالغة الأهمية ، قبل أن تعود إلى حظيرة الدولة الأموية مرة أخرى ولتستمر في هدوئها وخضوعها للحكم المركزي الإسلامي حتى بعد أن سقطت دولة الأمويين وقيام دولة العباسيين على أنقاضها .
عبارة مهمة جديدة عن عمان يضيفها المؤلف ويوردها على شكل معلومة يوفرها لبطلة الرواية فيقول "هذه البلاد كانت حاضرة في ذهن الحاكم الإسلامي مهما تكن صفته ؛ فهي مهمة لطرق التجارة الملاحية ، ولطرق رسو وعبور السفن التجارية ، ومهمة كذلك لكل السلع التجارية الآتية من الشرق إلى الغرب ، إبان الدولة الإسلامية في كل أحقابها .. وحتى بعد انهيار مركزية الحكم الإسلامي"
معلومات كثيرة عن عمان ، كلها مهمة ، أوردها الأمير سيف الإسلام في روايته الشهيرة هذه ، استلها من التاريخ ومما قرأ من كتب عن عمان ، نثرها في ثنايا الرواية بعد أن وفر لها المبررات المنطقية كي لا تبدو مقحمة عليها ، كلها تستحق البحث فيها من قبل العمانيين وخصوصا أبناء الجيل الحاضر والأجيال التالية ومن قبل المعنيين بتاريخ عمان ودورها الحضاري ، فعمان اليوم امتداد لعمان الأمس وقبل الأمس وامتداد لإنجازات لا يمكن للتاريخ أن ينكرها سطرها العمانيون بدمهم وبقدرتهم الفائقة في التعامل مع البيئة ومختلف التطورات .
ليست هذه دعوة لقراءة الرواية التي صدرت طبعتها الأولى في العام 2004 وإن كانت تستحق ذلك ولكنها دعوة لأبناء عمان اليوم ليعرفوا كيف كانت بلادهم ويستشرفوا مستقبلها .
• كاتب بحريني