أزمة سيولة في دول مجلس التعاون

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٥/أكتوبر/٢٠١٦ ١٦:٣٧ م
أزمة سيولة في دول مجلس التعاون

رغم تحسن أسعار النفط العالمية خلال هذه المدة القصيرة، إلا أن المستقبل غامض في تحديد السعر المناسب للنفط سواء للدول المصدرة أو المستهلكة. فالبيانات اليومية لأسواق المال الخليجية، على سبيل المثال، وأسعار العقار وقطاعات أخرى تشير إلى تراجع قيمها في الآونة الأخيرة. واليوم نجد أن هناك مشكلة في أزمة السيولة في دول مجلس التعاون الخليجي. ففي دراسة لأعضاء جمعية المحللين الماليين المعتمدين بدولة الإمارات العربية المتحدة أكدت هذه الدراسة أن تراجع السيولة في بنوك واقتصادات دول المنطقة سيحد من نشاط القطاعين العام والخاص، وهذا ما نشاهده اليوم، في الوقت الذي تتوقع فيه الدراسة أن يكون هناك تحوّلاً في أسواق المديونيات/‏‏ السندات إلى مصدر رئيسي لتمويل احتياجات القطاع الخاص، وتبنّي البنوك لمقاربة أكثر حذراً وزيادتها لأسعار فوائد قروضها.

وقد أشارت هذه الدراسة إلى أن شح السيولة سيواصل فرض تحديات وصعوبات فورية على اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي من خلال استطلاع لآراء حملة شهادات المعهد وأعضائه في الشرق الأوسط، مشيرة إلى أن الأغلبية الساحقة من أعضاء المعهد أكدوا أن انكماش الودائع الحكومية سيؤدي إلى المزيد من الاستقطاعات من مخصصات تمويل مشاريع البنى التحتية لموازنة الإنفاق مع الدخل، وهو ما سيترك آثاراً اقتصادية سلبية على المدى القصير. وجميع هذه الجمعيات التابعة لمعهد المحللين الماليين المعتمدين في دول المنطقة تعتقد بأن تخفيض الإنفاق على مشاريع البنى التحتية سيترك أكبر الأضرار على قطاع الإنشاءات بسبب أزمة السيولة. كما ستواجه شركات القطاع الخاص وبصفة خاصة الشركات الصغيرة والمتوسطة صعوبات أكبر في زيادة رؤوس أموالها نظراً لارتفاع تكلفة الترسمل، في الوقت الذي تتوقع أن تقوم فيه البنوك بعمل انتقائي في أنماط إقراضها. كما ترى نتائج الدراسة إلى أن أسواق السندات ستصبح الخيار التمويلي الأبرز للقطاع الخاص، رغم أن تلك النتائج أقرَّت بأن أسواق السندات في المنطقة ليست متطورة بما فيه الكفاية لكي توفر الاحتياجات التمويلية لاقتصادات دول المنطقة.

إذن فدول مجلس التعاون الخليجي اليوم أمام تحديات وصعوبات مالية ومصرفية وفق هذه الدراسة نتيجة للآثار السلبية الناجمة من انخفاض أسعار النفط والإنفاق الحكومي على الميزانيات العمومية للبنوك وأسعار الأصول والأسهم ونمو الائتمان. وهذا يدعو للقلق في الوقت الذي تؤدي فيه هذه الظروف السائدة في الاقتصاد الكلّي إلى تخفيض عائدات الأسهم بسبب تأثرها بانخفاض أرباح الشركات. ومن المستبعد أن تعود أسعار النفط إلى سابق عهدها في السنوات المقبلة نتيجة لزيادة المعروض من النفط، وعدم وجود بادرة في الأفق باتفاق الدول المنتجة داخل وخارج أوبك على خفض الإنتاج، الأمر الذي يؤكد أن دول المنطقة ستتأثر بفعل هذا التراجع، وتصبح المعدلات المنخفضة المتوقعة للنمو الاقتصادي في دول المنطقة المعيار الجديد في المستقبل. وهذا ما يؤكده رئيس جمعية المحللين الماليين المعتمدين تجاه الموضوع. فهناك اليوم بصيص أمل في هذا الشأن نتيجة للارتفاع البسيط في أسعار النفط التي تتطلب أن تشهد استقرارا لفترات أطول من أجل عملية التخطيط الاقتصادي في المنطقة. فعملية الاستقرار وارتفاع التدفقات النقدية للمستثمرين الدوليين عبر أسواق الائتمان سيوفر لدول المجلس بصيص أمل في تحسُّن أداء الأسواق من خلال تخفيف الصعوبات التي تواجهها الأسواق المالية في المنطقة حالياً. ومن خلال الدراسة يلاحظ أعضاء المعهد المشاركين في الاستبيان أن بنوك بعض دول المجلس تمتلك احتياطيات قوية لتلبية احتياجات الشركات للترسمل ومواجهة الديون المتعثِّرة نظراً للدخل الذي تحصل عليه تلك الدول من صادراتها من السلع الأساسية، موضحة أنه بالرغم من أن بنوك دول المنطقة ستشهد ارتفاعاً في حجم الديون المتعثِّرة، إلا أن معدلاتها منخفضة نسبياً في الوقت الذي تحتفظ فيه تلك البنوك باحتياطيات قوية لمواجهة تلك الديون.

وهناك العديد من النتائج التي خرجت بها هذه الدراسة من خلال الاستبيان، حيث يعتقد 79% من أعضاء المعهد أن تراجع حجم الودائع الحكومية سيؤدي إلى المزيد من تخفيض الإنفاق الحكومي على مشاريع البنى التحتية، وسيترك التراجع في موازنة الإنقاق آثاراً اقتصادية سلبية على المدى القصير، بجانب أن هذا الأمر سيؤدي إلى رفع تكلفة التمويل، وأسعار فوائد الإقراض، الأمر الذي سيؤدي إلى تراجع نشاط القطاع الخاص الخليجي. ومن جملة هذه النتائج هو أن الظروف الراهنة للسيولة ستؤدي إلى ارتفاع حجم الديون المتعثِّرة في بنوك المنطقة، وستكون قطاع الإنشاءات والشركات والصغيرة والمتوسطة أكبر المتضررين من شح السيولة. وقد بدأ المجتمع الخليجي منذ أكثر من سنة يشعر بهذه التأثيرات التي أدت إلى اتخاذ العديد من القرارات الاقتصادية لتمويل العجوزات في الموازنات المالية السنوية لدول المجلس.