مسقط - سعيد الهاشمي
أفادت المديرية العامة للشؤون المناخية بوزارة البيئة والشؤون المناخية بوجود دراسات توضح عددا من التأثيرات السلبية المحتملة للتغيرات المناخية على السلطنة خلال العقود المقبلة، والتي لا تقتصر على الأنواء المناخية الاستثنائية "الأعاصير المدارية"، بل إن هناك تغيرات بطيئة شديدة التأثير على العديد من القطاعات الحيوية مثل الموارد المائية والثروة السمكية والتنوع الأحيائي والإيكولوجي، والفيضانات في المناطق الحضرية، وارتفاع مستوى سطح البحر وتآكل الشواطئ.
مخاطر وتأثيرات
وأكدت وزارة البيئة والشؤون المناخية أنه وعلى الرغم من قلة البيانات والمؤشرات والدراسات العلمية المتكاملة بشأن مخاطر تغير المناخ واستنفاد طبقة الأوزون وتقدير قابلية تضرر القطاعات والأنظمة البيئية والاجتماعية والاقتصادية في السلطنة، إلا أن التقديرات العلمية وفقا للمنهجيات الدولية المعتمدة تشير إلى أن السلطنة ستكون عرضة لمخاطر وتأثيرات تغير المناخ واستنفاد طبقة الأوزون مع قابلية تضرر القطاعات والأنظمة البيئية والاجتماعية والاقتصادية من تلك التأثيرات والتي قد تشمل تأثيرا على بعض النظم البيئية مثل الغطاء النباتي والتنوع الأحيائي وتناقص أشجار القرم والشعاب المرجانية وما يشكله ذلك من تناقص في الثروة السمكية، كما قد تشمل تلك التأثيرات تغيرا في مستوى سقوط الأمطار وما يصاحبها من ازدياد في حدة الجفاف والتصحر، وتقلص الإنتاج الزراعي، بالإضافة إلى التأثير على السكان ومشاريع البنية الأساسية المقامة في المناطق الساحلية بسبب ارتفاع مستوى سطح البحار والمحيطات.
المرئيات الفضائية
وفي نفس السياق أشار الأستاذ المشارك بقسم الآثار بجامعة السلطان قابوس د. محمد بن علي البلوشي إلى أن المرئيات الفضائية التي التقطت للمناطق المختلفة في السلطنة توضح أن المناخات الرطبة سادت في فترات طويلة من تاريخها الجيولوجي، حيث يمكن رؤية ذلك في القنوات والأودية والخوانق المائية والكهوف والتضاريس التي نحتتها المياه عبر الزمن، كذلك فإن دور المياه يظهر بوضوح في المراوح الفيضية الممتدة من سفوح الجبال باتجاه المناطق المنخفضة، ويبرز دور المناخات الرطبة التي سادت السلطنة قديما في السبخات التي تكونت في نهايات الأودية والتي من بين أبرزها سبخة أم السميم التي تمتد لآلاف الكيلومترات المربعة، وقد ساعدت التراكيب الجيولوجية والحركات التكتونية التي تتميز بها جبال عمان كالصدوع على نشوء هذه الظواهر الجيومورفولوجية وامتلائها بالرواسب.
وأضاف البلوشي: لم يكن المناخ في عمان القديمة كما هو عليه الحال اليوم، حيث أثبتت الدراسات الجيولوجية بأن أرض عمان مرت بمناخات مختلفة عبر العصور، وقد تمثل التغيرات التي حدثت في فترة العصر الجيولوجي الرباعي Quaternary وبالتحديد حقبة الهولوسينالتي التي تتمثل في العشرة آلاف سنة الأخيرة التغيرات الأكثر وضوحا، إذ يمكن الحديث عن وجود كميات كبيرة من مياه الأمطار والبحيرات والموارد المائية والغطاء النباتي في المناطق الرملية من عمان كرمال الوهيبة ورمال الربع الخالي عند منتصف تلك الحقبة أي ما بين حوالي 7000 و 5000 سنة قبل الوقت الحاضر، وأنه كان هناك صيادون ولاقطون للقوت يجوبون تلك المناطق، حيث كشفت الدراسات الأثرية عن وجود العديد من الأدوات الحجرية في تلك المناطق التي تعد اليوم صحارى قاحلة لا تتوفر فيها مقومات العيش. كذلك كشفت الدراسات الأثرية التي أجريت في رمال الوهيبة (التي تتميز اليوم بكثبانها الطولية التي تصل إلى 100 كم طولا و100م ارتفاعا) عن وجود العديد من أحافير الفقاريات، وهو ما علل بالتغيرات المناخية التي ساعد على نشوئها تغيرات الرياح الموسمية القادمة من المحيط الهندي خلال النصف الأول من حقبة الهولوسين، كذلك تؤكد الدراسات التي أجريت على بعض أشكال الصواعد والهوابط في كهوف عمان والتي أرخت ما بين عشرة آلاف إلى خمسة آلاف سنة مضت أن معدلات سقوط الأمطار في تلك الفترة كانت كبيرة، ففي دراسة أجريت على التكوينات الكهفية في كهف الهوتة تبين أن بداية حقبة الهولوسين وبالتحديد الفترة من حوالي 9700 سنة وانتهت قبل 6200 سنة قبل الوقت الحاضر كانت رطبة مطيرة. وهكذا يبدو واضحا أن كل هذه الأدلة ترجح وجود فترة مطيرة خلال بدايات حقبة الهولوسين، لكن ذلك المناخ الرطب لم يستمر طوال تلك الحقبة، حيث أشارت بعض الدراسات إلى أن مناخا جافا ساد منتصفها، ثم تلا ذلك فترات رطبة أخرى عند نهايتها (أي ما بين 5000 إلى 4000 سنة من الوقت الحاضر)، وأخيرا تلا ذلك فترة جافة امتدت حتى اليوم.
علماء الآثار
وقال البلوشي: استنادا إلى دراسات المناخ القديم هذه استنتج علماء الآثار بأن الظروف المناخية الملائمة لعبت دورا أساسيا في نشوء بعض أهم الثقافات التي لا تزال آثارها باقية حتى اليوم في عمان، والتي من بين أبرزها الدلائل الأثرية التي تعود لفترتي حفيت وأم النار اللتين سادتا خلال الفترة من نهاية الألف الرابع قبل الميلاد حتى نهاية الألف الثالث قبل الميلاد واللتين تميزتا بنشاط إنساني كبير، ومع نهاية الألف الثالث قبل الميلاد بدأت فترة جافة أخرى امتدت خلال فترة وادي سوق وبقية فترات العصر الحديدي اللاحقة، لكن يتوجب أن نشير هنا إلى أن دراسات المناخ القديم لا تزال محدودة بالرغم من الجهود التي بذلها بعض الباحثين للربط بين الدلائل الأثرية والظروف البيئية والمناخية التي زامنتها. وكما أسلفنا فإنه يمكن القول بأن الفترات الأولى من حقبة الهولوسين الجيولوجية كانت رطبة إلا أنها بدأت في الميل نحو الجفاف وصولا إلى الوقت الحاضر. وقد لعبت الظروف البيئية، والتغيرات المناخية، وتذبذب مستوى سطح البحر دورا كبيرا في تشكيل الثقافات التي تعاقبت على أرض عمان عبر الأزمنة.
مستويات سطح البحر
أكد البلوشي أن الدراسات التي أجريت على المواقع التي تحتفظ بدلائل على تذبذب مستوى سطح البحر قديما في عمان خلال حقب الميوسين والبلايوسين والبلايستوسين والهولوسين الجيولوجية (أي منذ حوالي خمسة ملايين سنة مضت) ساعدت على فهم الكثير من المواقع القديمة في عمان، خصوصا تلك التي كانت تمثل موانئ أو مراكز للتجارة البحرية، فمثلا كشفت الدراسات الأثرية التي أجريت على مواقع رأس الحمرا بالقرم وصحار عن وجود دلائل على تذبذب مستوى سطح البحر قديما. فمثلا تشير دراسة ديورانتي وتوزي التي نشرت في نهاية سبعينيات القرن الفائت إلى أن خط الساحل في منطقة رأس الحمرا تباين ما بين 300م إلى 8م فوق سطح البحر خلال حقبة البلايستوسين وأن جزيرة الفحل كانت في الفترة ما بين 15000 و10000 سنة مضت على بعد حوالي 10 كم من خط الساحل الحالي، وأنها كانت على بعد 5 كم قبل حوالي عشرة آلاف سنة، ووصلت إلى مسافة قريبة جدا من موقعها الحالي قبل حوالي 8000 إلى 9000 سنة، ولذلك يعتقد الباحثان بأن مستوطنات الصيادين الأثرية في رأس الحمراء تأسست عندما كان مستوى سطح البحر أقل بخمسين إلى خمسة وعشرين مترا أسفل المستوى الحالي لسطح البحر.
ظفار وتجارة اللبان
وبالنسبة لظفار قال البلوشي: كشفت نتائج بعثة الآثار الأمريكية بالتعاون مع اللجنة الوطنية للإشراف على الآثار في السلطنة عن نتائج مهمة حول طرق اللبان القديمة بين هذه المنطقة وبقية أجزاء الجزيرة العربية والحضارات القديمة المتاخمة لها كحضارات بلاد الرافدين، حيث استعانت البعثة البحثية بالإشارات التي وردت عن رمال الربع الخالي ومدينة وبار القديمة في كتابات وخرائط العلماء الكلاسيكيون مثل بليني وبطليموس حول اللبان والبخور، بالإضافة إلى الإشارات التي وردت كتابات العلماء العرب كالطبري والهمداني والثعالبي وكذلك العديد من الرحالة الذين قطعوا فيافي الجزيرة العربية ورمالها الممتدة كبيرترام توماس في رحلته الشهيرة عام 1930م. فمثلا يشير ابن المجاور إلى طرق كانت تربط بين ريسوت وبغداد، وبين مرباط وطاقة والكوفة في العراق، وأن هذه الطرق كانت تتفرع منها طرق أخرى باتجاه بعض واحات الجزيرة العربية كالقطيف، وقد عضد الدليل الأثري المكتشف في محافظة ظفار ما ورد في تلك الكتابات، حيث تشير الدراسات إلى اكتشاف علماء الآثار لشواهد تثبت أن تلك الطرق تعود إلى العصر الحجري الحديث (أي منذ حوالي ثمانية آلاف عام)، وأن الظروف كانت مهيأة في ذلك الوقت لتجارة بعيدة المدى للبان. ولإثبات ذلك قام العلماء بدمج المعلومات التي وردت في خريطة بطليموس وتلك التي أشار إليها بيرترامتوماس في كتاباته مع صور التقطت للمنطقة بواسطة الأقمار الصناعية، حيث أمكن رؤية علامات باهتة لطرق قديمة في تلك الصور، وللتأكد منها تم القيام بدراسة ميدانية نتج عنها الكشف عن أكثر من 30 كم من تلك الطرق، بالإضافة إلى جمع الكثير من الأدوات الحجرية.
وأوضح البلوشي أن دراسات التاريخ بالكربون التي أجريت على طبقات البحيرات الموجودة في أطراف الربع الخالي أثبتت وجود فترتين رطبتين أساسيتين خلال فترة العصر الرباعي، الأولى كانت بين 36000 إلى 17000 سنة مضت، والثانية بين 9000 إلى 6000 سنة مضت، وعثر أحد الباحثين على بقايا بحيرة جافة تعود للعصر الرباعي بالقرب من منطقة سيوان في وسط عمان، وعلى حجارة صوانية تعود للعصر الحجري الحديث استخدمها الإنسان عندما كان يجوب تلك المناطق.
واستدرك بأنه يمكن القول بأن تأثيرات المناخ تركت بصماتها على الكثير من المواقع الأثرية في عمان، وأن الكثير من المواقع التي تعد اليوم صحراء قاحلة كانت موائل لكثير من الكائنات في فترات سابقة، وربما ستكشف لنا الدراسات مستقبلا عن وجود مواقع مطمورة أسفل الرمال أو مغمورة بالمياه.
منظور جيولوجي
وحول مقياس الزمن الجيولوجي قال رئيس الجمعية الجيولوجية العمانية د.علي بن إبراهيم الأزكي: يختلف المقياس الزمني الجيولوجي عن ما هو متداول بين الناس، بحيث تعتبر المليون سنة الوحدة المكافئة لليوم الواحد في تسلسل الحياة في عمر الإنسان، وعلى الرغم من ذلك أستطاع الجيولوجيون قياس وحدات أقل من العمر الجيولوجي بحيث تصل إلى آلاف السنين.
وبالنسبة إلى أين يبدأ التأريخ الجيولوجي قال اللزكي: من المعلوم أن العمر الجيولوجي يبدأ صفرا من وقتنا الحالي ويزيد إلى سالف العصور، بحيث أن عصر الأوليجوسين الدافئ بدأ قبل 34 مليون سنة من الآن، ومن المعلوم أيضا أن العصور الجيولوجية التي شهدتها الكرة الأرضية تمثلت بتغيرات مناخية متباينة سجلتها الصخور بالحفاظ على بقيا الكائنات أو أحافرها بأحجامها المختلفة من حيوانات ونباتات كتب لها أن تظهر وتزدهر في فترة من الفترات. امتدت هذه العصور الجيولوجية ملايين السنين ومثال ذلك حقبة العصر الطباشيري (الكريتاشي) والذي اشتهرت بآخر ظهور للدينصورات، بحيث امتد العصر الطباشيري من 145 إلى 65 مليون سنة قبل الآن.
وعن أقصر فترات التغير المناخي والتي تمكن علماء الجيولوجيا من رصدها في بقايا الصخور والتي مكنت علماء الجيولوجيا من فهم التغيرات المناخية في العصر الحاضر، بيّن اللزكي أن أقصر هذه الفترات عرفت بالعصور الجليدية، بحيث يعرف العصر الجليدي بأنه العصر الذي يشتمل على فترات انخفاض لدرجات الحرارة على سطح الكرة الأرضية والغلاف الغازي المحيط بالكرة الأرضية، ما يؤدي إلى تمدد واتساع رقعة المناطق المتجمدة في القطبين والمناطق المرتفعة والشاهقة، الأمر الذي أدى إلى تسميتها بالعصور الجليدية. يمتد متوسط الفترات الجليدية من 100 إلى 125 ألف سنة، تتميز هذه الفترات الجليدية باتساع رقعة الجليد بدأ من قطبي الأرض الشمالي والجنوبي. الأمر الذي يودي إلى انحسار مياه المحيطات، العصر البليستوسيني أكثر العصور الجلدية حداثة، بحيث بدأ قبل مليوني سنة من الآن وامتد إلى ما يقرب 10 آلاف سنة من الآن.
وأضاف اللزكي: توسطت فترات العصور الجليدية فترات طقس دافئة سميت بفترات التراجع الجليدي، امتدت بين 25 إلى 50 ألف سنة، تميزت فترات التراجع الجليدي بجو دافئ تميز بدرجات حرارة عالية مؤدية إلى ذوبان وانحسار الغطاء الثلجي في المناطق القطبية والمرتفعات الشاهقة، مما أدى إلى زيادة منسوب المياه في البحار. يعتبر العصر الجيولوجي الحالي عصر تراجع جليدي أي فترة دافئة، بدأت قبل نحو 20 ألف سنة، يستمر الجدل القائم بين مؤيد ومخالف من أن الإنسان هو "المسؤول الأول عن التسارع في ازدياد درجات الحرارة في الكرة الأرضية"، أدى ارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية إلى ارتفاع لمستوى سطح البحر في الجزر وعلى السواحل. الأمر جعل من احتمال ازدياد مستوى مياه البحر مهددا لملايين من سكان الكرة الأرضية قاطني الجزر والسواحل البحرية.
وعن الكيفية التي استطاع علماء الجيولوجيا الاستدلال على وجود هذه الفترات الجليدية والفترات الدافئة التابعة لها أوضح اللزكي أنه تم الكشف عن هذه الفترات الجليدية من خلال دراسة الترسبات الثلجية المتراكمة في القطب الشمالي، والتي من خلال تحليلها تبين وجود فترات ثلجية اتسمت بسماكة الجليد المتراكم، وفترات أخرى اتسمت بضالة سمك الجليد المترسب.