القيادة.. بالمحبة

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٣/أكتوبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٥ ص
القيادة.. بالمحبة

محمد بن سيف الرحبي
www.facebook.com
msrahby
alrahby@gmail.com

تجاوزاً للفوارق المساقة بين القيادة والإدارة يمكنني القول إن هناك من يحكم بالمحبة، حيث تغدو المشاعر هي الرابط الأوثق بين الحاكم وشعبه، ويمكن الاختلاف على أشياء لا تحصى تتعلق بالتنمية والأداء الإداري والاقتصادي للحكومة، لكن عندما يذكر اسم صاحب الجلالة السلطان قابوس المعظم فإن الكلمات تغدو محبة جميلة، وهي تراه أنه الرهان المؤكد على قدرة البلاد على تجاوز كل الصعاب، مهما بدت، لأنها تجاوزت كل ذلك بهدوء الحكمة وبعد الرؤية.

كان لافتا للآخرين تلك الروح الوطنية العالية في فترة الانتظار لجلالته ليعود من رحلة العلاج، لكنها كانت حالة اعتيادية في النسيج الوطني العماني، كأنما أسرة تنتظر الأب الذاهب ليتشافى من عارض صحي أصابه، وكثير عليها أن يصاب ذلك الجسد بالوهن وقد عهدته الفارس الذي يتولى القيادة بابتسامة شابّة تكتبها ملامح وجهه فتطير على إثرها حمائم سلام في كل أنحاء عمان.

هذه المحبة كانت المؤشر الأجمل في علاقة جلالة السلطان المعظم مع أبناء عمان، وقد وصفهم بالمخلصين والبررة كأجمل تعبير عن هذا الشعور المتنامي بين الحاكم والمحكوم، مؤشر بدأت معطياته منذ اللقاء الأول في يوليو من العام 1970، حيث استقبلت مسقط، كغيرها من حواضر عمان، خبر تسلم جلالته مقاليد الحكم في البلاد، لم تكن تعرفه جيدا، لكن هذه الكيمياء من المحبة العميقة سكنت القلوب لتعرّف الشعب على حاكمه الجديد، موقنة بأن الظلام الذي عانته في ليالي الأمس هناك فجر جاء به «قابوس» سيشرق على عمان وقد وعد بذلك، وقد أوفى الحر بما وعد.
كانت رحلة شاقـــة، لم يتوان فيها القائد عن ملامسة احتياج المواطنين أينما كانوا، عملية بناء تطلبت جهداً، والأهم تلك الوحدة الوطنية التي ما كان لهـــا أن تكـــون لولا إيمان العمانيين، على تنوعهم، ولا أقـــول اختلافهم، قبلياً ومذهبياً، وفيهم قوميات وتوجهات، على قدرة جلالـــة السلطان المعظم على بناء دولة عمادها الأول المحبة، بما تتطلبه المفردة من إخلاص العطاء وبذل الجهد، حيث البيت العماني بحاجة إلى كل قطرة عرق لتخرج البلاد من واقعها البائس إلى دولة عصرية، قوامها العدالة وروح القانون وإيجاد ذلك المزيج الجميل من سائر المكونات، على تنوعها، لتكون عمان، حاصدة لذلك التأسيس (عبر بوابات تلك المحبــة التي أشدد عليها) لما هي عليـــه اليــوم وهـــي تواجه عواصف تداعــــي أبنيــة الآخرين، وقد قامت على التفريـــق الدينـــي والمذهبي، ووصولاً إلى إشكاليات تتعلق بهوية المواطن نفسه، حيث تنقسم المواطنة إلى فئات.
ومع تحديات جديدة، وأخرى مرحّلة كما هي وقائع الاقتصاد وعواصفه، فإن تلك المحبّة ما يعوّل عليه أبناء عمان وهم يعتمدون على الرؤية السامية لعبور السفينة بسلام، كما اعتادت قيادته دائماً، وأن تبدو أضرار الأزمات مجرد سحابات صيف ستنقشع عن مطر يخصب الأرض سلاماً وأماناً، ويجعل عمان كما هي واحة مخضرة رغم غبار الزوابع من حولنا، لأن يد جلالته لم تزرع في الأرض الطيبة إلا بذور المحبة والسلام، وقد عرف طيبها القريب والغريب.