"سوبر مان مناصب" مرة أخرى!

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٣/أكتوبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٠ ص
"سوبر مان مناصب" مرة أخرى!

علي بن راشد المطاعني

في الأيام الماضية تم تداول رسائل مواقع التواصل الاجتماعي حول تولي أحد المسؤولين 8 مناصب كرئيس مجالس إدارة شركات وهيئات، وعضوية مجالس ومراكز وغيرها، وتساءل الكثيرون عن المركزية في تولي الوظائف العامة، وهل هذا المسؤول لديه قدرات خارقة لإدارة العمل في كل هذه القطاعات والمجالات.
بعض المهام والمناصب غريبة عليه بحكم اختصاصه الوظيفي الرئيسي، ومجال دراسته الجامعية وما بعدها، فهي لا تمت بصلة لمستويات العمل التي يتولاها وخبراته، فضلا عن تساؤل مفاده، هل ليست هناك كوادر مؤهلة لتولي زمام هذه الأمور؟، وإلى متى سوف نظل بهذه المركزية التي تدور في أشخاص معينين؟، وخطورة ذلك على تأخير العمل في الأجهزة الحكومية، وانعكاساته على الجوانب الاقتصادية في البلاد، وتساؤلات حمل بعضها سخرية ونكات كما يقال "مزاح وضرب رماح" حول قدرات المسؤول في تغطية كل هذه الجهات، وكيف يقضي وقته بين هذه المناصب إلى غير ذلك من تهكم غير إيجابي، هذه الممارسات ينبغي أن نغير فلسفة العمل بها للعديد من المعطيات التي تستوجبها المرحلة الراهنة على العديد من الأصعدة والمستويات.
فالشارع اليوم يعي كثيرا أن هذه الممارسات خطأ ينبغي الحد منه، وأن المسؤولين أو معظمهم متْخمون بالمسؤوليات، ينبغي التخفيف عنهم، وفي المقابل يرون ضرورة تمكين الشباب العماني المؤهل من المسؤولية في القطاع العام، وضخّ دماء جديدة في شرايين العمل في الأجهزة الحكومية ، وتدرّجه في العمل لاكتساب الخبرات بالممارسة العملية، بدلا من تركز السلطات بهذا الشكل في يد شخص واحد مهما بلغت قدراته وإمكاناته، فيسظل بشرا له قدراته المحدودة كغيره من البشر، ولا يمكن أن يتحمل كل هذه التبعات.
‏قبل خمس سنوات، كتبت مقالا بعنوان "سوبر مان مناصب" في نفس السياق مفاده بأنه من غير المناسب أن يتولى مسؤول العديد من المسؤوليات والمناصب في الدولة تصل إلى تسعة أو عشرة، وذكرت فيه وأقتبس بعضا منه، المشكلة ذاتها تتكرر اليوم دون أي تطوّر في هذا الشأن للأسف، مما يجعل الشارع يضجر من تركز المسؤوليات في مسؤول واحد وهو أمر ينبغي التنبه له ومعالجته وذلك بإعطاء دور للكفاءات العمانية الشابة أن تأخذ مكانها في خدمة وطنها.
إن تكريس المركزية في الإدارة في مسؤول واحد حتى النخاع كما يقال، بحيث يتولى مسؤول واحد 8 مهام مختلفة، وبشكل يفوق طاقته وقدراته، بل ولا تتناسب مع إمكانياته، أمر غريب ويبعث على التساؤل حول ماهية هذه الممارسات وانعكاساتها على مسار العمل.
بل إن التطور الإداري يقتضي عدم تركز المسؤوليات حتى التخمة من المناصب لدى شخص واحد فقط، كأن البلاد عقمت عن أن تلد مسؤولين، أو أن الدولة لا تفرخ قيادات قادرة على إدارة دفة الأمور في العديد من الميادين، رغم أن أبناء الوطن من المتعلمين والمتأهلين والمتدرجين في المسؤوليات ينتظرون أن يأخذوا دورهم في خدمة وطنهم.
وقد حان الوقت أن نرى التجديد، وضخّ دماء جديدة في شرايين أجهزة الدولة، بما يتواكب مع المراحل القادمة من العمل الوطني في البلاد، وتستشرف التطلعات المستقبلية لبناء الغد برؤى أكثر حداثة وديناميكية، تسهم في حلحلة الأمور وتسريع وتيرة العمل، بل ومنح الثقة للكوادر المتأهلة لأن الفرص موجودة للمجيدين، وهذا لا يتأتى إلا من خلال تقنين تركز الاختصاصات في أشخاص بعينهم، وتوفير فرص للمؤهلين من أبنائنا لتولي زمام الأمور كنوع من تمكين الكوادر الشابة من مفاصل العمل وتحميلهم المسؤولية في بناء وطنهم.
إن الإدارة كذلك في مضمونها هي أفكار ومقترحات وحلول، وإذا تعددت الإدارة في مجالات غير متسقة مع بعضها في مجال أو تخصص، فمن الطبيعي أن يتشتت العمل في قطاعات الدولة، ويهرم الأداء ويضعف، ولا يبرح مكانه ويدور على نفسه وكأنه يدور في حلقة مفرغة والخاسر الأكبر هو الوطن للأسف في المقام الأول، وكذلك الأجيال التي تتطلع إلى المستقبل بكل شغف وبالآمال العريضة نحو العمل المتجدد، والإسهام في خدمة وطنها متى سنحت الفرصة لها.
فسلبيات تركز الإدارات في أشخاص محددين كثيرة ومتعددة وقد لا يتسع المجال لذكرها في هذه العجالة، ولعل أخطرها أن تكون كل الأمور مرتبطة بذلك المسؤول وظروفه وارتباطاته وتبقى الأمور المستعجلة معطلة إلى إشعار آخر إلى أن يجد الوقت الكافي ذلك المسؤول.
إن تحديد المسؤوليات وتقاسم السلطات له مكاسب كبيرة تتعلق بتطوير الأداء والعمل والإنجاز والوقوف على ما تحقق وضبط الأمور على نحو يحقق المصلحة العامة، والعكس صحيح بالطبع حين تتركز السلطات في أشخاص بعينهم يكون الأمر من الصعوبة بمكان المتابعة الدقيقة والإشراف والمحاسبة إلى غير ذلك من جوانب تقييم الأداء.
كما أن التخصص في عالم اليوم له أهميته في تطوير العمل وتحسينه للأفضل وهذا لا يتم إلا من خلال الاختصاص في الأمر أكثر من أي شيء آخر، ومنح أشخاص مسؤوليات عدة وهم غير متخصصين فيها له مضار كثيرة وأقلها عدم الدراية بالأمر وعدم القدرة على التمييز، فهل المسؤول صاحب رقم 8 مهام عمل، عارف وقادر على أن يدير أو يسهم بنفس كفاءة مسؤول لديه مسؤولية واحدة.
بالطبع الخبرات يستفاد منها وهي رصيد كبير لأي تطور في أي بلد، لكن الخبرات أيضا لها مجال أو مجالان، وليس مجالات عدة وليس لها باع في كل صغيرة وكبيرة، وليس بالإمكان أن تكون "بتاع كله " حسب قول الإخوة المصريين، وإنما تقنن الأمور وفق الاختصاص وتمكين القدرات والمؤهلين لإدارة العمل في المجالات ذات العلاقة والتخصصية وتحديد فترات زمنية لتولي المسؤوليات إلى غير ذلك من البديهيات التي نحتاج إلى أن تكون في إدارة العمل في بلادنا.
نأمل ألا يكون لدينا مسؤولون حتى آخر رمق في حياتهم ولا يكون لدينا مسؤولون لكل شيء، ولا نرغب أن تكون الأمور متركزة في أشخاص بعينهم وكأنهم ملاك، أو ليس لهم مثيل، والله من وراء القصد.