بوصلة داعش بعد الموصل

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢٠/أكتوبر/٢٠١٦ ٠٤:١٠ ص
بوصلة داعش بعد الموصل

روبرت فيسك

يستعد الجيش السوري وحزب الله وحلفاؤه الإيرانيون لغزو واسع النطاق من قبل الآلاف من مقاتلي داعش الذين سيتم طردهم من العراق بعد تحرير الموصل. ويتشكك الجيش السوري أن الهدف الحقيقي وراء عملية التحرير التي هلل لها كثيرون وتخطط لها الولايات المتحدة أن تتوجه جحافل مقاتلي داعش الى سوريا هربا من عاصمتهم العراقية الى العاصمة الصغرى "الرقة" داخل سوريا.
ولأسابيع ظلت وسائل الإعلام الغربية وخبراء أميركيون يتوقعون معركة على غرار ستالينجراد للإجهاز على تنظيم الدولة في الموصل أو تحقيق نصر سريع على داعش يعقبه معارك طائفية في الموصل. وقد حذرت الأمم المتحدة أن أعدادا ضخمة من اللاجئين سوف يتدفقون من المدينة المحاصرة. إلا أن السوريين، بعد أن شهدوا الإنهيار المفاجئ في تدمر وإخلاءها بعد أن استعاد جيشهم الميدنة السورية القديمة في وقت فائت من هذا العام، يتشككون أن داعش يمكن أن يتخلى ببساطة عن الموصل ويحاول مسلحوه الوصول الى مناطق آمنة في سوريا ما يزال التنظيم يسيطر عليها.
وقد وصلت تقارير بالفعل الى استخبارات الجيش السوري عن مطالب لداعش في بلدات وقرى جنوب الحسكة - المدينة السورية التي تسيطر عليها قوات النظام والأكراد في شمال البلاد – بإمدادات جديدة من الكهرباء والمياه لاستيعاب تدفق مقاتلي التنظيم. وبعبارة أخرى، إذا سقطت الموصل قد ينتقل جيش داعش بأكمله لمواجهة حكومة الأسد وحلفائها، وهو سيناريو قد يسبب بعض الارتياح في واشنطن. فعندما سقطت مدينة الفلوجة العراقية في يد قوات الجيش والميليشيات العراقية في وقت فائت من هذا العام، فر العديد من مقاتلي داعش إلى سوريا. وكان حسن نصر الله زعيم حزب الله ، الذي أرسل آلاف من رجاله للقتال في الحرب ضد داعش، قد أعلن في كلمة له قبل أيام بمناسبة ذكرى عاشوراء أن الأمريكيين ينتوون تكرار مؤامرة الفلوجة عندما فتحوا الطريق لداعش للهروب بإتجاه شرق سوريا. وحذر أن نفس الخطة المخادعة قد يتم تنفيذها في الموصل. وبعبارة أخرى فإن هزيمة داعش في الموصل سيشجع أفراد التنظيم للإتجاه الى الغرب في محاولة لهزيمة نظام الأسد في سوريا.
ولم تجد سلسلة التعليقات التي صدرت من الجنرالات الأميركيين والمصادر العسكرية الأمريكية على مدى الأسابيع القليلة الفائتة في تهدئة هذه الشكوك. وكان قائد القوات الامريكية الجنرال ستيفن تاونسند المعين حديثا في المنطقة قد صرح أن الأمر لا يقتصر على الموصل وحسب بل إن مدينة الرقة السورية أيضا سيتم السيطرة عليها. ولكن من بالضبط الذي يعتقد الجنرال أنه سيقوم بالسيطرة على الرقة؟ الجيش السوري لا يزال ينوي الاستمرار في القتال بإتجاه الرقة من قاعدته في الطريق العسكري دمشق- حلب غرب المدينة بعد محاولة في وقت فائت من هذا العام تم وقفها لأسباب سياسية وليس عسكرية. وعلى ما يبدو فإن روسيا تفضل تركيز قوتها على الميليشيات الأخرى، لا سيما النصرة والقاعدة، والتي تعتبر كل من موسكو ودمشق أنهما أكثر خطورة من داعش.
وقد لاحظ كلاهما كيف أن النصرة – التي غيرت اسمها إلى "جبهة فتح الشام" أملا أن تنأى بنفسها عن جذور تنظيم القاعدة – يشار اليها على نحو متزايد من قبل كل من السياسيين والصحفيين الغربيين بـ "المتمردين"، جنبا إلى جنب مع مجموعة كبيرة من الجماعات المسلحة التي تقاتل النظام السوري. كما نقل عن جنرال أمريكي لم يتم الافصاح عن هويته الشهر الفائت أنه أعرب عن قلقه أن القوى العراقية قد تستولي على بلدة تلعفر على الحدود العراقية السورية من أجل محاصرة مقاتلي داعش داخل العراق، ومن ثم منع هروبهم إلى سوريا. وأفادت تقارير أن داعش قد تخلى عن تلعفر قبل عدة أيام.
وكانت مجلة ميليتاري تايمز الإلكترونية التابعة للجيش الأمريكي قد قالت أن الجنرال تاونسند، الذي لا يوجد معه سوى 5 آلاف جندي أمريكي على الأرض في كل من العراق وأقصى شمال سوريا، عليه أن يطارد داعش إلى سوريا، حيث يوجد للولايات المتحدة عدد من الحلفاء على الأرض، في حين يتحدث تاونسند نفسه عن "معركة طويلة وصعبة" في مدينة الموصل. كما أشار أيضا إلى "حصار" للموصل. وهذا التوقعات المتشائمة لا يصدقها السوريون.
ويستعد جيش النظام السوري – الذي خسر 65 ألف من أفراده في المعركة المستمرة منذ 5 سنوات، وتعرض مؤخرا لقصف من قبل الأميركيين في دير الزور تسبب في سقوط 60 قتيلا على الأقل – لمواجهة تحدي التدفق الهائل من مقاتلي داعش ممن قد يعبرون الحدود بعد انهيار الموصل.
وقد صرح نصر الله أنه إذا لم يهزم داعش على يد العراقيين أنفسهم في الموصل، سيكون على العراقيين – ممن يفترض أنهم من القوى الشعبية الأخرى التي تمثل واحدة من رؤوس الحربة في الجيش الحكومي- سيكون عليهم التزام بالانتقال إلى شرق سوريا لمحاربة التنظيم الارهابي. وبالنظر الى احتمال أن القوات السورية وحلفاءها الروس قد يجدوا أنفسهم مضطرين الى مواجهة داعش، فلا عجب أنهم يحاولون إتمام سيطرتهم على شرق حلب – مهما كان الثمن في الأرواح – قبل سقوط الموصل.

صحفي بريطاني متخصص في شؤون الشرق الاوسط