تراجيديا الحرب في اليمن !

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢٠/أكتوبر/٢٠١٦ ٠٤:١٠ ص
تراجيديا الحرب في اليمن !

علي ناجي الرعوي

للمرة الثالثة ينعقد الاجتماع الرباعي لوزراء خارجية الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات لبحث تطورات الحرب في اليمن..وللمرة الثالثة يرفع اقطاب الدبلوماسية فى الدول الاربع الذين التقوا الاحد الفائت بلندن شعار :(عودة السلام الى اليمن) فى واجهة احاديثهم وتصريحاتهم الاعلامية وبما يوحي للمتابع البسيط ان هذه الدول التى كانت اكثر حماسة لإشعال هذه الحرب نهاية مارس 2015 قد اقتنعت اخيرا بخطأ تقديراتها وإنها بعد كل ذلك الخراب والدمار الذى اصاب اليمن بفعل ويلات هذه الحرب تسعى الى تصحيح ذلك الخطأ عن طريق التدخل الايجابي لانهاء تراجيديا الضياع المتمادي فى ذلك البلد الذى يكاد يغرق بدماء ابنائه.
تحت تأثير هذا الايحاء بدا قطاع واسع من اليمنيين مهيئا لصدور قرار من مجلس الامن ينتهز تداعيات الكارثة الانسانية التى خلفها قصف احدى صالات العزاء بصنعاء يتضمن دعوة ملزمة لكل الاطراف بوقف اطلاق النار وكذا كل اشكال الاعمال العدائية والحربية وحل الصراع فى اليمن عبر الحوار والوسائل السلمية لكن سرعان ما تبدد ذلك الايحاء والتفاؤل فى نفوس البسطاء من اليمنيين الذين انهكتهم ماسى الحرب المجنونة بخروج اجتماع لندن ببيان باهت وعبارات ضبابية لا يفهم منها سوى ان من اجتمع لإنهاء هذه الحرب قد انقسموا بين مؤيد لإيقافها فورا ومنذ اليوم التالى وبين من يدعو الى التريث والإبقاء على الخيارات مفتوحة وربط اى توجه لإخماد النيران المستعرة بتسوية تقوم على المرجعيات التى سبق طرحها فى مفاوضات جنيف والكويت والمتمثلة ببنود المبادرة الخليجية وقرارات مجلس الامن وعلى الاخص القرار 2216 ومخرجات الحوار الوطنى ويستند من يتمسك بهذه المرجعيات الثلاث الى دور المبعوث الاممي اسماعيل ولد الشيخ وقدرته على فرض هذه المرجعيات وإلزام قوى الصراع بها وتحديدا(تحالف صنعاء) الذى يرى ان الكثير مما جاء فى تلك المرجعيات قد تجاوزتها الاحداث و افرازات الحرب.
المؤكد ان الدوافع والأسباب التى كانت حاضرة فى اجتماع لندن الرباعي لم تكن واحدة فهناك مصلحة فرضت على الجانب الامريكي التراجع والتخلى عن خطة كيري التى كان قد اعلن عنها فى اجتماع جده كما ان ذات المصلحة نفسها دفعت بريطانيا الى اعادة النظر فى تقديم مشروع القرار الذى كانت تستعد لطرحه على مجلس الامن من اجل ايقاف دوامة الحرب فى اليمن بشكل نهائي وأمام ارتهان كل طرف لتلك المصلحة كان من الطبيعى ان تتماهى اسباب هذا الطرف مع دوافع الطرف الاخر او العكس لينتهى ذلك الاجتماع باعادة ملف الحرب الى طاولة المبعوث الاممى اسماعيل ولد الشيخ الذى لا شك وانه من اسعدته تلك النتيجة خصوصا وهو من يعمل منذ تعيينه كمبعوث للامين العام للأمم المتحدة على تسويق نفسه من خلال هذا الملف كوسيط ناجح لا تعوزه المهارة والكاريزما السياسية وبالذات وهناك من يشكك بقدراته وكفاءاته ويطرح بان اختياره لهذه المهمة لم يكن موفقا على الاطلاق.
ولأنه لا توجد مسطرة تقيس بها الامم المتحدة عمق الازمات القائمة فى المنطقة العربية ومدى حدتها فليس لديها رؤية واضحة حول الحلول السياسية لهذه الازمات ومن ذلك الازمة اليمنية التى استفحلت وأصبحت عصية على الحل فان الطريقة التى يتعامل بها ولد الشيخ مع الحرب فى اليمن ليست مقيده بقاعدة واضحة يمكن القياس عليها او معرفة مدى نجاعاتها لذلك فبدلا ان يتجه هذا المبعوث الى تركيز جهوده على ايجاد الحل الشامل والمستدام نراه يلجأ الى الحلول المؤقتة والآنية والتى تجلت اخرها بدعوته الى هدنة تستمر ثلاثة ايام قابلة للتمديد تدخل حيز التنفيذ اعتبارا من اليوم الخميس مع انه الذي يعلم تماما ان مثل هذه الهدن لا يمكن ان تؤدى الى وقف الاعمال القتالية او تفضى الى نهاية دائمة للنزاع فى اليمن وان مصير الهدنة الجديدة لن يختلف عن مصير هدنة 10 ابريل التى ما لبثت ان انهارت بعد ساعات من سريانها.
عندما يتحدث ولد الشيخ عن هدنة تم الاتفاق عليها مع كل الاطراف المتصارعة فان السؤال الذى يطرح نفسه بقوة هو: هل الامم المتحدة بوسعها فرض هدنة ومن ثم حل سياسي بعدها ؟ الجواب الواقعي هو (لا) فالأمم المتحدة ليست اللاعب الذى يمسك بالوضع فى اليمن ولا فى غيره من مناطق الصراع وبالتالى فهى من تبدو الطرف الاضعف فى كل الازمات فدورها لا يتعدى دور وظيفي تؤديه لصالح الاطراف الدولية الفاعلة ما يعنى ان اعلان ولد الشيخ لهدنة جديدة انما يندرج فى اطار تنفيذ ما توصل اليه وزراء (الرباعية)فى لندن الذين لم يتفقوا ربما على قواعد التسوية فى اليمن التى من شأنها انهاء الحرب وفتح الباب امام عودة الاستقرار الى هذا البلد الذى يتدحرج شيئا فشيئا نحو الصوملة التى لاتزال مشاهدها ماثلة امامنا.
ولكن لماذا وافقت القوى المتصارعة ومن يقف خلفها على الهدنة حتى دون معرفة تفاصيل فرص نجاحها ؟السبب ببساطة هو ان جميع الفرقاء قد اصابهم الانهاك ولذلك فان كل طرف يجد فى هذه الهدنة استراحة محارب لإعادة ترتيب اوراقة املا فى ان يكون هناك نافذة تسمح له بتغيير المعادلة على الارض وتحقيق انجاز يمكنه من فرض شروطه على الاخر بعد ان تأكد المتصارعون ان قدرة اى منهم على الحسم العسكري تبدو مستحيلة فى ظل ميزان القوى الراهن وحيال هذه المعطيات يصعب القول ان واشنطن حريصة على الاسراع فى ايقاف الحرب فى اليمن كما تشى تصريحات كيري ولن نسال بعد ذلك عن غزل تصريحات الخارجية البريطانية حول السلام في اليمن طالما وان كسبها من هذه الحرب ليس هامشيا وهو الامر الذى ينطبق ايضا على روسيا التى وان ظهرت اكثر انسجاما مع موقف(تحالف صنعاء) فأن مصلحتها تقتضى اطالة امد الحرب فى اليمن حتى تحسم امرها فى سوريا.
لا احد لديه تصور دقيق عن مآلات الصراع فى اليمن والذى لا يمكن فصله عن بقية الصراعات المشتعلة فى المنطقة لكن الواضح حتى اللحظة ان كيري سيستمر فى لقاءاته مع نظرائه فى الرباعية لبحث الازمة اليمنية الى ان يغادر اوباما البيت الابيض ويحل محله الرئيس الجديد ليكشف عن طبيعة موقفه من هذه الحرب وغيرها من الحروب فى المنطقة ما لم تؤدى معادلة الانهاك الجمعى الى اقناع الاطراف الاقليمية التى تستنزف جراء استمرار الحرب فى اليمن بالمفاضلة بين المضى فى تحمل اعباء هذا النزيف وبين التوقف عند نقطة وسط تسمح بتسوية مرضية تحافظ على استقرار اليمن والمنطقة .

كاتب يمني