هل تعبث موسكو بأصوات الامريكيين

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٩/أكتوبر/٢٠١٦ ٢٣:٢٢ م
هل تعبث موسكو بأصوات الامريكيين

جاكسون ديل

في خريف عام 2004 تلقى فلاديمير بوتين ضربة لن ينساها بعد أن أجهضت انتفاضة شعبية الإنتخابات الزائفة للرئاسة الأوكرانية المؤيدة لروسيا التي أشرف عليها بوتين بصورة مباشرة. والانتفاضة التي عرفت فيما بعد "بالثورة البرتقالية" وضعت سابقة لنموذج رفض ومقاومة الإنتخابات المزورة في جميع أنحاء أوراسيا: قيرغستان وروسيا البيضاء وأذربيجان وفي روسيا نفسها عام 2012.
ومع أن معظم الثورات لم تنجح إلا أن بوتين أصيب بهاجس "الثورات الملونة"، وهو على قناعة أنها ليست عفوية ولا يتم تنظيمها محليا، ولكن الولايات المتحدة هي من تقف وراءها بالتدبير، أما احتجاجات موسكو التي جرت قبل أربع سنوات فيعتقد أن هيلاري كلينتون هي التي دبرتها.
وهذا هو السياق الذي يجب أن يفهم من خلاله تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2016. فبوتين يحاول أن يوصل إلى النخبة السياسية الأمريكية ما يعتقد أنه " دواء من نفس الكأس" ، محاولا – بمساعدة ربما غير مقصودة من دونالد ترامب- إشعال ثورة ألوان في الولايات المتحدة. دعونا ننظر إلى الطريقة التي تطورت بها تلك الثورات. في كل مرة كانوا يقومون بتحريض حركة سياسية من الخارج ضد النخب الراسخة التي تسعى الى توظيف الغش والقوة للبقاء في السلطة، وحشدت الأطراف الخارجية أتباعها لجمع أدلة على حدوث التزوير في يوم الانتخابات واجراء استطلاعات للرأي عقب إدلاء الناخبين بأصواتهم وعمل حصر سريع لتقدير مجموع الأصوات التي يمكن أن تتعارض مع النتائج الرسمية. وقاموا بنشر النتائج التي توصلوا إليها من خلال القنوات الفضائية ووسائل الإعلام الأجنبية الأخرى، وعندما كان يتم الإعلان عن فوز حتمي للحزب الحاكم، كانوا يدعون أتباعهم للنزول إلى الشوارع في احتجاجات واسعة أملا أن يؤدي ذلك الى انهيار النظام، أو على الأقل فضح الفوز بانتخابات زائفة.
وبالطبع فالحملة الشعبية لترامب لا تقارن بحركات التمرد المؤيدة للديمقراطية في الأراضي السوفيتية سابقا مثل أوكرانيا وروسيا البيضاء، كما أن إدارة كلينتون المنتظرة لا تقارن بنظام بوتين، بيد أن هدف بوتين الجرئ هو إيجاد حالة توهم أن الأمر كذلك. وكما يقول براين ويتمور المحرر البارز في إذاعة أوروبا الحرة (راديو ليبرتي) أن بوتين يحاول أن يؤسس أن النظام الأمريكي على نفس القدر من السوء والفساد مثل نظامه.
وتمثلت الخطوة الأولى من الحملة في إختراق أجهزة الكمبيوتر الخاصة باللجنة الوطنية الديمقراطية وكبار الشخصيات الحزبية وتوزيع مواد – مع بعض التعديلات أحيانا – تم العبث بها لتظهر تلاعب كلينتون بالنظام، وأن اللجنة الوطنية الديمقراطية تميل ضد بيرني ساندرز الاشتراكي الذي تحول الى ديموقراطي، ولتظهر أيضا أن فريق حملة كلينتون يقوم بعمل حسابات سياسية حول تصريحاتها العلنية. وكان رد ترامب وزمرته بصدمة مصطنعة واتهامات بالفساد.
ثم كانت الاقتراحات أن عملية الاقتراع نفسها يمكن العبث بها، ويحدث هذا على الأرجح من خلال اختراق أنظمة التصويت في أكثر من 20 دولة، بما في ذلك تلك التي تمثل ساحات منافسة محتدمة مثل بنسلفانيا وفلوريدا. وقال بيان مشترك صادر عن وزارة الأمن الداخلي ومكتب مدير الاستخبارات الوطنية أنه من غير المحتمل أن تنجح أي محاولة للعبث بأنظمة التصويت سواء بتغيير الاحصاءات الفعلية للاقتراع أو نتائج الانتخابات. بيد أن تقارير الاختراقات السيبرانية كافية في حد ذاتها للقضاء على الثقة الشعبية وهذا بيت القصيد.
وفي تلك الأثناء يقوم ترامب بدوره، وربما لم يكن ليفعل اكثر من ذلك لخدمة سيناريو الكرملين كما لو كان يقرأ من النص الأصلي، وهو ما يفعله بالضبط في بعض الحالات. ومع تحذيرات ترامب المتكررة ان الانتخابات قد يتم تزويرها، فإنه يجند أنصاره لمراقبة بعض المناطق المحتمل أن يخسر فيها مثل فلادلفيا، كما تخطط الحركة التابعة له "أوقفوا السرقة" لإجراء استطلاعات رأي خاص بها للناخبين عقب الإدلاء بأصواتهم الانتخابية خارج الدوائر الانتخابية الرئيسية، وتقاريرها التي لا تحتمل الشك أنها ستقول بوقوع مخالفات ستوفر لترامب سندا لإدعاء حدوث التزوير.
وهذا، بدوره سيدفع ردود فعل من قبيل ما نسمعه الآن من مؤيديه مثل مسيرة مايك بنس قبل أيام والتي صرحت فيها أنه " إذا فازت كلينتون فأنا مستعدة للثورة بفسي لأننا لن نحتملها هناك" وبعد بث تلك اللحظة لآلاف المرات من المؤكد أن بوتين كان مبتهجا.
ويدرك بوتين أن واشنطن ليست كييف، ومن غير المرجح أن تخرج جموع الغوغاء أمام البيت الأبيض أو الكونجرس، لكن من الممكن إشعال الثورات على الإنترنت، ولنتخيل مثلا عاصفة من المشاركات عبر الإنترنت يعززها أتباع الكرملين وشبكته من القنوات الفضائية ومؤيدي ترامب في قناة فوكس يروجون جميعهم لما يصفه ترامب بأن المؤسسة السياسية قد سرقت الانتخابات لصالح كلينتون.
وبالطبع هذا لا يمكن أن يمنع كلينتون من تسلم موقعها في البيت الأبيض أكثر مما منعت احتجاجات ساحة بولوتانيا في موسكو تنصيب بوتين في عام 2012، إلا أن ولاية كلينتون ستبدأ بشرخ سياسي داخلي وخارجي، وسيكون بوتين قد حصل على مراده ، أما ترامب فسيثبت أنه الأحمق الأكثر فائدة.

نائب محرر صفحة الآراء بصحيفة واشنطن بوست