التجارة تصنع السلام

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢٠/أكتوبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٥ ص
التجارة تصنع السلام

جون كاسيش

هل مازال لدى الولايات المتحدة القدرة – أو الإرادة – لأن تكون هي رائدة العالم بلا منازع، وهو الدور الذي تضطلع به منذ الحرب العالمية الثانية؟ هذا سؤال ينتظر الإجابة عليه قريبا من أعضاء الكونجرس عندما يعتمدون أو يرفضون مبادرة تعطي الولايات المتحدة وصولا واسع النطاق إلى إحدى عشرة دولة تمثل أكثر من ربع تجارة العالم، وفي نفس الوقت تمهد الطريق أمام العمال والشركات الأمريكية.
إن كيفية تصويت أعضاء الكونجرس على اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ ستؤثر على مسار الأمن والازدهار والنفوذ العالمي للولايات المتحدة لبقية القرن الحادي والعشرين وتحدد ما إن كنا سنتقدم للأمام أو نتراجع عن دورنا القيادي في وقت يموج العالم فيه بالاضطراب وعدم اليقين.
بالنسبة لي، الاتجاه المنطقي الوحيد هو للأمام، لأن التجارة هي أساس بناء السلام. واتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ لن تقتصر على تعزيز السلام والاستقرار في منطقة آسيا والمحيط الهادئ بل ستساعد أيضا على الحفاظ على القوة الأساسية للولايات المتحدة في هذا النصف من الكرة الأرضية في وقت يزداد فيه تأكيد كل من الصين وروسيا لوجودهما.
منذ الحرب العالمية الثانية، ظلت الولايات المتحدة تحافظ على ريادتها العالمية من خلال بناء التحالفات التي ساعدتنا على الوفاء بأهم مسؤولياتنا – حماية الأمريكيين عسكريا واقتصاديا – ثم تقاسم تلك المسؤوليات والحماية مع الدول الديمقراطية الحليفة لنا. لقد كان "زعيمة العالم الحر" أكثر من مجرد شعار وضعناه بفخر على صدورنا أثناء الحرب الباردة وما بعدها؛ لقد كان تعهدا لدول العالم الديمقراطية والشعوب المضطهدة على حد سواء بأن الولايات المتحدة لن تخذلهم أبدا.
هذا هو السبب في أن موافقة الكونجرس على اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ ضرورية لاستمرار ريادة الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم، فضلا عن أمنها الداخلي.
لا تنخدع بالحديث الانقسامي في الحملة الرئاسية الذي مفاده أن اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ ما هي إلا جدل حول التجارة. إن هذه الاتفاقية في صميمها تعنى بضمان استمرار الولايات المتحدة في تقوية تحالفاتها الأساسية واستعدادها للحفاظ على مكانتها باعتبارها الرائدة عالميا – وهو الأمر الذي قمنا به على مدى أكثر من نصف قرن.
في حين أن الصين وروسيا – ودول خطيرة أخرى مثل كوريا الشمالية وإيران – تمارس الخداع من أجل مناورة الجميع وكسب نفوذ وهيمنة لمخططاتها العالمية، هناك دول مستقلة سريعة النمو تتطلع إلى الشراكة مع الولايات المتحدة، وبالتالي تجلب قيمها الاستراتيجية والاقتصادية والسياسية لتتماشى مع قيمنا الاستراتيجية والاقتصادية والسياسية. وتبدأ هذه القائمة بالشركاء الأساسيين في اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ، ولكن هناك ما لا يقل عن عشر اقتصادات أخرى أعربت عن رغبتها في الانضمام.
إن آخر شيء نحتاج إليه هو أن تعتقد هذه الأسواق المزدهرة أنها لا يمكنها الاعتماد على دعم الولايات المتحدة، مما يدفعهم الى إرساء علاقات اقتصادية وجيوسياسية مع الصين أو روسيا بدلا منا. وفي حالة تقاعسنا وفقدان العزيمة، فإن الولايات المتحدة ستسلم القيادة العالمية لأكثر منافسينا عدوانية: فلاديمير بوتين وشي جين بينج.
ولهذا السبب تتمتع اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ بدعم كامل من أكثر قادة الأمن القومي في أمريكا احتراما، بما فيهم وزراء الدفاع السابقين روبرت جيتس وليون بانيتا ودونالد رامسفيلد، ووزراء الخارجية السابقين كولين باول ومادلين أولبرايت وجيمس بيكر.
إن هؤلاء جميعا يرددون صدى موقف الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان، الذي كان على حق عندما قال: "كلما كان تدفق التجارة العالمية أكثر حرية، كلما زادت قوة موجات التقدم والسلام البشري بين الأمم". لقد كان ريجان يعلم أنه عندما يتاجر الناس مع بعضهم البعض، فإن ذلك يربطهم معا ويعزز السلام.
وأنا كحاكم وعضو اسبق في الكونجرس عملت على مدى 18 عاما في لجنة الخدمات المسلحة بمجلس النواب، فأنا على قناعة تامة بأن اتفاقية التجارة عبر المحيط الهادئ ستقوي هذه التحالفات وتساعد على تحقيق السلام والتقدم الذي تحدث عنه ريجان وحققه من خلال إصراره على ريادة وعزيمة الولايات المتحدة.
إننا لا نستطيع أن ندير ظهورنا لهذا الميراث ولا أن نتخلى عن هذه الفرصة، لأن توسيع التجارة يعني أكثر من مجرد نمو اقتصادنا؛ فهو يعني أيضا ضمان أمننا القومي وتأكيد إرادة الولايات المتحدة للوقوف شامخة أمام من يريدنا بسوء.
لقد مر أكثر من 250 يوما منذ أن اجتمعت هذه الدول الاثنى عشرة للتوقيع على اتفاقية التجارة عبر المحيط الهادئ. ومع مرور كل يوم جديد، يجب علينا أن يقلقنا أن شكوك العالم تزداد قوة بشأن رغبة الولايات المتحدة وقدرتها على مواصلة دورها التاريخي. لقد حان الوقت لأعضاء الكونجرس لأن ينحوا السياسات الحزبية جانبا ويحلوا خلافاتهم ويصادقوا على هذه الاتفاقية. إن مصادقتهم سترسل رسالة إلى العالم مفادها أننا مازلنا نحن قادة العالم، اليوم وإلى الأبد.

حاكم ولاية أوهايو الأمريكية.