الأزمة المالية الثانية

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢٠/أكتوبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٥ ص
الأزمة المالية الثانية

روبرت صامويلسون

في الوقت الذي ينصب فيه تركيز الجميع على الانتخابات الأمريكية، هناك تطورات تحدث في الاقتصاد العالمي تهدد بايجاد مشاكل كبيرة للرئيس الأمريكي المقبل، وربما تؤدي إلى أزمة مالية كبيرة. هناك دراسة لا ينتبه إليها كثيرون صادرة عن صندوق النقد الدولي ترسل لنا أخبارا سيئة. تقول هذه الدراسة إن الدين العالمي – ويشمل ديون الحكومات والأسر والشركات غير المالية – بلغ 152 تريليون دولار في عام 2015، وهو مبلغ أعلى كثيرا مما كان عليه قبل الأزمة المالية عام 2008-2009.
والأمر المقلق في هذا الشأن هو أن الانتعاش الاقتصادي العالمي قد تحمل "تخفيضا للديون" على نطاق واسع – سداد الديون من قبل الشركات والأسر. في البداية، هكذا تقول النظرية، هذه السدادات من شأنها أن تؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد. فلكي تخفض من ديونها، ستقلل الأسر من استهلاكها وستخفض الشركات من استثماراتها. ولكن بمجرد أن تتراجع الديون إلى مستويات يمكن التحكم فيها، سيعود الإنفاق الاستهلاكي وإنفاق الشركات مرة أخرى إلى وضعه، وسيتسارع الاقتصاد.
وقد حدث ذلك. ففي ظل استثناءات قليلة، حدث بعض تخفيض الديون، كما يبين صندوق النقد الدولي. أحد الاستثناءات هو الولايات المتحدة، حيث كان هناك تخفيض للديون بين الأسر. ولكن بشكل عام، العكس تماما هو الذي حدث. فقد أصبحت العديد من الدول أكثر مديونية. وعلى أساس عالمي، الدين البالغ 152 تريليون دولار (مرة أخرى: خاص وحكومي معا) زاد من 112 تريليون دولار عام 2007، قبل الأزمة المالية، ومن 67 تريليون دولار عام 2002.
يذكر أن اقتصاد ما قبل الأزمة كان يعتمد على النمو القائم على الديون. وقد كان بمقدور الناس والشركات إنفاق الكثير، لأنها قد اقترضوا الكثير. وهذا لم يكن ينطبق فقط في الولايات المتحدة صاحبة فقاعة الإسكان؛ بل إن الاقتراض هو الذي كان يمول ازدهار الإسكان في أوروبا (أسبانيا وبريطانيا) والسلع الاستهلاكية والاستثمارات في المصانع والآلات. وقد لعب الدين الحكومية دورا كبيرا منذ بداية الأزمة، ولكن الدين الخاص – الاقتراض من قبل الشركات والأفراد – يمثل ثلثي جميع الديون.
بيد أن النمو القائم على الدين له حدود. فكلما زاد الاقتراض، زاد احتمال أن ينسحب المقترضين أو المقرضين – أو كلاهما – مما يزيد من تقويض النمو الاقتصادي. وتخشى دراسة صندوق النقد الدولي من "ردود فعل الحلقة المفرغة": الديون المرتفعة تثبط المزيد من الاقتراض. وعندئذ فإن الاقتصاد المتباطئ يجعل من الصعب سداد الديون. ويصبح تخفيض الديون في وضع حرج. هذه معضلة منتشرة. فالدين الخاص "مرتفع ليس فقط بين الاقتصادات المتقدمة" بل أيضا في العديد من بلدان الأسواق الناشئة (الصين والبرازيل).
هذه المخاوف قد تكون مبالغ فيها بطبيعة الحال. يشير الخبير الاقتصادي وليام كلاين من معهد بيترسون للاقتصاد الدولي إلى أنه على الرغم من ارتفاع الديون، فإن أسعار الفائدة منخفضة. وما يهم المقترضين هو مدى سهولة قيامهم بخدمة قروضهم عن طريق دفع الفائدة، وأسعار الفائدة المنخفضة تساعد على ذلك بالطبع. يقول كلاين: "مقارنة بأوائل ثمانينيات القرن الفائت، عندما كانت أسعار الفائدة مرتفعة جدا، قد يكون هناك مساحة أكبر لمستويات مرتفعة من الدين".
هناك تقرير من وكالة تصنيف السندات "موديز" يطرح فكرة مماثلة عن الشركات. يقول التقرير: طمثل أصحاب المنازل، تستطيع الشركات تحمل قرض أكبر بأسعار منخفضة. وبما أن أسواق الدين تفيض بالسيولة النقدية، فإن قليلا من المقترضين هم من يتعرضون للرفض". والنقدية الإضافية قد تكون بمثابة وسادة ملطفة ضد الأزمات المستقبلية.
وأيضا لا توجد هناك عتبة سحرية تصبح ديون دولة ما بعدها غير مستدامة تلقائيا. فهذا يعتمد على الدولة وعلى الظروف. فقد بلغت ديون اليابان الخاصة والحكومية نسبة 416% من اقتصادها (الناتج المحلي الإجمالي لها) في عام 2015، وهو مستوى أعلى بمقدار الثلثين من مستوى الولايات المتحدة، ومع ذلك لم تسبب ديون اليابان أزمة مالية لها.
ربما يمكن للمجتمعات أن تعمل مع مستويات الديون التي كانت تعتبر قبل ذلك غير حكيمة. أو ربما يثبت مثل هذا الدين، كما هو الحال مع فقاة الإسكان في الولايات المتحدة، أنه سراب ينفجر بشكل مدمر. إن ما يسمى "تراكم الديون" يعمل سلفا كعبء على الاقتصاد العالمي، كما يقول هونج تران من معهد التمويل الدولي. وهناك أدلة كثيرة تؤيد وجهة نظره.
هل أو كيف قد يصبح هذا أزمة كاملة، فهذا أمر غير مؤكد. يقول الاقتصادي ديزموند لاشمان من معهد أمريكان إنتربرايز، وهو مؤسسة بحثية أخرى، إن الدين الخاص للشركات والأسر في الصين قد تضخم أسرع من فقاعة الإسكان بالولايات المتحدة. "لقد ظلت الصين محركا للنمو العالمي ولكنها الآن تتعثر". وما يقلق بنك التسويات الدولية في سويسرا أن بعض الشركات في الأسواق الناشئة لن تقوم بسداد قروضها التي اقترضتها بالدولار.
لزيادة النمو الاقتصادي، يدعو بعض الاقتصاديين إلى المزيد من الإنفاق على "البنية الأساسية" للطرق والموانئ من قبل الدول التي مازالت تستطيع الاقتراض. وهذا قد يساعد، ولكن القليل من العمليات الحسابية تشير إلى أن الإمكانيات محدودة. لقد بلغ حجم الاقتصاد العالمي نحو 75 ترليون دولار. وإحداث نمو بمقدار نقطة مئوية واحدة فقط سيتطلب إنفاقا سنويا إضافيا بمقدار 750 بليون دولار. فهل يبدو هذا أمر محتمل حدوثه؟
لن يستطيع الرئيس المقبل أن يفلت من هذه القضايا. فمقارنة مع العديد من الدول، تجاوزت الولايات المتحدة الكساد الكبير في وضع جيد نسبيا. ولكننا حتما نتأثر بالاقتصاد العالمي الأوسع. والتأخير في تخفيض الديون يشير إلى تباطؤ الاقتصاد العالمي وإلى ردود فعل سياسية عنيفة مستمرة ضد التجارة والاستثمار العالميين.

كاتب عمود متخصص في الشأن الاقتصادي في صحيفة واشنطن بوست