حل أزمة أوروبا المصرفية في إيطاليا

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢٠/أكتوبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٥ ص
حل أزمة أوروبا المصرفية في إيطاليا

لوكريتشيا رايكلين

لقد أصبح القطاع المصرفي الأوروبي مُعَطَّلا ومفتتا للغاية. ورغم أن مشاكله أكثر حِدة بالنسبة لبعض الدول والمؤسسات المالية، يعمل القطاع على مستوى من الربحية أدنى في المتوسط من تكاليف حقوق الملكية، ويحتفظ بمخزون من القروض المتعثرة وأصول يصعب تقييمها وضخمة بالقدر الكافي لتقويض قيمتها السوقية لسنوات قادمة.
وتُعَد إيطاليا مثالا واضحا هنا. فقطاعها المصرفي المختل لا يقوض التعافي الاقتصادي ويثبط الاستثمار فحسب؛ بل وتمثل المتاعب التي تواجه القطاع أيضا الطرف الحاد من مشكلة تؤثر على منطقة اليورو بالكامل.
بحلول ربيع عام 2012، بات من الواضح أن النظام المصرفي الأوروبي يشكل نقطة الضعف الحرجة في الهندسة المعمارية لليورو. وكان من المفهوم أن الإشراف المصرفي المشترك، وإطار الحل المركزي، ونظام ضمان الودائع المتبادل، من الركائز الضرورية لمنطقة اليورو. كما كان من المتصور أن هذه التدابير من شأنها أن تساعد في الأمد القريب في التعجيل بإصلاح البنوك، وأنها قادرة على إنهاء التفتت المالي، وضمان تكافؤ الفرص، والحد من مخاطر الأزمات المصرفية في المستقبل، وفي نهاية المطاف احتواء وتقاسم تكاليف الإخفاقات المصرفية.
ولكن الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة. والاتحاد المصرفي الأوروبي في حالته الراهنة، ليس ناقصا فحسب؛ بل إن العيوب التي تشوب تصميمه تشكل مصدرا لحالة من التراخي وعدم الاستقرار أسوأ من تلك الناجمة عن العِلل التي كان الغرض منه علاجها.
لم يُظهِر نظام ضمان الودائع على سبيل المثال أي علامة على التقدم، ولا تُفضي المناقشات الدائرة حول صندوق الحل المشترك، وافتقاره إلى الدعم العام لتمكينه من التعامل مع الضائقة المصرفية الواسعة النطاق، إلى أي شيء. وأخيرا، جرى فرض قواعد إشراك الدائنين في الخسارة قبل أن تتمكن البنوك من إصدار القدر الكافي من الديون وفقا لهذه القواعد.
ومن الممكن معالجة هذه المشاكل ــ بل ينبغي علاجها ــ بمرور الوقت. ولكن هناك مشاكل أكثر إزعاجا تعيب الأساس المفاهيمي للاتحاد المصرفي ذاته، وخاصة في ما يتصل بإطار الحل.
منذ العام 2007، قدمت دول الاتحاد الأوروبي ما يزيد على 675 بليون يورو (757 بليون دولار أميركي) في هيئة رؤوس أموال وقروض قابلة للسداد ونحو 1.3 تريليون يورو في هيئة ضمانات للمؤسسات المالية التي تمر بضائقة، وبهذا تصبح الرغبة في الحد من عمليات الإنقاذ مفهومة. ويصبح هذا التخوف أكثر مشروعية لأن كل عمليات الإنقاذ كانت تعمل غالبا على إعاقة عمليات إعادة الهيكلة، والحل، وتقليص العجز للحفاظ على المصالح والممارسات المصرفية القائمة، وبالتالي تأخير الإصلاح الضروري لدفاتر الموازنات وتحويل النظام المصرفي الأوروبي إلى كيان ميت حي.
من المؤكد أن الخبرة الدولية تُظهِر أن الموارد العامة تكون ضرورية أحيانا للحد من التكاليف والتعجيل بتقليص العجز. ولكن منطق التدخل المعزول يتجاهل ترابط النظام، حيث تتسبب أي ضائقة تمر بها مؤسسة كبيرة غالبا في خلق تأثيرات جانبية تعمل على تغذية التكالب على استرداد الودائع على نحو يؤدي إلى زعزعة استقرار النظام بأسره. ولهذا السبب كانت التدخلات الناجحة في أسبانيا وأيرلندا شاملة، كما تطلبت كميات ضخمة من الموارد الوطنية والأوروبية لإنشاء "بنك الديون الرديئة" وضمان فرز الأصول على نطاق المنظومة بالكامل لاحقا، وإعادة الرسملة، وتقليص العجز.
ورغم أن الطبيعة الشاملة لهذه البرامج تفسر نجاحاتها، فلا التعافي المصرفي وتوجيهات الحل ولا مجلس الحل الموحد مصمم لوضع مثل هذه الاستجابات الجهازية في محلها. والواقع أن مجلس الحل الموحد يفتقر إلى السلطة التنفيذية اللازمة لتنفيذ قراراته، والتي تتولى تنفيذها السلطات الوطنية. وهو يفتقر أيضا إلى القدرة على ضمان اقتران قرارات الحل المصرفية بخطوات وقائية ضرورية في بقية النظام المصرفي.
باختصار، صادَرَ إطار الحل المصرفي الأوروبي أدوات التدخل من قِبَل السطات الوطنية (وهو التصرف السليم الواجب)، من دون إعادة إنشائها على المستوى الأوروبي. ونتيجة لهذا، لم تعد الحكومات الوطنية ولا السلطات الأوروبية مخولة بالتصرف.
ولا يترك هذا للسلطات الإيطالية سوى مجموعة محدودة من الخيارات. ومن شأن تدابير الإنقاذ الأحادية الجانب أن تضغط على الاتحاد المصرفي، وأن تُجهِد الموارد المالية العامة، وتترك النظام المصرفي الإيطالي مع ضعفه البنيوي. وبوسعها أيضا كبديل أن تحافظ على النهج التدريجي الحالي، والذي تعهد فعليا في الأساس بكميات صغيرة من الموارد العامة وألزم البنوك الأكثر قوة بدعم البنوك الأضعف. ولكن هذه الاستراتيجية لن تصلح مع المؤسسات الكبيرة.
يتمثل خيار ثالث في مواجهة أوجه القصور التي تعيب النظام المصرفي الأوروبي من خلال وضع خطة شاملة لإعادة هيكلة ورسملة وتقليص عجز النظام المصرفي الإيطالي، وبالتالي إنهاء عقود من سوء الإدارة والممارسات الإشرافية الرديئة.
يتطلب هذا النهج الجديد أولا زيادة كبيرة في حجم أتلانتي (الصندوق المخصص لإعادة رسملة البنوك الإيطالية الأكثر ضعفا)، لتمكينه من الاضطلاع بالدور المعتاد المتمثل في فرز أصول "بنك الديون الرديئة" للقطاع المصرفي بالكامل. ومن الممكن أن تصبح الحاجة إلى المزيد من الموارد العامة الإيطالية مقبولة إذا لعبت هيئة المنافسة التابعة للمفوضية الأوروبية دورا في حوكمة أتلانتي.
ثانيا، بمجرد تحررها من قروضها المتعثرة، سوف تكون البنوك في احتياج إلى إجراء عمليات إعادة رسملة وقائية، بما في ذلك إشراك حاملي السندات الثانوية في الخسارة والتعويض الفوري لصغار المستثمرين. وبعد هذا، ينبغي لكل البنوك أن تحصل على جدول زمني محكم لجمع رأس المال من القطاع الخاص، وفقا لتعليمات هيئة إشرافية موحدة، بالمستويات الكافية لخلق احتياطي كاف لضمان قدرتها على البقاء؛ ولابد من حل البنوك التي تفشل في تلبية هذا الجدول الزمني.

مديرة الأبحاث لدى البنك المركزي الأوروبي سابقا، وأستاذة الاقتصاد في كلية لندن لإدارة الأعمال.