لميس ضيف
lameesdhaif@gmail.com
عندما تطأ قدماك أية دولة عربية فإن كل ما تسمعه هو التبرم والتذمر: من الأسعار، من الخدمات، من المواصلات، من الرشاوى، من السرقات ومن الفساد ومن جحافل المشكلات التي تجتاح مجتمعاتنا كالنمل الأبيض وتنخر أساسه.
وعندما تقضي في تلك الدولة أياماً، سرعان ما تصطدم بطباع أهلها، فصغار التجار قبل كبارهم يضاربون في الأسعار، ويغلطون في الحساب، ويطففون في الكيل، وهم -بصرف النظر عن فساد الذمة- ليسوا أفراداً مثمرين، فإن ذهبت لاستخراج بطاقة هاتف «وهو شيء بسيط» ستجد 10 موظفين في محل واحد وسيستعين أحدهم بالآخر لإنجاز أمر يستغرق في العادة 5 دقائق ولكنه يستغرق عندهم ثلاثة أضعاف الوقت لأنهم أساساً لا يحترمون الوقت ولا يقيمون له وزناً في كل مناحي حياتهم!
في المستشفيات - بما فيها الخاصة - يُقال لك إن الطبيب سيبدأ عمله في الخامسة مساء ولكنه لا يصل إلا بُعيد السادسة غير آبه بمرضاه فتزحف المواعيد على بعضها وتعم الفوضى!
أترك كل تلك الأمور وأنظر للطريقة التي يتعاملون بها مع أطفال الشوارع أو الشحاذين.. منتهى القسوة والبشاعة! من المألوف عندهم أن ترى رجلاً يصفع طفلاً في السابعة لأنه ألح عليه أن يشتري منه محارم ورقية! أو ترى آخر يدفع طفلة من ظهرها بقسوة لأنها جاءت تطلب منه حسنة وهو يشرب الشيشة في أغلى المقاهي!
نعم بعض هؤلاء الأطفال يُدارون من قبل عصابات التسول.. ولكن بعضهم جياع رمتهم الحياة القاسية لخيار أكثر قسوة فإن لم تُحسن لهم وتساعدهم فلا داعي لزجرهم ونهرهم وضربهم في تحد للنهي القرآني وضرب للقيم الإنسانية.
لذا لا نبالغ إذا ما قلنا إن «بعض» مصائب الدول، بما فيها تسلط المتجبرين عليها، ما هي إلا عقاب إلهي لأهلها على سوء خلقهم وسريرتهم.
في طريقي للمطار الذي استغرق ساعة، لم يترك السائق عبارة تذمر إلا وقالها عن الوضع القاسي وسوء المعيشة بل والقبضة الأمنية الخانقة، فقلت له بعد أن ضجرت من سماع التبرم «إن كنت نصاباً، فاسداً، غير فعال في عملك، لا إنتاجية لك ولا تعمل بضمير، والأسوأ من ذلك إن كان قلبك خالياً من الرحمة على الصغير والفقير، تظلم زوجتك، تؤذي جارك، ولا يسلم من لسانك حتى العابرون في الشارع، فلم تتوقع أن يحكمك ملاك! أني لأرى هذه الإدارة بنت هذا المجتمع وليس العكس».
صمت السائق صمت القبور إلا من تكرار كلمة «صحيح»، ولم ينطق بعدها خلال الزمن المتبقي من الرحلة، وعندما وصلنا لوجهتنا غالطني في الحساب وأخذ ضعف حقه (!!!) ولكنني تجاوزت الأمر، ولماذا؟ لأن ذلك طبع تأصل فيهم وغلب التطبع وله كلفة يدفعونها بسخاء كل يوم.