أديتيا شوكرابورتي
يذكرنا انهيار الجنيه الاسترليني بالخطر الذي حذّر منه كثيرون لسنوات وهو تراجع ثقل بريطانيا الاقتصادي على الصعيد العالمي، فهي تشتري سلعا وخدمات من البلدان الأخرى أكبر بكثير مما تصدّره اليهم. وهذا العجز يقوم في مجمله على ما أطلق عليه ماك كارني محافظ البنك المركزي البريطاني «حسن ظن الأجانب» وهو أمر جيد طالما أن هؤلاء الأجانب يعتبرون أن لندن ملاذا آمنا لنقودهم. بيدَ أننا يجب ألا نتعامل مع هذا الآن على أنه حقيقة مسَلّم بها في الوقت الذي توشك فيه بريطانيا على أن تأخذ خطوة سياسية واقتصادية ضخمة إلى منطقة مظلمة، بينما نجد الجنيه الاسترليني يتهاوى إلى انخفاض فاق ما شهدته عملة الأرجنتين.
ويقولون لنا إن ضعف العملة البريطانية أمر جيد للغاية للمصدّرين المحليين، فهو يجعل سلعهم أرخص كثيرا ومن ثم تتزايد فرص منافستها في الخارج. وهذا وإن كان أمر حقيقيا إلا أنه في جوهره تضخيم للقطاع الصناعي الهزيل في المملكة المتحدة بعد 30 عاما من ثورة تاتشر. فألمانيا مثلا لديها سيارات بي ام دبليو وبوش ومرسيدس، فماذا عن بريطانيا؟ جي اي سي، آي سي آي والباقي جميعه أفلس وتم بيعه منذ سنوات، ما يعني أن رولز رويس هي الشركة الوحيدة عالية التقنية على المستوى العالمي التي تقدم منتجا نهائيا عالي القيمة في هذا البلد.
والشركات الأخرى ما تزال تعمل في بريطانيا، لكنها تقوم عادة بتجميع المكونات في أماكن أخرى. وهذا ينطبق على صناعة السيارات في بريطانيا وعلى جيه سي بي، الشركة التي يفضل ديفيد كاميرون الترويج لها في الهند والصين. ولنذكر أنه في عام 1979 كان 96 % من حفارات جيه سي بي يتم تصنيعها داخل المملكة المتحدة وبحلول عام 2010 انخفضت هذه النسبة إلى 36 %.
ومثال آخـــر على توجهات الإنفاق، نجد أن النرويج مثلا استخدمت أموال النفط لبناء أكبر صندوق للثروة السيادية في العالم، والذي يبلغ قيمته الآن 881 بليون دولار، في حين أنفقت بريطانيا أموالها على التخفيضات الضريبية. ومن القطارات إلى الطاقة شهدت الكثير من مرافقها إعادة تأميم ناجحة فيما عدا شيء واحد مهم وهو أن المالكين أصبحوا بلدانا أخرى.
والشيء الذي سيحققه ضعف الجنيه الاسترليني في المقام الأول هو أنه سيحد من إنفاق البريطانيين، فالطبقات الوسطى ستستبدل منتجات العلامات التجارية مرتفعة الثمن بأخرى متوسطة، في حين أن الطبقة العاملة ربما لا تستطيع أن تواكب زيادة الـ 15 % في متاجر التجزئة الشعبية.
والزيادة الناتجة في التضخم ستضر بالفعل بهؤلاء الذين يعتمدون على الإعانات التي تقدم تحت مسميات للأطفال والإعفاءات الضريبية وبدلات البحث عن عمل والتي تم تجميدها من قبل جورج أوزبورن. ووفقا لأرقام دراسة من قبل مؤسسة ريزوليوشن فالأسرة التي تضم زوجين يعمل الزوج بدوام كامل والزوجة بنصف دوام أو أعلى قليلا من معدلات الحد الأدنى للأجور ولهما طفلان سيفقدان بحلول عام 2020 ما مجموعه 720 جنيه استرليني، حيث ستذهب نصف تلك القيمة في انخفاض الأجور والنصف الآخر جراء قطع الإعانات.
ولنتأمل هذه الحقائق: بريطانيا تفتقد إلى قطاع صناعي كبير ويفوق ما تستورده من الخارج ما تقوم بتصديره، في الوقت الذي نشأ فيه جيلان على أن الأجور لا تكفي الاحتياجات ومن ثم يجب اللجوء إلى الائتمان. ومع تلاشي وعود المدافعين عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وأن الناس قد أصبحوا أكثر فقرا بينما يتدنى النموذج الاستهلاكي، فمن الذي سيدفع الثمن؟
الجواب: أعتقـــد أنني شاهدته في عرض أقيم في برمينجهام قبل أيام، فمع خروج بريطانيـــا لن يبقى أمام اليمين سوى الحديث عن موضوعات مثل ارتداء النســــاء المسلمات للحجاب ومطاعم الكباب وعامل النظافة الأفريقي في الحافلات الليلية.
كاتب مقال رأي في صحيفة الجارديان