حق الموت الرحيم للاطفال

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١٧/أكتوبر/٢٠١٦ ٢٣:٢٦ م
حق الموت الرحيم للاطفال

منذ عام 2002، سَمَحَت بلجيكا للبالغين المصابين بمرض عُضال أو غير قابل للشفاء بطلب وتلقي القتل الرحيم من طبيب. وفي فبراير 2014، ألغى البرلمان البلجيكي نَصا في قانون البلاد بشأن القتل الرحيم كان يقصر استخدام القانون على البالغين. وأدى ذلك إلى اندلاع احتجاجات قوية.

ولم يكن من المستغرب أن يُستأنف الصخب والاهتياج الشهر الفائت عندما طلب أول قاصر تمكينه من ممارسة حق القتل الرحيم، وناله. وقال الكرادينال إليو سجريتشيا، في حديث أذاعه راديو الفاتيكان، إن القانون البلجيكي يحرم الأطفال من الحق في الحياة. ولكن ملابسات القضية، وحقيقة أنها استغرقت عامين ونصف العام قبل أن يحدث هذا الأمر، تبين العكس تماما: فالقانون البلجيكي يحترم الحق في الحياة ــ وفي ظل ظروف محددة بدقة، الحق في الموت.

ورغم أن قانون القتل الرحيم في بلجيكا لا يشترط سنا محددة ــ ويختلف بالتالي عن التشريع الهولندي الذي يسمح للأطباء بتقديم خدمة القتل الرحيم، بناء على الطلب، للقاصر الذي لا يقل سنه عن 12 عاما ــ فإنه يشترط في الشخص الذي يطلب القتل الرحيم أن يثبت قدرته على اتخاذ القرار العقلاني. ويستبعد هذا فعليا الأطفال الصِغار من نطاق القانون. كما يشترط القانون فحص الطلب بواسطة فريق من الأطباء وطبيب نفسي أو اختصاصي في علم النفس، ويتطلب موافقة أبوي القاصر. ولابد أن يكون القاصر "في حالة طبية عضال ميئوس منها تتسم بالمعاناة المستمرة التي لا تُطاق والتي لا يمكن تخفيفها ومن المرجح أن تؤدي إلى الوفاة في الأمد القريب".

في الإعلان عن أول استخدام للقانون من قِبَل قاصر، أشار ويم ديستلمانز، رئيس لجنة القتل الرحيم الفيدرالية في بلجيكا إلى أن عدد الأطفال الذين تُثار قضية القتل الرحيم بشأنهم ضئيل للغاية. وأضاف أن هذا ليس سببا لرفض الموت الكريم لأولئك الذين يطلبونه ويلبون شروط القانون الصارمة.

على الرغم من عدم توفر أي تفاصيل عن القاصر في مستهل الأمر، فقد كُشِف في وقت لاحق أن سنه (أو سنها) سبعة عشر عاما. وبالتالي، كان المريض مؤهلا للحصول على حق القتل الرحيم في هولندا.

ولو استجاب الكاردينال سجريتشيا لموت المراهقين بالقول بأن القانون البلجيكي ينكر كون الحياة واجبا على الأطفال، فربما كان ليبدأ مناقشة مفيدة كانت لتوضح الفوارق بين أولئك الذين يعتقدون في وجود مثل هذا الواجب وهؤلاء الذين لا يعتقدون ذلك. كان توماس الإكويني، الذي لا يزال يمثل شخصية مؤثرة في التقاليد الكاثوليكية، يرى أن الواجب يملي علينا الامتناع عن إنهاء حياتنا بأنفسنا لأن هذا التصرف خطيئة ضد الرب.

وقد أوضح هذا الادعاء بإجراء قياس بين إنهاء المرء لحياته بنفسه وقتل عبد يملكه شخص آخر، وهو ما يعني أن المرء يرتكب "خطيئة في حق سيد ذلك العبد". إذا نحينا جانبا هذا القياس الذي تعوزه الحساسية إلى حد بشع، يتبين لنا بوضوح أن هذه الحجة لا تقدم أي سبب ضد الانتحار لأولئك الذين لا يؤمنون بوجود رب. وحتى أولئك الذين يؤمنون بوجود رب سوف يجدون صعوبة كبيرة في فهم السبب الذي قد يجعل إلها خيرا يريد لشخص يحتضر أن يظل على قيد الحياة حتى آخر لحظة ممكنة مهما كانت شدة آلامه أو المنغصات التي يتعرض لها أو فقدانه لكرامته.

وهناك سبب آخر يحمل حتى الكاردينال سجريتشيا على التردد في التأكيد على وجود ما قد يسمى واجب الحياة. فقد قَبِلَت الكنيسة الكاثوليكية لفترة طويلة أنه ليس لزاما على الطبيب أو المريض أن يواصل استخدام كل الوسائل الداعمة للحياة، بصرف النظر عن حالة المريض أو تشخيصه.

في المستشفيات الكاثوليكية في كل مكان، تُسحَب أجهزة التنفس وغيرها من أشكال دعم الحياة من المرضى عندما يُحكَم على أعباء مواصلة العلاج بأنها "غير متناسبة" مع الفوائد التي من المحتمل أن تتحقق. ومن المؤكد أن هذا يشير إلى أن أي واجب للحياة خاضع للفوائد المترتبة على استمرار الحياة والتي تفوق أعباء العلاج. ويرتئي المرضى الذين يطلبون القتل الرحيم أن فوائد استمرار الحياة لا تفوق أعباء العلاج، أو استمرار الحياة مع العلاج أو دون علاج.

بيد أن الحق يختلف عن الواجب. فأنا أملك الحق في حرية التعبير، ولكن ربما أختار التزام الصمت. وأتمتع بحق امتلاك أجزاء جسمي، ولكن ربما أختار التبرع بإحدى كليتي لقريب أو صديق أو غريب يعاني من فشل كلوي. فحقي يعطيني الاختيار. وبوسعي أن أختار ممارسة هذا الحق أو التنازل عنه.

وحدود السن تعسفية إلى حد ما دائما. ومن الممكن أن يتباعد العمر الزمني والعمر العقلي. ففي بعض الأنشطة حيث قد يمثل حد السن العقلي أهمية، يكون عدد الأشخاص المنخرطين في النشاط كبيرا لغاية: التصويت، والحصول على رخصة قيادة، وممارسة الجنس، على سبيل المثال. ولكن من المكلف للغاية فحص ما إذا كان كل شخص مهتم بهذه الأنشطة قادر على فهم ما ينطوي عليه التصويت، أو القيادة المسؤولة، أو إعطاء الموافقة عن عِلم على ممارسة الجنس. ولهذا السبب نعتمد على العمر الزمني كمؤشر تقريبي للقدرة العقلية ذات الصِلة.

لا ينطبق هذا على القُصَّر الذين يطلبون القتل الرحيم. فإذا كان عدد أولئك الذين يستوفون شروط القانون ضئيلا إلى حد أن بلجيكا لم تشهد سوى حالة واحدة على مدار العامين الفائتين ، فليس من الصعب إجراء فحص شامل لمدى أهلية هؤلاء المرضى للتقدم بمثل هذا الطلب.

ولهذا السبب فإن تمديد بلجيكا لقانونها بشأن القتل الرحيم إلى القاصرين الذين يتمتعون بقدرة واضحة على اتخاذ القرار العقلاني لا يحرم أي شخص من الحق في الحياة. بل هو على العكس من ذلك يمنح حق الموت لأولئك الذين قد يختارون بشكل مسؤول ممارسة ذلك الحق.

أستاذ أخلاق الطب الحيوي ف جامعة برينستون