النهج العماني الوسطي

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١٧/أكتوبر/٢٠١٦ ٢٣:٢٦ م
النهج العماني الوسطي

منذ أن وطأت قدماي أرض مطار مسقط ذات مرة، شعرت أنني في أجواء مريحة، من خدمات وتسهيلات المسؤولين ورجال الأمن، حتى لتدرك أنك في دولة عصرية، ولفت نظري الصور المتواضعة للسلطان التي تعلق على جدران المطار الداخلية، وليس كما هو الحال في مطارات أخرى ، فشوارع السلطنة تكاد تخلو من صورة السلطان، والأمر الثاني الذي لفت نظري، أنك حين تستيقظ في الصباح، ترى أن أرصفة الشوارع مختلفة عما كانت عليه قبل ذهابك إلى النوم، فترى أن الخضار والأزهار تزرع في الليل، وكأنها حديقة متكاملة ومتواصلة لتزيين الشوارع، أما الملاحظة الثالثة، فإن جدران المنازل من الخارج نظيفة ومطلية بالكلس، وتكاد لا ترى مسكناً عكس ذلك، كذلك المحافظة على كون السيارات نظيفة، وأخيراً.... فإن ما وصل إلى سمعنا، بأن رجال شرطة المرور، حين يوقفون سيارة مخالفة، فإن معاملتهم مهذبة جداً مع المخالفين، لدرجة أن المخالف الذي عادة ما يطلب من الشرطي مسامحته، فإنه في سلطنة عُمان يطلب منه مخالفته ، ولا بد من تسجيل أن المواطنين في السلطنة، لا يتحدثون بصوت مرتفع، وكأنهم يهمسون في آذان بعضهم البعض ولا ترى الأشخاص يتشاجرون،

يُسجل ويُقدر لجلالة السلطان "قابوس بن سعيد" سلطان عُمان، حكمته ودوره في القضايا العربية والإقليمية والدولية، ومسكه العصا من الوسط، وانتهاجه سياسة مستقلة، تخدم مصلحة بلاده، ومع حلول العيد الوطني السنوي للسلطنة نتقدم منه ومن شعبه، بأطيب التهاني والتبريكات، مع كل الاحترام والتقدير.

مع اعتلاء جلالة السلطان "قابوس بن سعيد"، عرش السلطنة عام 1970، يحتفل الشعب العماني بهذه الذكرى عاماً بعد عام، ويشكل هذا التاريخ، بداية انتقال السلطنة لعصر جديد، هو عصر الدولة الحديثة الديمقراطية، فجلالة السلطان "قابوس"، الذي تلقى تدريبه العسكري في أعقاب دراسته في أكاديمية "ساندهيرست" العسكرية البريطانية، قاد ونقل بلاده إلى عصر متقدم، هذا البلد كان يعاني من الفقر، وتثقل كاهله الديون، وتقسمه النزاعات الداخلية، وكان بلدا محدود الدخل بعيدا عن مشاريع التنمية، كان يعتمد على تصدير التمور فقط، وكان عاجزا عن إحداث تنمية اقتصادية أو اجتماعية.

تتميز السياسة العمانية باستقلاليتها وحياديتها، وبرفضها الدخول في المحاور الأمر الذي فرض نفسه وتأثيره وحضوره، في المشهد العربي والإقليمي والدولي، لتحتل السلطنة مكانة رفيعة وتكسب احترام المجتمع الدولي، لوجود قوى خارجية عديدة تتقاذفه، لإعادة رسم خارطة الشرق الأوسط من جديد، فكانت السلطنة وسطية في نهجها، سواء كان ذلك في مواقفها من إيران، أو عدم مشاركتها في حملة التحالف على الانقلاب الذي وقع في اليمن، مما جعلها عاملاً مؤثراً في تقريب الحوار بين الأطراف المتنازعة، تستضيفهم وتتوسط بينهم وبين الأطراف الأخرى، وتعمل على تقريب المواقف للتوصل إلى حل سلمي للقضية اليمنية، وكانت رؤيتها أن اليمن يحتاج إلى جهود الجميع، من أجل التوصل إلى تسوية سياسية، بالتنسيق مع مبعوث الأمم المتحدة الخاص باليمن، معتبرة أن الحوار أفضل وسيلة لتحقيق الأمن والاستقرار، في ظل شرعية الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، فكانت السلطنة وما زالت، طاولة المفاوضات لالتقاء الأطراف عليها، وإن كان بشكل غير مباشر، فالعلاقات المتوازنة للسلطنة مع جميع الأطراف، أعطاها هذا الدور في محاولاتها التجسير والتأثير لإعادة السلام إلى اليمن.

أما على صعيد العلاقات الأردنية-العمانية المتميزة، فهي فريدة من نوعها، فكثير من طلاب السلطنة يدرسون في الجامعات الأردنية ومعاهدها، كما أن العديد من العسكريين العمانيين يدرسون ويتلقون علومهم العسكرية في الأردن، وعلى صعيد العلاقات الاقتصادية، فقد وقع الجانبان في نهاية عام2015، مجموعة من مذكرات التفاهم، من خلال اللجنة الأردنية-العمانية المشتركة، توجت في ختام اجتماعات اللجنة المشتركة التي عقدت في العاصمة الأردنية عمان، وهذه المذكرات تتعلق بموضوع التبادل التجاري، بين البلدين، وتكثيف اللقاءات بين رجال الأعمال من الجانبين، وزيادة التبادل الاقتصادي والتجاري والاستثماري، وتعظيم الاستفادة من اتفاقية منظمة التجارة الحرة العربية، لزيادة حجم التبادل، وتبادل الخبرات في مجال تسجيل الشركات، وتبادل المعلومات والتشريعات، وتعزيز فرص الاستثمار بين البلدين في مختلف المجالات، وإقامة معرض الصناعات الأردنية في السلطنة، كذلك هناك مذكرة تفاهم بين الجانبين للتعاون في المجال الزراعي والحيواني، وأخرى في مجال التدريب المهني بين مؤسسة التدريب المهني في الأردن، ووزارة القوى العاملة في السلطنة، ومذكرة أخرى في مجال التعاون الفني لحماية البيئة، وفي مجال المواصفات والمقاييس، وهناك برنامج للتعاون التربوي بين وزارتي التربية في كلا البلدين.

لم تتأخر السلطنة في دورها القومي في دعمها للشعب الفلسطيني وسلطته الوطنية، على كافة الصعد، إذ أن للسلطنة دورا بارزا في دعم القضية الفلسطينية، على الصعيد السياسي، وعلى الصعيد الإقليمي والدولي، في دعم الشعب الفلسطيني على مدى التاريخ، أكدتها الكثير من المواقف والبيانات، وناهيك عن اهتمام السلطنة بتحقيق السلام العادل والشامل في فلسطين، وصون المقدسات وعدم العبث بها، وإعادة الحقوق لأصحابها، بانسحاب الاحتلال من كافة الأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967، وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية الخاصة بالشأن الفلسطيني، وتشدد السلطنة على عدم القبول باعتراف متبادل مع إسرائيل، وعدم رفع المقاطعة عنها والتطبيع معها، قبل التوصل إلى تسوية سلمية مع جميع أطراف الصراع، على المسارات الثلاثة: الفلسطيني والسوري واللبناني، وفي أعقاب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، أمر جلالة السلطان "قابوس بن سعيد"، بتزويد قطاع غزة بثلاثة آلاف كرفان، صنعت بمواصفات عالية، وجودة عالمية، وتسليمها للأسر التي دُمرت منازلها في هذا العدوان.

السلطنة لم تتخل عن مساعيها في تعزيز العمل الخليجي المشترك، مع وجود بعض وجهات النظر غير المتطابقة أحياناً، مع هذه الدول، لكن هدف السلطنة كان، ومازال، تحقيق المزيد من الرفاهية، والعيش الكريم لمواطني دول الخليج العربي، وكان الحوار والتفاهم هو النبراس الذي يحكم سياسة السلطنة، وهي خلاصة أفكار "جلالة السلطان"، في إدارة السياسة العمانية، وشهد لهذه السياسة السواد الأعظم من الساسة والمراقبين، إلى جانب جهود السلطنة، لرفع مستوى حياة مواطنيها، والنهوض بها إلى دولة عصرية متقدمة.

فهنيئاً لجلالة السلطان في عيد بلاده الوطني، وهنيئاً لشعب السلطنة بعيدهم ونهضتهم في ظل الرعاية التي يوليها لهم جلالته .

مدير دار الجليل للدراسات والنشر الفلسطينية