حوار- تهاني الشيكيلية
أولت حكومتنا الرشيدة منذ بزوغ فجر النهضة المباركة عناية فائقة بالمرأة العمانية وأشركتها في مختلف مجالات التنمية من أجل بناء الوطن ومواصلة مسيرة التقدم والنماء، والتحاق المرأة العمانية في السلك العسكري بمختلف صنوفه ومشاركتها الفعالة في الدورات التدريبية والإدارية هو دليل على أن المرأة العمانية قادرة على العطاء وتذليل كل التحديات التي يمكن أن تعترض طريقها باعتبار أن هذا المجال كان مقتصرا على الرجال لسنوات عديدة ، وعبرت عنها بوضوح الضابط أول مها البلوشية بحصولها على لقب " طيار - ضابط أول" تحلق على متن طائرة طراز إيرباص 330 في الطيران العماني، لم يكن تحقيق الحلم بالأمر السهل وذلك لأن رغبة أهلها لم تكن مشابهة لرغبتها لكنها تشبثت بالحلم ونالت شرف اللقب بكل جدارة وفخر.
التحقت البلوشية بجامعة السلطان قابوس بكلية التجارة والاقتصاد سابقا في عام 2005 ، فور إنهائها الدراسة الثانوية بمسقط، وكان ذلك بناء على رغبة أهلها حيث كانت والدتها تريدها أن تبقى قريبة منها خوفا عليها وحرصا على الاهتمام بها، وبعد تخرجها من الجامعة بشهادة البكالوريوس في مجال التسويق رأت بالصدفة إعلانا من قبل الطيران العماني يتيح لطلبة دبلوم التعليم العام التسجيل للالتحاق ببرنامج دراسة الطيران في أستراليا وتم قبولها بعد اجتياز الامتحانات والمقابلات والفحوصات اللازمة لذلك، وسافرت إلى ملبورن الأسترالية وبدأت دراسة الطيران في مدرسة رميت فلايت تريننج ملبورن ومكثت هناك أكثر من سنة، وبعد عودتها إلى السلطنة أصبحت البلوشية أول عمانية في الطيران العماني وتم ترقيتها إلى وظيفة " طيار – ضابط أول " في الطيران العماني .
وعن مدى تقبل أهل البلوشية للالتحاق بسلك الطيران والسفر إلى خارج عمان تقول: في البداية كان الوحيد الذي شجعني هو والدي، أما عني فقد أصررت كل الإصرار باتخاذ هذا المجال كمهنة دائمة لي مهما كلفني الأمر لأني كنت واثقة تماما أن هذا هو العمل الذي يناسب شخصيتي وميولي، وبعد قبولي في برنامج طيار متدرب وأثناء تجهيزي للسفر بدأ من حولي بالاقتناع بما أفعله.
ملاذي الوحيد
واجهت البلوشية تحديات كثيرة خاصة في بلد الابتعاث تحدثت عنها قائلة: أصعب تحدي بالنسبة لي كانت الغربة نفسها، لأنها كانت المرة الأولى التي ابتعد فيها عن عائلتي ولكن حاولت أن أتكيف مع هذا الأمر، حيث كونت صداقات مع عدد من الطالبات العمانيات والخليجيات في المدينة التي كنت أعيش فيها، و ركزت أكثر على دراستي في الطيران فهي كانت شغلي الشاغل وملاذي الوحيد.
وعند سؤالنا لها عما إذا كان تدريب الطيران للمرأة يختلف عن الرجل فأجابت: ليس هناك أي فرق بتاتا، كلاهما يتلقيان نفس التدريب ونفس المعاملة ونفس التقييم ففي الطيران لا يعامل الطيار حسب جنسه أو لونه أو جنسيته الخ، ولكن يعامل كطيار فقط و مدى احترافه و مستواه لا يعتمد على جنسه.
وعن السبب الرئيسي للإصرار على مزاولة مهنة الطيران تقول: أرجح أن كثرة سفري في سن مبكرة و اهتمامي الشديد بالطائرات وكل ما يتعلق بالسفر، بالإضافة إلى تشجيع أبي الدائم لي لأن أكون طيار لعب دورا كبيرا في تشكيل حلمي وشخصيتي وميولي فأنا أحب التحديات وأحب ما يستصعب علي و على الناس فهمه وتجربته.
تحقيق الحلم المنتظر
لا أروع من لحظة تحقيق الحلم، وتصفها البلوشية قائلة: يجب أن أقول أنني اشعر بسعادة غامرة وفرحة تأسرني كلما أحلق بالسماء حاملة علم عُمان و شعار الناقل الوطني b737 من أقصى الشرق إلى الغرب لأعرّف الناس عن بلدي ولأكون مثالا جميلا للمرأة العمانية والعربية في شتى بلدان العالم، وأروع شعور بالرغم أنه كان متوقعا هو بعد انتهائي من مرحلة التدريب على طراز طائرات في الناقل الوطني.)
وتقول البلوشية: أحب عملي في الطيران العُماني جدا وأتطلع قدما لتطوير ذاتي وإكمال دراستي الجامعية في الماجستير لأعطي مثالا يحتذى وصورة جميلة على مستوى عالٍ من الكفاءة لشباب وشابات بلدي من الجيل القادم.
شغف البلوشية لما تقوم بها عزز لديها واجب إفادة الأخرين بما حققته وتشجيع الآخرين للسير على خطاها وعن ذلك تقول: في أوقات فراغي أقوم ببعض الأعمال التطوعية منها أقوم بإلقاء المحاضرات من وقت لآخر في المدارس الحكومية لطلبة وطالبات الصف العاشر فيما يختص بالتوجيه المهني عن مجال الطيران وتفرعاته وآفاقه وعن مهنة الطيران في أوقات أخرى، و كذلك أشارك في برامج بعض الكليات والجامعات فيما يختص بتشجيع الطلاب على الصعيد العلمي والمهني.
وتشير إلى أن أطول رحلة قامت بها كطيار كانت إلى مانيلا (الفلبين لمدة) استغرقت 9 ساعات ونص بلا توقف.
لبناء مستقبل أفضل
وتوجه البلوشية كلمة أخيره لكل شابة عمانية ترغب الالتحاق بهذا المجال قائلة: ادعو كل أبناء و بنات الجيل القادم أن يسعوا في تحقيق طموحاتهم و يختاروا تخصصاتهم الجامعية بوعي أكبر وآفاق أوسع بغض النظر عن جنسهم.. وأن يعلموا أن الحياة لا تخلوا من الصعوبات والتحديات ولكن الأمر يكمن في تحويل هذي التحديات إلى نقاط إيجابية يستطيعون من خلالها تقوية أرادتهم و تعزيز إصرارهم لبناء مستقبل افضل لهم.