شيخة الجساسية.. لم تر النور منذ نعومة أظافرها، ولدت فاقدة للبصر ولكن ولدت معها البصيرة

بلادنا الاثنين ١٧/أكتوبر/٢٠١٦ ١٥:٥٧ م
شيخة الجساسية..  لم تر النور منذ نعومة أظافرها، ولدت فاقدة للبصر ولكن ولدت معها البصيرة

حوار- تهاني الشكيلية
لم تر النور منذ نعومة أظافرها، ولدت فاقدة للبصر ولكن ولدت معها البصيرة. فالبصير اسم آخر للكفيف لأنه يدرك ما لا يدركه كثير من المبصرين. فهو قادر على الإحساس بالأشياء المحيطة به كغيره من البشر لكنه يدركها ويحس بها بطريقة مختلفة؛ وذلك عن طريق استعمال حواسه الأخرى التي ازدادت قوة وحدّة من خلال الممارسة.
قصة شابة عمانية نسوقها إليكم، تعطي دليلا قويا على أن إرادة الإنسان قادرة على جعله أقوى من كل العوائق التي قد تعترض طريقه، وأنه لا إعاقة إلا إعاقة العقول والقلوب.. شيخة بنت محمود الجساسية،الشابة الكفيفة العشرينية، تحدت كل العوائق وتفوقت في مختلف مراحلها الدراسية، تخرجت من جامعة السلطان قابوس في تخصص الترجمة وهي الآن تعمل كاخصائية إعلام في الهيئة العامة لتقنية المعلومات وتمارس عملها بكل شغف وتميز.

كانت الجساسية أول فرحة لعائلتها، فكان وقع الصدمة كبيرا بالنسبة لوالديها عندما اكتشفوا حالتها أثناء محاولتهم للعب معها فقد كانت لا تستجيب لهم، لكنهم تقبلوا الأمر برحابة صدر وقرروا تربيتها كأي طفل طبيعي، وكانوا يسمحون لها باللعب مع أقرانها في الحارة.

وعندما بلغت الجساسية الثامنة من عمرها بدأ والديها بالبحث عن مدرسة حتى تنال حصتها من التعليم وتلتحق بصفوف الطلبة من عمرها. ولكن كان من الصعب جدا أن تتعلم في السلطنة؛ لأن المدارس في ذاك الوقت لم تكن مهيأة لاستقبال الأطفال ذوي الإعاقة البصرية. ومما يدعوا للحزن أن والدتها كانت تترجى المعلمات في المدارس لتقبل حالتها والموافقة على تعليمها ولكن ذلك لم يجد نفعا. فبكت كثيرا وانفطر قلبها حزنا على وضع ابنتها، لذا قرر والداها إرسالها للدراسة في الخارج بالرغم من صغر سنها. وبعد بحث وعناء وجدوا مدرسة لتعليم الأطفال ذوي الإعاقة البصرية في مملكة البحرين، وسافرت إليها مع مجموعة من المكفوفين العمانيين، درست شيخة المناهج في مملكة البحرين بطريقة برايل من الصف الأولى إلى الصف التاسع .

تحمل الغربة
وعن مرحلة الدراسة في البحرين تقول الجساسية: كانت مرحلة مليئة بالتحديات، ابتعادنا وتغربنا عن وطننا وأهلنا كان قاسٍ جدا في تلك المرحلة لأني كنت حينها في الثامنة من عمري، ولكن رغبتنا في العلم والتعلم واكتساب مهارات ومعارف جديدة هي التي كانت تدفعنا وتقوي عزيمتنا وصبرنا على تحمل الغربة والعيش بعيدا عن أهلنا.
حصلت الجساسية على نسبة 97% في الصف التاسع وتم تكريمها من قبل الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة، رئيس الوزراء في عيد العلم، وفيها أثبتت الجساسية لوالديها وللجميع بأن الشخص الكفيف مهما كان فاقدا للبصر فهم يملكون عقولا قادرة على التعلم والعطاء.
عودة الجساسية للوطن كان أمرا لابد منه وذلك لأن سياسة المدرسة التي درست بها كانت تقضي بأنه بعد الانتهاء من المرحلة الإعدادية عليها العودة للدراسة في المدارس الحكومية بالسلطنة وأن تدرس مع أقرانها المبصرين، والغرض من هذه السياسة هو تأهيلها للمرحلة الجامعية.
عادت شيخة إلى السلطنة وتم قبولها في مدرسة الغالية بنت ناصر بولاية عبري، حيث كانت أول طالبة كفيفة في المدرسة، وكان الكادر بشكل عام سواء الإداري والتعليمي غير مؤهل للتعامل مع مثل حالتها، وبالرغم من ذلك تقبلوا حالة شيخة وتعاون كل من شيخة وعائلتها والمدرسة من أجل أن تحقق هدفها وهو أن تتعلم وتتفوق.

تعاون
وعن مرحلة دراستها الثانوية تقول: في تلك المرحلة لم تكن الكتب متوفرة بطريقة برايل مثلما تعودت في مملكة البحرين، وكنت أستعين بالأهل وصديقاتي، وقد كان الكل متعاونا معي فكانوا يسجلون لي الكتب في أشرطة حتى أستطيع أن أستمع لها وأستطيع متابعة ومذاكرة دروسي ، وكانت الاختبارات بطريقة شفوية بحيث المعلمة تقرأ لي السؤال وأنا أجيب .
تفوقت الجساسية من الصف العاشر إلى الصف الثاني عشر وحققت الجساسية حلمها بدخولها جامعة السلطان قابوس تخصص الترجمة على الرغم من رفض الجامعة استقبال الطلاب المكفوفين في قسم اللغة الإنجليزية والترجمة آنذاك؛ لأنهم لم يسبق لهم التعامل مع حالات كحالة شيخة. وكانوا متخوفين ويتسائلون كثيرا كيف ستتمكن شيخة من تأدية الاختبارات والكتابة والقراءة.

بيئة عمل مثالية
وعن عملها في هيئة تقنية المعلومات تقول: أنا بدأت كمتدربة في هيئة تقنية المعلومات ولله الحمد تم قبولي فيها لأكون موظفة لديهم بعد إنجازي لكثير من المهام والمسؤوليات، وهي من الأماكن التي أفتخر أنني أعمل بها لأنهم منحوني ثقة كبيرة. ولأن التعاملات اليومية والعمل بشكل عام عن طريق الحاسب الآلي، فلم أواجه ولله الحمد الكثير من الصعوبات. وأعتبرها بيئة مثالية لأي كفيف يعمل بها .
وتتابع: أعمل في قسم الإعلام والتوعية (أخصائية إعلام) ، أقوم بكتابة نصوص وأخبار ومحتوى للموقع الإلكتروني وأترجم بعض النصوص أيضا، كما أقوم بتدقيقها تدقيقا لغويا وأيضا أقوم بأعمال إدارية مختلفة.
وعن دور التكنولوجيا في تسهيل حياتها تقول :التكنولوجيا فتحت لنا آفاق واسعة، كنا نعتقد أنها ضيقة وخصوصا بيئة العمل، بفضل الله سبحانه وتعالى وبفضل التكنولوجيا أصبحنا قادرين على شغل وظائف كان من الصعب العمل.

خصوصية تامة
وتضيف: بفضل التكنولوجيا أصبحت لدينا خصوصية واستقلالية تامة على سبيل المثال سابقا كنت استخدم الهاتف العادي وكان بدون قارئ شاشة، وكنت أطلب من أي شخص بجانبي أو قريب مني أن يقرأ لي الرسالة، أو أن يرى من المتصل وإذا أردت أن أكتب أي رسالة لابد أن أطلب من أي شخص أن يكتبها لي أو أن أكتبها بنفسي وأطلب من أي شخص بجانبي أن يدققها لي.
وتشير الجساسية إلى أهمية أن يحصل كل ذوي إعاقة على التعليم الكافي واللازم قائلة: أتمنى أن يحصل كل ذوي إعاقة على التعليم الذي يخدمهم، تعليم ذا جودة، يرتقي بفكرهم وثقافتهم ومستواهم سواء الاجتماعي أو المعرفي ليتمكنوا من العطاء والمساهمة بشكل فعال في المجتمع.

وأخيرا توجه رسالة لكل أب وأم الذين رزقهم الله أطفال أو أشخاص ذوي إعاقة في عوائلهم قائلة: أتمنى أن تتقبلوهم برحابة صدر وأن تقدموا لهم الدعم اللازم لأنهم وإن كانت لديهم إعاقة إلا أنهم قادرون على العطاء، فتقبلوهم كما هم وأعطوهم الفرص التي يستحقونها، أدمجوهم في المجتمع ولا تجعلوهم في عزلة بل أحرصوا دائما على أن تجعلوهم دائما متواجدين في كل المناسبات وأيضا أعطوهم الثقة التي يحتاجون إليها.