مسقط- عمانيات
إن المتابع للتاريخ العماني الحديث منذ أوائل السبعينيات سيكتشف أن المرأة العمانية كانت ولاتزال صنوناً وشريكاً للرجل في كافة المجالات، عملت بجد وبذلت من الجهود الكثير من أجل رسم ملامح الواقع الزاهر الذي تعيشه عُمان اليوم.
في إطار هذه الصورة المتكاملة، كان دور المرأة في عمان جوهرياً فيما يتعلق بحفظ التراث التاريخي للبلاد من بوابة الصناعات الحرفية التقليدية، حيث لعبت دوراً محورياً في دعم هذا التوجه حتى باتت عنصراً أساسياً فيه لا يقل دورها بحال من الأحوال عن أخيها الرجل، ولعل أكبر دليل على ذلك، كانت ثقة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- في تسليم هذا الملف إلى امرأة عمانية هي معالي الشيخة عائشة بنت خلفان بن جميّل السيابية، رئيسة الهيئة العامة للصناعات الحرفية، لتكون مسؤولة عن قطاع يُعنى مباشرة بحفظ هذا التراث العريق وتوظيفه في خدمة الاقتصاد من البوابة السياحية ... للتعرف أكثر على دور المرأة في عالم صناعة الخرف التقليدي في عمان، كان لنا هذا التقرير:
رقية والمشغولات الفضية
رقية علي الموسوية، حاصلة على شهادات في المجال المصرفي عملت لأكثر من 7 سنوات في قطاع البنوك والتعليم. وبعد إكتسابها للخبرات العملية قررت ترك العمل والإنضمام لبرنامج "صناعة الخناجر والمشغولات الفضية" المنظم من قبل الهيئة العامة للصناعات الحرفية في مركز تدريب وإنتاج الخنجر والمشغولات الفضية بولاية السيب وأصبحت اليوم تمتلك مشروعا لإنتاج المشغولات الفضية تحت عنوان "لا سيلفا" "La Silva".
تستعمل رقية الفضة العمانية الخالصة وبعض الأحجار الكريمة واللؤلؤ الطبيعي والصناعي وطلاء الفضة بالذهب وكذلك خياطة خيوط الفضة بالجلد الطبيعي مع المخمل. وتوليف بعض المنتجات مع بعضها البعض مثل الخشب والجلد والفضة لإبتكار منتجات حديثة ومتطورة.
تقول رقية: "أقوم برسم تصاميمي بنفسي من مخيلتي. ومنذ دخولي للبرنامج التدريبي في الهيئة قمنا بتعلم الكثير من التصاميم العمانية التراثية والذي ساعدني في تطوير مهاراتي في مجال تصميم الحلي وقد مكنني ذلك من تحديث ودمج الحاضر والماضي معا للحصول على تصاميم جديدة ومبتكرة. ومثال على هذا فقد قمت بتصميم حلي تعتبر الأولى من نوعها ولم يقم أحد من قبل بالتفكير بعمل شيء مماثل بشهادة العاملين بالهيئة، فقد قمت بدمج الفضة والخرز والجلد وخيوط الفضة لصناعة قلادة تتكون من هذه الخامات الأربعة.
مجسمات أصيلة الغماري
تقوم أصيلة بصنع مجسمات تراثية تعكس أسلوب الحياة القديم في عُمان، تستمد أفكارها من البيئات المختلفة التي تزخر بها الطبيعة العمانية كالحياة البحرية والبدوية وتصنع منازل رائعة من الطين والسعف أو خيم بدوية، كما تجسد مشاهد من ممارسة العماني للزراعة أو حتى من طقوسه المميزة داخل منزله.
بدأت أصيلة عملها هذا قبل ثلاثة سنوات تقريبا، وأصبحت الفكرة مصدر دخل جيد لها. عن الخامات التي تستخدمها تقول: "أميل إلى استخدام خامات طبيعية متوفرة في البيئة المحيطة مثل الأخشاب والسعفيات والأواني الفخارية والزهريات والمباخر وغيرها الكثير من المواد التي تعكس طبيعة وأسلوب حياة العمانيين والتي لازالت تستخدم حتى يومنا هذا. أيضا أستخدم المنسوجات على اختلاف أنواعها ومنها المنسوجات البدوية إلى جانب مختلف أنواع الأقمشة والجلود، كما أنني أضيف إلى مجسماتي دمى تجسد رجال ونساء وأطفال بزيهم التقليدي العماني حتى أمنحها الحياة والجاذبية.
مناديس صفية
صفية سيف الغافري، فنانة تشكيلية خريجة جامعة السلطان قابوس بكالوريوس تربية عام 2005 وهي أول فنانة عمانية تطور المندوس العماني، وفي حصيلتها حتى الآن ثلاثة معارض ناجحة قدمت من خلالها المندوس التقليدي بتصاميم مطورة جميلة وملونة ومتفاوتة الأحجام والأشكال.
تقول صفية: "عملت على فكرة تطوير المندوس العماني منذ السنوات الأولى من دراستي بالجامعة تحت إشراف عدد من الأساتذة. وبعد التخرج بقيت أفكر بالأمر واستغرق العمل والتحضير لمعرضي الأول خمسة سنوات من العمل الدؤوب والبحث المستمر في عناصر الموروث العماني وتفاصيله وكانت التجربة الأولى لي في هذا الميدان ممتعة وشيقة جدا.
.
وحول رأيها بالدور الذي تلعبه المرأة العمانية كشريكة للرجل في حفظ التراث العماني من الإندثار تقول: "المرأة كانت ولازالت تقوم بجهود كبيرة لحفظ التراث من خلال عملها في مجال الحرف التقليدية بكل أنواعها وعلى كامل الجغرافية العمانية وهو ما يسهم في ضمان استمرارها. والمندوس هو أحد مفردات الموروث العماني الهامة وهو بمثابة صندوق الذاكرة للعمانيين وأفخر ان أكون ممن يساهمن في حفظ هذا التراث ويقدمونه بأجمل صورة إلى العالم.
منسوجات آسيا السيابية
منذ العام 2009 بدأت آسيا السيابية ولاية سمائل مشوارها في تعلم حرفة النسيج في مركز تدريب وإنتاج النسيج والتطريز من سمائل رغم أن عدد النساء الذين يمارسن هذه الحرفة لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، وبقيت في المركز لمدة خمسة سنوات اكتسبت خلالها كل المعرفة اللازمة للاستمرار بهذه الحرفة والمحافظة عليها لتبقى من مميزات الولاية وعُمان ككل. وأصبحت أيضا مصدر دخل جيد لها.
تقول آسيا: "بعد فترة التدريب التي قضيتها في مركز تدريب وإنتاج النسيج والتطريز بسمائل بدأت أفكر باتخاذ خطوتي الأولى الخاصة بي في هذا المجال ففتحت ورشة صغيرة في منزلي وبدأت العمل من مملكتي الصغيرة بمشاركة 2 من إخوتي وأخذنا ننتج أعدادا كبيرة من المنسوجات الرائعة التي تتنوع بين السيحة والمفارش والسباعيات اليديوة والدنتلات إضافة إلى أحزمة الخناجر"
وعن مشاركة المرأة في حفظ التراث تقول آسيا: المرأة كانت ولازالت تشارك الرجل بقوة في تعلم الحرف ومزاولتها وأثبتت نجاحها الكبير وتميزها فيما تقدمه. إلى جانب أن المرأة ومن كافة الأجيال العمرية وكافة مناطق السلطنة تشارك بهذه الجهود وتلعب دورا بارزا في حفظ الحرف جميعها على اختلاف أنواعها ومنعها من الزوال.
تعمل أحلام السيابية في مجال المشغولات الفضية وتتنوع أعمالها من الخناجر والحلي والعصي والتحف وغيرها من المنتجات التي تقدمها من خلال مؤسستها "مؤسسة المفاريد الفضية للتجارة"
بدأ مشوار أحلام كحرفية بعد التحاقها بورشة لصناعة الفضيات أقامتها الهيئة العامة للصناعات الحرفية التي حصلت من خلالها على دعم كبير بدأ بحصولها على بعثة تدريبية لتعلم طلاء وتلميع الذهب في جمهورية الهند بعد تميزها في عملها بين زملائها في الدورة. كما التحقت بالعديد من الدورات المتخصصة في مجال الفضيات التي تعلمت من خلالها فنون وتفاصيل هذه الحرفة حتى أجادتها وأصبح لها حضور دائم في المعارض التي تنظمها الهيئة محليا ودوليا، كما أنها حصلت على عدد من الجوائز منها المركز الأول في مسابقة الإجادة الحرفية لعام 2010. كما وحصلت في العام 2015 على جائزة المركز الأول في مسابقة الإجادة من مجلة المرأة في مجال المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وفي نفس العام حصلت على كأس صاحب الجلالة في مسابقة الإجادة الحرفية والكأس والمركز الاول في مجال المشاريع الحرفية.
تقول أحلام : "فخورة جدا بعملي في مجال المشغولات الفضية التي كانت وستبقى جزءاً مهماً من الزي التقليدي العماني التقليدي للرجل والمرأة على حد سواء. أتمنى ان تصل منتجاتي للعالمية حتى أساهم في دعم الحرف التقليدية العمانية وأشكر كل من وقف جانبي وساندني وبخاصة الهيئة العامة للصناعات الحرفية التي تقوم بجهد جبار لمساعدتنا على صقل مهاراتنا وبدء مشاريعنا الخاصة.